صدمة مذبحة أبي حزام: علاج الثأر – 4

غالبا ما نتكلم عن الثأر من مقاعدنا البعيدة عن موقع الأحداث، وهذا يسمح لخيالنا بالتدخل و خلق صورة مشوهة، ومن الجيد أن نصغي كثيرا لأصحاب الشأن وهم يتحدثون.  سوف نقدم هنا مقطعين من يوميات شاعرنا المتورط في القتل( مذبحة أبي حزام)، يعرض فيهما لحال القرية ومعاناتها من مشكلة العنف، كما يقدم فيهما رؤيته للثأر وكيفية القضاء عليه، وكي نستوعب كلامه، يُستحسن أن نأخذ فكرة عن طبيعة القرية التي حدثت فيها المذبحة، وهي قرية ابو حزام التابعة لقرية الشعانية، مركز نجع حمادي، والتي تعتبر مع منطقة (حمرة دوم) الملاصقة لها، من الأماكن الخاصة جدا، من حيث خطورتها الأمنية، وارتباطها بأكبر الأشقياء الخطرين. يلعب العامل الجغرافي دورا أساسيا في صنع تلك الخصوصية، لأنه يحصَّن المكان بثلاث طبقات أو دروع، وأول هذه الدروع  هو بعد المسافة النسبي عن الطريق الأسفلتي السريع، الأمر الذي تستغرق معه قوات الشرطة وقتا طويلا حتى تصل إلى البلدة، وهو ما يمكِّن المُستهدَفين من الهرب.

الدرع الثانية هي زراعات قصب السكر، والتي تسهل اختفاء العناصر المطلوبة، وتمنع عنها أضرار الرصاص، كما تمنحها أفضلية في حالة الهجوم على قوات الشرطة، وهو ما يحدث على فترات متباعدة، وقد يسفر عن سقوط قتلى من الشرطة.

أما الدرع الثالثة فهي الهضبة الجبلية المتاخمة للقرية، وما يتصل بها من مغارات وكهوف ومسالك سرية، من الطبيعي أن يكون أهلها أدرى بشعابها.

العامل الجغرافي يجعل المكان موقعا استراتيجيا للهاربين من الأحكام القضائية، ويساهم في خلق بيئة مناسبة للأشقياء الخطرين، الأمر الذي يعزز حاجة الناس للشعور بالأمن، ويدعم التعاون القبلي لمواجهة العنف، وهو ما ينعكس في مظاهر كثيرة، مثل ارتفاع حدة التعصب، وحدة الشعور بالمكانة والسطوة العائلية، وهو ما ينعكس في ردود الفعل السريعة والعنيفة على ما يُعتبر عدوانا حتى لو كان أمرا بسيطا.

1ـ صدى الحملات الأمنية المكبرة

في أكتوبر 2017، تنزل الأجهزة الأمنية في حملة مكبرة على قريتي “حمرة دوم” وأبو حزام” وتقوم بجمع الأسلحة غير المرخصة والتي لا يجوز ترخيصها أو إحرازها، كما تقوم بالقبض على الهاربين من تنفيذ الأحكام القضائية، فكيف ينظر أهالي القرية لتلك الحملة؟

نقرأ في يوميات الشاعر بتاريخ 19 أكتوبر 2017:

“عظيم ما تقوم به الآن الأجهزة الأمنية من مجهود تشكر عليه ولهم منا كل تقدير ..حيث أخيرا انتبهوا لقريتينا أبو حزام وحمرة دوم بعد مدة تراوحت ست سنوات طوال عجاف، ساد خلالها الصراع القبلي الذي تقبلناه وعايشناه مرغمين واضطررنا لمجاراته وبل تجرعنا مراراته وعايشنا حروبه المفزعة الدموية.

كانت النجوع ليل نهار تئن من آلام التحدي والعند والثأر والظلام والمعارك الطاحنة التي كنا جميعا أهالي القريتين نكابد مراراتها مرغمين، لأن الأمن كان غائبا، والحاكم نفض يده عنا، وتركتنا الدولة لأعرافنا القديمة وموروثاتنا التي أخذتنا لحيث أنتهي أجداد أجدادنا من تعنت وتجبر وسطوة وحلول مغلوطة للمشاكل وطرق خاطئة لتناول العلاقات الاجتماعية فيما بيننا.

كل ذلك تقبلناه وعشناه علي غير رضا، ولا إقبال. ولكنه فرض علينا، فما من حل أمام مجتمع ساد فيه الظلم وطغت القوة غير مجابهة الظلم بالظلم والقوة بالقوة.

ولكن، الآن وقد تذكرتنا دولتنا، ووضعتنا نصب أعينها وفي عمق تفكيرها. أناشد كل مسؤولينا العظام الكبار أصحاب المعالي، أن لا يكونوا تذكرونا فقط لجني الثمار من بلادنا دون النظر لحلول عقدنا ومعالجة أمراضنا والقضاء علي آفة مستقبلنا ومستقبل عيالنا ألا وهي (الثأر)

الثأر يا ساداتنا مشكلتنا الرئيسية التي فتحت الطريق أمام كل هذا الدمار والخراب الذي تتعجبون منه.

أناشد كل رجل صاحب ضمير حي وقلب نابض من مسؤولينا، وكبار قبائلنا عربا وهوارة علي السواء حتي أقباطنا، أن نبدأ العمل السريع لحل مشاكل النجوع والقبائل من خلافات ثأرية غاية في الخطورة. لو لم يتم عمل مصالحات قبلية علي كل المستويات، وبأشد سرعة وتعجيل، فسوف تنتهي  الحملات الأمنية، ومن ثم نعود نحن هنا جميعا، لما كنا عليه من صراعات غاية في العند والتجبر والدمار.

لابد من جميع المسؤولين والقادة والسادة ضباط الشرطة الكرام من البدء  في عمل  مصالحات، لحل مشاكل الأطراف المتناحرة فيما بينها كافة. أنتم الآن بيننا تدخلون منازلنا، ونحن نرحب بكم كثيرا، لطالما طالت غيبة الأمن عنا. لكن، نريده أمنا يرتدي ثوب العدل والحق والسلام. لا أمن المصالح والسمسرة والعمولات التي سوف تكون علي حساب الغلابة ومستقبل الأجيال وأمننا الحقيقي.

لنا عليكم حق الاهتمام بنا وبسلامنا وأمن حياتنا ولكم علينا السمع والطاعة. بل والتأييد والنصرة لكم في كل انتخاب نزيه. بل ونشيد بكم في كل محفل وإعلام.

نقول لكم: الله معكم يوفقنا جميعا لخير بلادنا، والله ينبذ من يعمل لمصلحته فقط ويكره غيره،(العدل أساس الملك) إذا أقمنا العدل بلا أنانية ربحت بلادنا وربحنا.”

2ـ الثأر وأزمة التنمية

حفاوة الشاعر بالدور الأمني وتقديره لأهميته الكبيرة، لكنه لا يتوقف عند ذلك الدور باعتباره نهاية المطاف، بل يراه البداية التي تتبعها جهود جهات ومؤسسات حكومية أخرى، وبتاريخ 15/ أبريل 2018 ، نراه يدعم سبعة مطالب تبناها أبناء القرية و تم تقديمها للوحدة المحلية بنجع حمادي، ويكتب:

سبعة مطالب مقدمه من قريه أبو حزام، للوحدة المحلية بنجع حمادي القرية المهلة منذ نشأتها، الوجود الأمني ليس وحده هو الحل، بل تقديم الخدمات الإنسانية، وتحسين المستوى المعيشي، والصحي، والاجتماعي،  والقضاء علي الجهل والتخلف.

يجيب أن تكون هذه المطالب في المقدمة، لأنها هي الأساس للقضاء علي البؤر الإجرامية والثأر والتخلف،  وتل المطالب هي:ـ

وجود وحده صحيه، تقدم خدمات صحيه تليق بالمستوى الآدمي، ومؤسسات تعليمه لها القدرة علي إنشاء أجيال قادره علي البناء والتعمير، ليس علي الأجرام، والبلطجة، والقتل.

وجود مكتب بريد بدلاً من الذهاب للقري المجاورة لقضاء هذه الخدمة البسيطة، وطرق سليمة، وكشافات إنارة للطرق، وتحسين المداخل والمخارج، وتقديم بنيه تحتيه سليمة، وأهمها توفير المياه الصالحة للشرب، التي تستمر في الانقطاع في فتره الصيف بالشهور، وتمشيطات أمنيه علي فترات مقسمة.

القرية التي تخرج بإمكانياتها الضعيفة، أجيالا قادره علي التقدم والإبداع هذه القرية التي تسمي بقرية الإجرام، أخرجت من بين أهلها الأطباء والصيادلة، والمهندسين، والمعلمين، والمحامين، والمشايخ وخريجي الأزهر الشريف، لا تليق بكل ما يحدث بداخلها او ما يقال عنها  ولكنه المثل الذي لا جاء في كتاب الله ولا في سنه نبينا الكريم: “السيئة تعم”. هذه المطالب للحياة العادية، التي تليق باسم الإنسان، لا نطالب بأن نكون متميزين عن أحد، ولكننا نطالب بأن نكون متساوين”

3ـ الصعيدي يرفض الثأر

في حديث شاعرنا المتورط في القتل الكثير من النقاط التي تستحق التوقف، وأهمها في تقديري رفض الممارسات الثأرية،  لأننا من  كثرة الحوادث الثأرية نتحدث عن الثأر في الصعيد كما لو كان يحقق متعة شخصية، أو يشكل تجربة سعيدة، وقد تكون هناك فرحة بالثأر فعلا، لكن الثأر يشكل أزمة كبيرة، والصعيدي أول من يعرف أضرارها الكبيرة، وتكاليفها الباهظة، وأول من يتمنى الخلاص من الثأر، وهذا أساس جيد يمكن استغلاله، والعمل على تطويره لخلق اتجاه مضاد للثأر بشكل واضح، الصعيدي باختصار يرفض الثأر لكنه لا يستطيع ومواجهته وحده، ويحتاج إلى المعاونة كي يتخلص من تلك الأزمة.

إن الجهود الأمنية هي الأخرى تحتاج إلى الدعم  والمعاونة،  والأهالي يثمِّنُون دور الحملات الأمنية في القضاء على البؤر الإجرامية، لكنهم  يؤكدون على ضرورة القضاء علي الثأر عن طريق  تقديم الخدمات الإنسانية الأخرى، وتحسين المستوى المعيشي، والصحي، والاجتماعي، والثقافي. أي أننا بحاجة إلى جهود خدمية، تجعل المواطن القبلي يندمج بشكل أكبر وأعمق في منظومة الدولة، كما نحتاج إلى جهود ثقافية حقيقية تتعاون فيها كل المؤسسات التي تعمل في منظومة بناء الإنسان.

أقرأ أيضا:

صدمة مذبحة أبي حزام: (3) زواج المدنس بالمقدس

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر