عادات وتقاليد نوبية راسخة في "بلاد الذهب"

في النقطة الأقرب إلى حدود مصر، الأقرب إلى شخصيبة مصر الحية، تظل النوبة الأكثر تمسكًا بعاداتها وتقاليدها وثقافتها التي تتفرد بها.
المهندس محمود قندل، عضو جمعية قرية توماس وعافية لتنمية المجتمع بمركز نصر النوبة، يقول إن أكثر الأشياء التي يخشى عليها من الاندثار هي اللغة النوبية، فأبنائه مثلا لا يستطيعون التحدث بها، مع أنهم يفهمونها.
وعن الأكلات النوبية فمنها “كرمن مديد”، وتعني عصيدة الحلبة، وكانت أهر الأكلات النوبية، وهي عبارة عن عصيدة يُضاف إليها أوراق الحلبة الخضراء والسمن البلدي.
وأيضا “نورتن مديد” وهي عصيدة الدقيق، التي يضاف إليها العسل الأسود والسمن، ولها طعم شهي يميزها.
سعف النخيل
ومن عادات النوبة صناعة “الإبراش” من سعف النخيل، وفي أحيان كثيرة استبدلت تلك الأبراش بالحصر المصنوعة من البلاستيك، كما أن الجرجار النوبي، الذي ترتديه الفتيات فوق ملابسهن بدأ يندثر أيضا واستبدل بالعبايات السوداء، وهناك سيدات ما زلن يرتدين “الشقة البيضاء”، وهي عبارة عن ملاية بيضاء ترتدى فوق الملابس، وتنتشر في بعض قرى النوبة بين السيدان كبار السن.
أما أبرز عادات أهل النوبة فهي ارتداء الجلباب النوبي، الذي يتميز بالأكمام الواسعة والجيب الواحد من الأمام، ويختلف عن الجلباب السوداني بخلاف الجلباب السوداني الذي يحتوي على يمكن ارتداءه من الناحيتين، كما يرتدي النوبيون العمة البيضاء الكبيرة، ويصل طولها إلى نحو 5 أمتار كاملة.
أباريق النوبة
يتابع قندل أن الإبريق يعد من المخبوزات العريقة، التي يحافظ عليها النوبيون حتى الآن، وهو يشبه الفطير الرقيق، ويصنع على فرن الدوكة، ويوضع عليه عصير الليمون.
أما فرن الدوكة فهي من التراث النوبي القديم، وكانت تصنعها نساء النوبة من طمي نهر النيل، وتحرق في النار حتي تصبح صلبة، وتوضع في الشمس لفترة، وتدهن بالعسل والخروع، والأخير كان يزرعى بمزروعًا بكثافة في الأحواش.
يقول المهندس هشام عادل، عضو الاتحاد النوعي للجمعيات النوبية في مدينة أسوان، إن النوبيين لا تنقطع صلتهم بتراثهم، حتي ولو عاشوا في أماكن أخرى.
ويوضح أن أبرز العادات النوبية القديمة، التي ما زالت مستمرة حتى الآن هو زواج الفتاة داخل منزل والدها، لمدة عام بحد أدنى، لكي تتعلم الفتاة إدارة أسرتها الجديدة تحت إشراف والدتها.
ومن عادات الزواج النوبي أيضًا ارتداء الزوج جلباب نوبي أبيض في ليلة الحناء، بينما ترتدي العروس الساري الجميل.
الزواج النوبي
ويشير إلى أن أبرز عادات الزواج، التي ما زالت حاضرة بقوة، هو أن النوبي لا يتزوج إلا نوبية مثله، ولا يشذ عن تلك القاعدة إلا قليل.
وفي الماضي كان الشاب النوبي الذي يخالف هذه العادة، يتعرض للعقاب، ويعزف باقي أقاربه عن الزواج من إخوته البنات جزاءً له على ارتباطه من خارج النوبة.
ويوضح عادل أن الكثير من المشكلات بين أبناء النوبة تحل بواسطة “كبير البلد” دون تدخل الشرطة أو المحاكم، فلأهل النوبة اعراف ومجالس صلح، وأحيانًا ينظمون لجان صلح لحل مشكلاتهم، خاصة إذا كانت تلك المشكلات بين نجوع وقرى.

يجلس النوبيون عادة أمام بيوتهم الملونة في أمان وسكينة، فالجميع إخوة

وخلال سفر الحجاج إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج أو العمرة يتجمع النوبيون لتوديع الحاج، مرددين أغان معينة، مثل اغنية “عديلة عديله.. أووه حجاج.. عديله”، مع زف الحجاج وكأنهم في يوم عرس.
ويقول هاني يوسف، الرئيس السابق للاتحاد النوبي، إن الثقافة النوبية عميقة للغاية، وأثرت وتأثرت بثقافات عدة، ومع أنها ما زالت قوية راسخة، إلا أن هناك بعض العادات ىاندثرت واختفت.
تعميد الطفل
يتابع أن عادة تعميد الطفل في يوم السبوع، هي عادة قبطية كانت موجودة قبل التهجير، وكانت تتضمن رش اللبن في النيل وغسل وجه الطفل الرضيع بمياه النيل تبركا به، لكن هذه العادة اندثرت بتعد إقامة النوبيين بعيدًا عن النيل.
التكافل الاجتماعي
يضيف يوسف أن التكافل الاجتماعي هو مما يميز المجتمع النوبي عبر العصور، فلا يوجد نوبي “متسول”، نظرًا للترابط الشديد بين أبناء النوبة بعضهم بعضًا، ويتضمن ذلك مساعدة البسطاء والمحتاجين داخل الأسرة بطريقة رائعة تحافظ على عزة النفس وكرامة النوبي الفقير.
وفي النوبة كلما تجمع نحو 20 نسمة في مكان أنشأوا جمعية أهلية، ويرجع تاريخ إنشاء بعض الجمعيات الأهلية النوبية في مصر إلى 1890، إذ تعد هذه الجمعيات فرصة للالتقاء في الإجازات والمناسبات وتقديم المساعدات للمستحقين.
كما تنتشر الجمعيات الأهلية النوبية خارج مصر أيضًا، وبمجرد أن تطأ قدم النوبي مقر الجمعية في الخارج يقدم له الأكل والشرب، ويجهز له مكان الإقامة، إلى أن يجد فرصة العمل المناسبة.
اللغة النوبية
يقول نبيل كمال، عضو جمعية منشية النوبة، إن الكثير من الجمعيات الأهلية النوبية والمراكز الثقافية تبذل جهودًا كبيرة للحفاظ علي اللغة النوبية، التي تتكون من لهجتين هما الفاديجا والماتوكي، وتنظم دروسًا عن اللغة النوبية حفاظا عليها من الاندثار، في ظل الزخم الإعلامي الكبير حاليا، كما توجد بعض القنوات على يوتيوب تبث برامج لتعليم اللغة النوبية، وشرح بعض الكتب لكبار المفكرين والمثقفين باللغة النوبية.
ويوضح أن الأغنية النوبية هي أكبر حائط صد يحافظ علي اللغة حاليًا، إذ يتمسك الكثير من الفنانين النوبيين بالأغاني النوبية التي تحظي بانتشار واسع، والعجيب أن أبناء المحافظات الأخرى بالصعيد يحرصون على مشاركة الفنانين النوبيين أفراحهم ويحفظون الأغاني النوبية عن ظهر قلب، رغم أنهم غالبًا لا يفهمون اللغة النوبية.
الفن النوبي
وعن الفن النوبي يقول وجيه حسن، أحد أبناء قرية عنيبة النوبية، إن الفن النوبي له دور كبير في التعريف بالنوبة القديمة وتراثها العريق، فبعض الأغاني النوبية تتحدث عن الأرض والزراعة والساقية، التي كانت تصنع من الخشب فقط، بنظام التعشيق دون مسامير.
ويشير إلى أن الفن النوبي يجسد أعمال الحصاد، وعاطفة النوبي وتعلقه بأرضه وحنينه الجارف إليها، كما يجسد ملامح الحياة النوبية في البلاد القديمة، التي كانت تسمى “بلاد الدهب”، وتتميز بكثافة أشجار النخيل والبيوت الواسعة والألوان الجميلة.
هناك نسبة كبيرة من أبناء النوبة تخصصوا في السياحة البيئية، وفتحوا بيوتهم أمام السائحين ليتعرفوا علي العادات والتقاليد النوبية، خاصة في قريتي غرب سهيل وغرب أسوان، وكذلك في مدينة أبوسمبل، حيث يعيش السائح بعض الوقت في أجواء النوبة القديمة ليستمتع بهذه العادات والتقاليد.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر