لغز الأثر رقم 440 بمتحف النوبة.. هل أخطأنا في حساب عمر الأهرامات؟

في أحد أركان متحف النوبة الواقع بقلب محافظة أسوان، وضمن مجموعة آثار ما قبل التاريخ، وضعت في صندوق زجاجي ملاصق للجدار. قد يمر البعض أمامها ولا ينتبه إلى أهميتها. إلا أن آخرين يقطعون مصر من شمالها إلى جنوبها، بحثا عنها ورغبة في فحصها وفهم نقوشها الغامضة، التي تثير الجدل.

يعد الأثر رقم 440 بمتحف النوبة -وهو عبارة عن بيضة نعامة منقوشة ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات، وبالتحديد إلى حضارة نقادة (4000 ق.م – 3000 ق.م)- أحد أشهر القطع الفريدة داخل المتحف. حيث يسهل أن تعثر على مئات التقارير بمختلف اللغات على الإنترنت، التي تتحدث عن تلك البيضة وتحاول تفسيرها. وذلك كله يرجع إلى نقش مثير للاهتمام على أحد وجهيها، يجسد ثلاثة أشكال هرمية وإلى جوارها شكل متعرج غير محدد الملامح.

الأثر 440

فعلى الرغم من بساطة هذا الأثر، وبدائية الرسوم المنقوشة عليه، إلا أنه يثير معضلة تاريخية. حيث يعتقد البعض بأن تلك الرسوم تجسد أهرامات الجيزة وبجانبها نهر النيل. وهي شبيهة للغاية بشكل الأهرامات والنيل الذي يرسمه الأطفال الصغار في المدارس حاليا. إلا أن هذا الاعتقاد يتعارض صراحة مع المتعارف عليه حول عمر الأهرامات. كون البيضة أقدم من أهرامات الجيزة بمئات السنين!

وهو ما يستدعي سؤالا بديهيا: كيف عرف المصريون في عصر ما قبل الأسرات بشأن أهرامات الجيزة التي ستبنى لاحقا في عصر الأسرة الرابعة؟

الإجابة على السؤال السابق، تدعونا للبحث وراء تاريخ هذا الأثر الغامض، والتعرف على مكان وظروف العثور عليه وكيف تم تحديد عمره. وأيضا البحث في تاريخ طيور النعام بمصر القديمة واستخدام المصريين لها. والتعرف على الآراء المختلفة التي قيلت بشأن هذا الأثر. حتى نصل في النهاية إلى تفسير مقنع نستطيع من خلاله فهم هذا النقش المثير للجدل.

لوحة من حجر الشست تعرف باسم "لوحة مانشستر"، تعود إلى حضارة نقادة الثانية، وتصور رجلا وثلاث نعامات طوال، متحف مانشستر بإنجلترا.
لوحة من حجر الشست تعرف باسم “لوحة مانشستر”، تعود إلى حضارة نقادة الثانية، وتصور رجلا وثلاث نعامات طوال، متحف مانشستر بإنجلترا.
تاريخ النعام في مصر

تقول الدكتورة دينا عز الدين، أستاذ علم المصريات بجامعة الإسكندرية: “النعام كان من أوائل الطيور التي ظهرت أدلة مصورة على وجودها في مصر القديمة. حيث سجل المصري القديم ممارسته لصيد النعام من خلال الرسوم الصخرية الموجودة بطول منحدرات نهر النيل وفي صحاري صعيد مصر والنوبة السفلى”.

وتضيف في دراسة لها بعنوان “بيض النعام في مصر ما قبل الأسرات”، أن المصري القديم كان يصطاد طيور النعام بسبب ريشها ولحومها وبيضها. حيث كان المصريون يستخدمون الريش بشكل أساسي في الزينة. بينما كان لحم النعام أحد مصادر الطعام فقد كان لحم طائر واحد يكفي لإطعام عدة صيادين. أما بيض النعام فقد كان مكملا غذائيا يوفر كميات كبيرة من البروتين.

ويوضح الباحث في علم الحيوان، نيكولاس مانليوس، في بحث له بعنوان “النعام في مصر: الماضي والحاضر”، أن طيور النعام كانت وفيرة ومنتشرة في مصر على نطاق واسع في الماضي. إلا أنها كانت تشهد انخفاضا مستمرا في أعدادها، بسبب التغيرات المناخية التي أثرت على البيئة المساعدة على عيش النعام. وانحسار الغطاء النباتي الذي كانت تتغذى عليه، بالإضافة إلى الصيد المكثف من قبل البشر.

ومن المعلومات اللافتة التي يكشف عنها مانليوس، أنه في حوالي عام 1880، أنشئت مزرعة للنعام في منطقة المطرية بالقاهرة، كادت تستعيد الحضور القوي للنعام في مصر. حتى أنها احتوت على قرابة 1400 طائر بحلول عام 1895. وكان الهدف من إنشائها هو الحصول على ريش النعام لاستخدامه في الأزياء والملابس والمراوح. إلا أنها أغلقت في عام 1913، بعدما بطلت موضة ارتداء ريش النعام، ليواصل النعام انحساره عن الأرض التي عاش عليها آلاف السنين.

النقوش على وجهي بيضة النعامة كما نشرت في تقرير المستكشف سيسيل مالابي فيرث عام 1909.
النقوش على وجهي بيضة النعامة كما نشرت في تقرير المستكشف سيسيل مالابي فيرث عام 1909.
بيض النعام.. أواني وحلي

أما عن بيض النعام بالتحديد، فتقول عزالدين في دراستها، إن قشر بيض النعام يتمتع بأهمية أثرية كبيرة. حيث يعتبر من بين أقدم القطع الأثرية التي ترجع إلى مصر القديمة. كما أنه قابل للخضوع لتحليل “الكربون المشع”، وهو عملية تساعد الباحثين في معرفة أعمار القطع الأثرية بدقة. وبالتالي يساهم بدور هام في عملية التأريخ الأثري.

وتضيف أن المصري القديم كان يستخدم قشر بيض النعام بطرق مختلفة بعدما يقوم بتفريغه. ويستخدمه إما كحاويات للسوائل مثل الماء والحليب، بالرغم من أنه كان أضعف من الفخار، أو يقوم بتقطيع القشر إلى حبيبات دائرية وأقراص لعمل الخرز والتمائم والحلي.

وفي حالة الاستخدام كحاوية، كان كثيرا ما يتم نقش بعض الزخارف على القشرة الخارجية للبيض، مثل الزخارف الزهرية والخطوط الهندسية أو الأشكال الحيوانية والبشرية. حيث كان يصل طول البيضة الواحدة إلى 15 سم وقطرها 13 سم، وقد يصل سمك قشرتها إلى 3.5 ملم، في حين قد يبلغ وزن قشر البيضة حوالي 1.5 كيلو جرام.

ويشير مانليوس إلى أن شظايا قشر بيض النعام شائعة جدا في المواقع التي ترجع إلى العصر الحجري القديم ومواقع ما قبل التاريخ في مصر. وذلك على طول نهر النيل، بينما من النادر العثور على الطائر نفسه في تلك المناطق.

بيضة متحف النوبة، حيث تظهر عليها الأشكال الهرمية وإلى جوارها خط متعرج غير محدد الملامح.
بيضة متحف النوبة، حيث تظهر عليها الأشكال الهرمية وإلى جوارها خط متعرج غير محدد الملامح.
جبانات الدكة بأسوان

ذكر الدكتور سليم حسن في موسوعة مصر القديمة، عند حديثه عن عصر ما قبل التاريخ في بلاد النوبة السفلى، أن جبانات منطقة الدكة أرقام (101، 102، و103)، كانت تحتوي على أكثر من 600 مقبرة. وتعد من أعظم المدافن النوبية من عهد ما قبل التاريخ حتى العهد النوبي المتوسط. وقد كانت أقدم مقابر هذه الجبانة تقع في مستعمرة عتيقة في الجنوب، وتمتد منها الجبانة نحو الشمال.

ويضيف أن هذه الجبانات احتوت على مقابر صغيرة مسطحة، حيث كان يوضع فيها جسد المتوفى في وضع مضطجع ومقرفص على جانبه الأيسر. بينما رأسه يتجه نحو الجنوب، وفي العادة يغطى جسم المتوفى بحصير أو جلد حيوان.

وكان من أبرز ما يميز طريقة الدفن في هذه المقابر، هو احتوائها على بعض الأثاث الذي كان يستخدمه المتوفى في حياته. مثل الأواني الفخارية والسكاكين والحراب ورؤوس السهام.

وفي إحدى هذه المقابر، وبالتحديد في المقبرة رقم 96 بالجبانة 102 بمنطقة الدكة في النوبة السفلى، عثر المستكشف الإنجليزي سيسيل مالابي فيرث، أثناء قيامه بالتنقيب، على قشر بيضة النعامة التي ستصبح لاحقا الأثر رقم 440 المعروض متحف النوبة في أسوان.

الجبانة رقم 102 بمنطقة الدكة في النوبة السفلى بأسوان، التي عثر فيها على بيضة متحف النوبة
الجبانة رقم 102 بمنطقة الدكة في النوبة السفلى بأسوان، التي عثر فيها على بيضة متحف النوبة
محتويات المقبرة رقم 96

كشف فيرث في تقريره عن موسم تنقيب 1909 – 1910 الخاص بالمسح الأثري في منطقة النوبة. العثور على تلك البيضة في المقبرة رقم 96 بمنطقة جبانات الدكة في النوبة السفلى. يقول إن تلك المقبرة كانت من بين المقابر القليلة الموجودة في الجبانة رقم 102. التي ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات المتأخر. أي أنها ترجع إلى الفترة ما بين عصر ما قبل الأسرات، وعصر الأسرات المبكر. ما يعني أن عمر محتويات المقبرة ومن بينها بيضة النعامة، لا يقل عن 6500 سنة.

ويوضح فيرث أن المقبرة كانت بيضاوية الشكل، ومساحتها 110 × 70 سم، وبعمق 115 سم. وقد خصصت لدفن جثمان طفل، وضع داخلها في وضع القرفصاء على جانبه الأيسر، ورأسه تجاه الجنوب الغربي.

وقد عثر المستكشف الإنجليزي داخل المقبرة، على 12 قطعة أثرية، أغلبها أواني وأدوات وخرز وتمائم. بالإضافة إلى قشر بيضة النعام المنقوشة، التي ظهرت عليها المثلثات الثلاث.

وعن النقوش الموجودة على تلك البيضة. تقول الدكتورة دينا عز الدين في دراستها، إن البيضة نحت عليها من الخارج تصاميم حيوانية وهندسية، من بينها شكل حيوان مجهول الهوية، رجحت أن يكون زرافة. إضافة إلى نقش قالت أنه “مثير للاهتمام” لثلاث مثلثات، حيث تتقاطع أجسام الحيوانات والمثلثات مع عدد من الخطوط. كما أن الثقب الموجود أعلى البيضة له شكل فريد محفور حوله.

وبفحص الصور التي تمكنا من التقاطها للبيضة في متحف النوبة، والصور التي أوردها فيرث للبيضة في تقريره. يظهر أن للبيضة وجهان، الأول يتضمن ثلاثة أشكال هرمية متلاصقة وعليها خطوط عرضية، وبجوارها ما يشبه الحيوان أو الطائر. وعلى الوجه الآخر ثلاث أشكال هرمية أخرى لها نفس السمة، وبجوارها نقش متعرج يشبه الثعبان.

فما الذي أراد أن يرمز له المصري القديم من نقشه لتلك المثلثات، في هذا الوقت المبكر جدا من عمر الحضارة المصرية القديمة؟

القبر رقم 96 الذي عثر فيه على بيضة متحف النوبة، حسبما نشر في تقرير المستكشف سيسيل مالابي فيرث عام 1909.
القبر رقم 96 الذي عثر فيه على بيضة متحف النوبة، حسبما نشر في تقرير المستكشف سيسيل مالابي فيرث عام 1909.
هل هي أهرامات الجيزة؟

تفسير المثلثات الثلاثة على الأثر رقم 440 بمتحف النوبة، أخذ عدة أشكال واتجاهات، أكثر هذه الاتجاهات شيوعا، والذي يمكن أن تعثر عليه بسهولة منشورا بمئات المواقع الإلكترونية غير المتخصصة على الإنترنت. هو القول بإن تلك المثلثات هي تجسيد لأهرامات الجيزة الثلاثة، أهرامات خوفو وخفرع ومنكاورع!

ولكن الرأي السابق يصطدم بما هو معروف عن عمر أهرامات الجيزة، من أنها بنيت في الأسرة الرابعة (2600 ق.م – 2500 ق.م). أي أن عمرها قرابة 4500 سنة، بينما بيضة النعامة موضوع التحقيق ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات المتأخر. أي أنها نقشت قبل عام 3200 ق.م (بداية عصر الأسرات) وبالتالي فإنها أقدم بمئات السنين من العمر المعروف للأهرامات! فما معنى ذلك؟!

الباحث المصري أحمد عدلي، هو واحد ممن يتبنون الرأي السابق، والذي سبق وأشار إليه أكثر من مرة عبر حلقاته التي يبثها في قناته على منصة “يوتيوب”. ويطرح من خلالها نظرية أكبر مفادها أن عمر الحضارة المصرية القديمة أكبر مما نتخيل، وأن كثيرا من آثارها هو أقدم مما نعتقد، وعلى رأسها أهرامات الجيزة وتمثال أبوالهول.

يقول عدلي لـ”باب مصر” في تفسيره لنقوش بيضة متحف النوبة، إن الأشكال الهرمية المرسومة عليها “تطابق تماما نسق أهرامات الجيزة، خاصة إذا نظرنا إليها من الجهة الجنوبية، فسوف نراها مرتبة من الأكبر للأصغر. كما أن هناك شكلا على البيضة يمثل نهر النيل -الرسم الشبيه بالثعبان- إضافة إلى أن الأشكال الهرمية الثلاثة تحوي خطوطا متوازية تمثل الصفوف أو المداميك الحجرية لأهرامات الجيزة”.

بيضة متحف النوبة وإلى جوارها رسم جرافيك لأهرامات الجيزة ونهر النيل، كما نشره الباحث أحمد عدلي في أحد حلقاته على "يوتيوب".
بيضة متحف النوبة وإلى جوارها رسم جرافيك لأهرامات الجيزة ونهر النيل، كما نشره الباحث أحمد عدلي في أحد حلقاته على “يوتيوب”.
حضارة نقادة

عدلي اعتبر في حديثه أن كل هذا لا يمكن أن يكون مجرد “صدفة”، مشيرا إلى أن حضارة نقادة -التي ترجع إليها هذه البيضة- احتوت على فخاريات حملت أشكالا كثيرة. ولكن لم يعثر على أي شكل مطابق لأهرامات الجيزة والنيل في النسق مثلما يظهر في بيضة متحف النوبة، معتبرا أنها دليل على قدم عمر أهرامات الجيزة، وأن شعب نقادة رأى الأهرامات الثلاثة وصورها على تلك البيضة!

الباحث الذي عرف على الشبكات الاجتماعية خلال السنوات الأخيرة بحلقاته التي حملت اسم “الحضارة المفقودة”. استند في رأيه إلى القول بأن عمر أهرامات الجيزة ليس مقطوعا بصحته حسب وجهة نظره. مشيرا إلى أن الأدلة التي يتم الاستناد إليها في تحديد عمر الأهرامات، حولها خلاف كبير حتى الآن، حسب قوله.

وأوضح أن خرطوش خوفو مثلا، الذي عثر عليه الإنجليزي هوارد فايس داخل غرف تخفيف الأحمال بالهرم الأكبر -ويستند إليه بشكل رئيسي في تحديد عمر الهرم وربطه بالملك خوفو- تثور حوله الشكوك. حيث دون اسم الملك بشكل غير لائق وبطريقة غير احترافية. كما أن الخرطوش حمل بعض الأخطاء في علامات الكتابة. مثل علامة (وج) التي كتبت خطأ قرابة 8 مرات في الغرف.

وأضاف أن عالمة الآثار المصرية بجامعة أبردين الإسكتلندية، عبير العداني، أجرت تحليلا بالكربون المشع لتحديد عمر قطعة من الخشب. عثر عليها المستكشف الإنجليزي واينمانديكسون في ممرات غرفة الملكة داخل الهرم الأكبر. وكانت المفاجأة أن عمر الخشب يعود إلى (3341 ق.م – 3094 ق.م) أي قبل التاريخ الرسمي للهرم الأكبر بـ500 إلى 800 عام. معتبرا أن كل ذلك وغيره، أدلة ترجح أن عمر أهرامات الجيزة أقدم مما هو متعارف عليه. وبالتالي فإن القول بأن نقوش بيضة متحف النوبة كانت تجسيدا لأهرامات الجيزة هو قول مقبول جدا ويتوافق مع عمر الأهرامات كما يعتقد.

التل الأزلي الذي بدأ منه الخلق

على الجانب الآخر، يرفض الأكاديميون تلك التفسيرات لنقش بيضة متحف النوبة. ويقدمون آراء عدة لفهم هذا الأثر المثير للجدل.

الدكتورة دينا عزالدين، أشارت إلى الأثر رقم 440 بمتحف النوبة، في بحثها عن بيض النعام في مصر ما قبل الأسرات. إلا أنها لم تفسر تلك الأشكال الهرمية المنقوشة عليها، واكتفت بوصفها بأنها “مثيرة للاهتمام”. لذا حرصنا على أن نتواصل معها لنعرف رأيها وتفسيرها لهذه النقوش، وما تقدمه من دلالات.

بداية، رفضت عز الدين في حديثها لـ”باب مصر” أن يكون هذا النقش مقصودا به أهرامات الجيزة الثلاثة. مشيرة إلى أن تاريخ الأهرامات ثابت بدلائل تاريخية وأثرية مختلفة. مثل خرطوش الملك خوفو الموجود بغرف تخفيف الأحمال، وبرديات وادي الجرف التي اكتشفت قبل عدة سنوات وكانت تتحدث عن فترة بناء الهرم الأكبر في عهد الملك خوفو.

أما عن تفسيرها لهذا النقش، فأوضحت أستاذة علم المصريات أن الشكل الهرمي كان له مغزى ديني مهم وراسخ في العقيدة المصرية منذ القدم. لأنه مرتبط بفكرة “التل الأزلي” الذي بدأ منه الخلق. كما أنه مرتبط بعبادة الشمس لذا ليس من المستغرب أن يتم العثور على أشكال هرمية على قطع أثرية ترجع إلى فترة ما قبل الأسرات حسب قولها.

وأضافت أن بيضة متحف النوبة لفتت الأنظار وأثارت كل هذا الجدل. لأنها تضمنت ثلاثة أشكال هرمية متجاورة، شبيهة بالطريقة التي يرسم بها الأطفال أهرامات الجيزة في وقتنا الحالي. وهو ما دفع البعض للاعتقاد بأنها تمثل الأهرامات الثلاثة. مؤكدة أن ذلك النقش “ملفت للنظر” بالفعل، ولكن لا يمكن أن يكون المقصود به هو أهرامات الجيزة.

بيضة متحف النوبة
بيضة متحف النوبة
أكثر من مئة هرم

الأثري والمرشد السياحي بمنطقة كوم أمبو بأسوان، أحمد سيد، يتبنى وجهة نظر شبيهة. حيث قال لـ”باب مصر”، إن الأشكال الهرمية المنقوشة على بيضة متحف النوبة. هي تجسيد للأشكال التي كان يراها الإنسان المصري القديم في الطبيعة، مثل التلال التي كان يراها في الصحراء. كما كان يرسم أشكال دائرية تعبيرا عن المناظر التي يراها في الرمال أو تعبيرا عن أشعة الشمس أو أشكال الأكواخ التي كان يقطنها.

أما عن الربط بينها وبين أهرامات الجيزة بسبب كونها ثلاث مثلثات،.فقد اعتبر سيد أن ذلك أيضا قولا غير دقيق، لأن مصر بها أكثر من مئة هرم وليس ثلاثة فقط. وبالتالي لا يرى مبررا لربطها بأهرامات الجيزة تحديدا. مضيفا أن مسألة عمر الأهرامات قد قتلت بحثا وحسمت. وبات من المؤكد أنها ترجع إلى عصر الأسرة الرابعة في الدولة القديمة، التي اشتهرت ببناء المقابر على الشكل الهرمي. قبل أن تتخلى عن هذه الطريقة وتتجه إلى إخفاء مقابرها تجنبا للصوص المقابر.

كما استبعد سيد أيضا، أن تكون هذه الأشكال تجسيدا لمباني كانت قائمة في فترة ما قبل الأسرات واندثرت، مشيرا إلى أنه لم يعثر على أي مباني قائمة ترجع إلى تلك الفترة. حتى أن أقدم مبنى معروف كان مشيدا من الطوب اللبن ويرجع إلى أحد ملوك الأسرة الثانية. أي بعد الفترة التي ترجع إليها بيضة متحف النوبة بمئات السنين.

وعن كيفية تحديد عمر البيضة، قال سيد، إنها خضعت لتحليل الكربون المشع، إضافة إلى تحديد عمرها من خلال المقارنة مع قطع أخرى معروف تاريخها. وثالثا عبر تاريخ المقبرة التي عثر فيها على البيضة، وهي مقبرة ترجع إلى حضارة نقادة.

جانب آخر لبيضة متحف النوبة، ويظهر عليه نفس الأشكال الهرمية وبجوارها رسم لكائن غير محدد الملامح.
جانب آخر لبيضة متحف النوبة، ويظهر عليه نفس الأشكال الهرمية وبجوارها رسم لكائن غير محدد الملامح.
أهرامات مروي في السودان

الدكتور أسامه عبدالوارث، أستاذ علم المتاحف، وواضع سيناريو العرض بمتحف النوبة الذي توجد به البيضة موضوع هذا التحقيق. هو واحد من أكثر من اقتربوا من هذا الأثر النادر ودرسوه. لذا حرصنا على التواصل معه لمعرفة رأيه وتفسيره لهذه النقوش.

قدم عبدالوارث تفسيرا مختلفا، حيث قال لـ”باب مصر”: لو صح بأن المقصود بهذه النقوش أهرامات فعلا، فهي أشبه بأهرامات السودان في منطقة (مروي) لا بأهرامات الجيزة. وبالتالي فإن دراسة نقوش هذه البيضة لا يدفعنا لإعادة النظر في تاريخ أهرامات الجيزة، بل ربما يجعلنا نعيد النظر في تاريخ أهرامات (مروي). مختتما بقوله “وربما كانت تجسيدا لأهرامات بدائية، ولكنها اندثرت قبل سنوات طويلة”.

في النهاية، وأيا كان تفسير هذه النقوش المثيرة للاهتمام والجدل معا. إلا أن الأكيد هو أن الحضارة المصرية ستظل مصدر دهشة وحيرة وإلهام لنا. وربما احتجنا عشرات السنوات وربما أكثر قبل أن نتمكن من كشف كل أسرارها. وفهم حجم الإنجاز الحضاري الاستثنائي الذي شيده المصري القديم على ضفاف وادي النيل.

اقرأ أيضا

مقبرة رمسيس الثامن.. حلم الأثريين المصريين لتكرار معجزة هوارد كارتر

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر