قناة واحدة و6 ساعات يوميًا.. هكذا كانت بداية إرسال التلفزيون في مصر

بشكل دائري يطل على كورنيش النيل وسط مدينة القاهرة، يوجد التلفزيون المصري، الذي يبدو وأنت تمر أمامه من الخارج هادئًا، بينما هو يعج بحركة لا تنقطع ولا تتوقف طوال اليوم نهاره وليله، حيث يلعب التلفزيون دورًا مهمًا كوسيلة من وسائل الإعلام ذات القدرة الجبارة في التأثير على صناعة الرأي العام.

إضافة إلى دوره كوسيلة مهمة للتسلية والترفيه، رغم ظهور وسائل ترفيه أكثر حداثة منه، وظهور وسائط تكنولوجية تؤثر بشكل ما في صناعة وتوجيه الرأي العام، ونظرا لتأثير هذا الجهاز الهام عقدت منظمة الأمم المتحدة يومي 21 و22 من نوفمبر عام 1996، أول منتدى عالمي للتلفزيون، تمت فيه مناقشة أهمية التلفزيون المتزايدة، وللاحتفال بذكري انعقاد هذا المنتدى قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة اختيار يوم 21 نوفمبر يوما عالميا للتلفزيون.

إرسال التلفزيون

يعتبر زمن خمسينات القرن الماضي عصر التلفزيون الذهبي، حيث شهدت تلك الفترة البدايات الأولى لاستخدام التلفزيون في المجال السياسي، عندما قامت شركة CBS الأمريكية بتغطية الانتخابات الرئاسية عام 1952، وقد لعب التلفزيون دورا حيويا في فوز جون كينيدي على ريتشارد نيكسون.

وشهدت بريطانيا قيام هيئة الإذاعة البريطانية BBC بأول بث تلفزيوني منتظم في عام 1936، كما تعد أولى مؤسسات التلفزة التي قدمت بثا حيا من خارج الاستوديوهات.

وعرف الألمان عام 1935 خدمة الإرسال التلفزيوني، وفي عام 1939 تمكنت فرنسا واليابان من إرسال بث تلفزيوني منتظم، وفي نفس العام بدأ انتظام البث التلفزيوني في موسكو، وتميزت محطة التلفزيون في موسكو بأنها أول محطة في العالم تبث برامجها فضائيا إلى العالم، في حين دخل التلفزيون إلى الصين في عام 1958.

التلفزيون عربيا

يعتبر التلفزيون العراقي أول تلفزيون في المنطقة العربية، إذ بدأ بث إرساله عام 1954، بعد أن أهدت إحدى الشركات الألمانية إلى حكومة العراق جهاز للبث التلفزيوني واستوديو صغير مجهز بأدوات تصوير وعدد من أجهزة التلفزيون.

وعرفت الجزائر إبان الاستعمار الفرنسي البث التلفزيوني، حيث تم إنشاء محطة بث تلفزيوني محدودة عام 1956 حيث كانت تبث برامجها في ثلاث مدن هم الجزائر العاصمة، قسنطينة، وهران.

أما التلفزيون اللبناني فيعد ثالث تلفزيون عربي حيث بدأ بثه عام 1959، بينما امتلكت مصر محطة تلفزيونية في عام 1960 لتكون بذلك رابع محطة تلفزيونية على المستوى العربي.

بدء إرسال التلفزيون المصري

يقول الدكتور هادي حسان، كبير مذيعين بإذاعة شمال الصعيد وأحد مؤسسى هذه المحطة الإذاعية، إن حكومة الثورة بقيادة عبدالناصر، أودعت مبلغ 108 آلاف جنيه لإقامة مبني اتحاد الإذاعة والتلفزيون المقام على كورنيش النيل، وعلى مساحة قدرها 21 ألف متر مربع، والذي بدأ إرساله الفعلي يوم 21 من شهر يوليو عام 1960، بفترة بث لمدة خمس ساعات يوميًا.

وتشير دراسات إلى أن الشركة الفرنسية لصناعة الراديو بثت لأول مرة إرسالا تلفزيونيا في القاهرة في عام 1951، حيث كانت تقوم بتصوير فرح للأسرة الملكية، وفي عام 1954 عرض ممدوح سالم، وزير الإرشاد في حكومة الثورة، على القيادة السياسية المتمثلة في الزعيم جمال عبدالناصر، فكرة إنشاء محطة تلفزيونية، وقررت القيادة إنشاء التلفزيون المصري في أواسط الخمسينيات، لكن بسبب العدوان الثلاثي علي مصر بدأ التشغيل الفعلي عام 1960، وقد وقعت مصر مع هيئة الإذاعة الأمريكية اتفاقية لتزويد مصر بشبكة للتلفزيون، وكانت تجارب الإرسال الأولي من قصر عابدين، وبدأ الإرسال المنتظم في نفس العام بمناسبة الاحتفال بثورة يوليو.

ويكمل حسان، أن التليفزيون المصرى بدء إرساله بقناة واحدة، وكان زمن الإرسال محددا بمعدل ست ساعات يوميا، ثم ارتفع ليصل إلى 13 ساعة يوميا بعد بدء إرسال قناة ثانية فى 21 يوليو 1961، وقد أعقبها بعام واحد إرسال قناة ثالثة فى أكتوبر، ليرتفع عدد ساعات الإرسال إلى 25 ساعة يوميا.

وتم في 13 أغسطس 1970 إنشاء قطاعات أربعة هم قطاع الإذاعة، قطاع التلفزيون، قطاع الهندسة، قطاع التمويل، وذلك وفق المرسوم الجديد لاتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري، وعهدت مهمة رئاسة كل قطاع إلى مسؤول يتبع وزير الإعلام.

وبعد الانتصار في حرب أكتوبر عام 1973، تحول البث التلفزيوني ومرافق الإرسال إلى الألوان بنظام “سيكام”، الذي تغير إلى النظام “بال” في عام 1992.

احتفاء الصحف والمجلات المصرية بإنشاء التلفزيون المصري

إنشاء التلفزيون المصري كان حدثًا كبيرًا احتفت به الصحف والجرائد المصرية، حيث استحوذت لحظة الافتتاح علي تغطية كبريات الصحف والمجلات، فقد عنونت مجلة المصور عددها الصادر يوم 23 يوليو 1960 بـ”افتتاح أكبر شاشة للتلفزيون في العالم بميدان التحرير”، وتابعت الحدث في تغطيتها من مناطق متعددة من مدينة القاهرة، حيث تم وضع عدة أجهزة تلفزيونية في بعض الميادين الشهيرة في مناطق العتبة، الأوبرا، مصر الجديدة، العباسية، دير الملاك، غمرة، باب الشعرية، إضافة إلى 15 موقعا في مناطق شعبية أخرى.

وأفردت المجلة التي أصدرها اتحاد الإذاعة والتلفزيون في عددها الصادر بتاريخ 30 يوليو تغطية مميزة كانت تحت عنوان” التليفزيون ينزل الشارع”، حيث أفردت مساحات رصدت فيها ردود فعل الجماهير التي جلست تشاهد الحدث الاستثنائي في ميدان التحرير عندما بدأت لحظة البث التي أخذت ألباب الحضور وهم يشاهدون الرئيس جمال عبدالناصر يطل عليهم من شاشة كبيرة تم وضعها في سرادق تم تجهيزه حتى يتمكن الحضور الجماهيري من مشاهدة بدء انطلاق هذا الحدث الكبير، الذي كان إنجازا يضاف إلى إنجازات ثورة يوليو، وعندها ارتفعت أصوات الحضور بالهتاف للثورة وقائدها وارتفع صوت التصفيق الذي استمر لعدة دقائق كأنه هدير ضخم متدفق.

وكتبت العديد من الجرائد والصحف والمجلات تقارير عن أول يوم لبث التلفزيون العربي المصري، ونوهت بمواعيد البث التلفزيوني التي كانت على فترتين تستغرق ست ساعات يوميًا، حيث كانت الفترة الصباحية تبدأ من الساعة العاشرة صباحًا وحتى الواحدة ظهرًا، بينما كانت الفترة المسائية تبدأ من الخامسة مساءً وحتى الثامنة مساءً.

وساهم التلفزيون المصري طوال تاريخه في تثقيف الجماهير وزيادة وعيها من خلال البرامج والحوارات التي كان يقدمها مجموعة من الإعلاميين الأفذاذ، والتي كان ضيوفها كبار المفكرين والمثقفين المصريين، وكان التلفزيون المصري مدرسة إعلامية حقيقية تخرج فيها العديد من المذيعين والمذيعات الذين ساهموا بقدر كبير في ريادة التلفزيون المصري، ومد يد العون والمساعدة للأشقاء العرب عندما بدأ انتشار المحطات التلفزيونية العربية في مختلف أقطار الوطن العربي.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر