“شيهان” رفعت.. الأب الروحي للكاراتيه في دشنا

في ثالث حلقات سلسلة عين الأعيان، نتعرف معًا على مؤسس رياضة الكاراتية في دشنا.

 في منتصف السبعينات وفي وقت كان كل ما يعرفه شباب دشنا عن لعبة الكاراتيه أفلام بروس لي والتي كانت تعرض في “الكازينو” نظير احتساء كوبًا من الشاي، وكعادة الشباب والفتيان وبعد انتهاء المشاهدة يقومون بمحاكاة الحركات القتالية ويطلقون صرخات بروس لي المرعبة، ولم يزد الأمر بالنسبة لأغلبهم عن التقليد والحلم بأن يتعلموا يوما ما لعبة الكاراتيه، ففي ذلك الوقت كان أعظم إنجاز رياضي للشباب أن يلعبوا الكرة الشراب في شوارع البلدة.

محمد رفعت كان واحدا من هؤلاء الشباب الذين أغرموا بأفلام بروس لي، وحلم بالسفر إلى اليابان ليتعلم أسرار فنون اللعبة وينشرها في مصر، لكنه لم يتوقف عند الحلم فقط بل سعى إلى تحقيقه وتحويله إلى واقع ملموس، ليكون صاحب السبق في إدخال لعبة الكاراتيه بقنا، وواحدا من الرواد الأوائل للعبة الكاراتيه بمصر، وعلى مدار ما يزيد عن 40 عاما تخرج من تحت يديه ما يزيد عن 3 آلاف لاعب منهم ما لا يقل عن 100 مدرب، ليصبح رفعت “عين أعيان” لعبة الكاراتيه بقنا ودشنا.


فيلم الأبطال

يعود رفعت بذاكرته إلى منتصف السبعينات بعد أن أنهى دراسته الإعدادية، حين ذهب مع مجموعة من زملاء الدراسة لمشاهدة فيلم الأبطال بسينما نجع حمادي والذي شارك فيه فريد شوقي واحمد رمزي وروج له في تلك الفترة على أنه أول فيلم كاراتيه مصري، مشيرًا إلى أنه انبهر كثيرا بأحداث الفيلم، التي كانت تدور حول انتقام بطل الفيلم من قتلة والديه بفضل مهارته في لعبة الكاراتيه، مستخدما يديه فقط في مواجهة الأسلحة المختلفة.

بعد انتهاء الفيلم كان رفعت حزم أمره وقرر أن يتعلم الكاراتيه، ولكنه صدم بحقيقة أنه لا وجود للعبة بمحافظة قنا، لكن ذلك لم يمنعه من المضي قدما نحو تحقيق حلمه، وأخيرا وبعد رحلة بحث مضنية عرف أن أقرب مكان يوجد به تدريب للكاراتيه بمحافظة سوهاج والتي تبعد عن بلدته دشنا أكثر من 200 كيلو متر، ليتوجه إلى سوهاج ويلتحق بالفريق وبدأ أولى خطواته نحو عالم الكاراتيه، وعرف أن كلمة (كاراتيه) باليابانية تعني اليد الفارغة.

ويقول رفعت: “تعلمت في مركز شباب سوهاج الأساسيات وهي مجموعة من الحركات القتالية المبدئية والتي تؤهل اللاعب لتعلم فنون الكاراتيه سواء في (الكاتا) أو (الكومتيه)، ولكن في تلك الفترة التحقت بمعهد المعلمين شعبة تربية رياضية بقنا، وأصبح من الصعب التوفيق بين الدراسة والتدريب، وفي أحد الأيام أخبرني أحد الأصدقاء أن هناك تدريبا للعبة الكاراتيه بإستاد قنا، وعلى الفور توجهت إلى هناك وسجلت أسمي بالفريق والذي أسسه الكابتن الراحل المعناوي، وهو أول مؤسس للعبة الكاراتيه بقنا وتكون الفريق وكان قوامه وقتها حوالي 20 لاعبا من مراكز المحافظة المختلفة”.

وفي عام 1979 حصل ابن دشنا على أول حزام في لعبة الكاراتيه وهو الأصفر 7 ويرمز إلى الشمس في مرحلة الشروق، ثم البرتقالي ويعني الشمس في وقت الظهيرة وواصل الترقي في الأحزمة حتى حصل على الحزام الأخضر، الذي يرمز إلى خضرة الثمار، بمعنى أن مهارات اللاعب بدأت في النمو.

ويتابع: “بعد حصولي على الحزام الأخضر، كلفت بواسطة مدربي بتكوين فريق للعبة بدشنا، وبدأت في انتخاب عناصر لتكون لبنة أول فريق كاراتيه بدشنا، ولم يكن الأمر سهلا في البداية لأن اللعبة كانت مجهولة تماما بالنسبة للشباب، وبعضهم كان يعتقد أنها مجرد لعبة استعراضية لا فائدة منها، بالإضافة إلى صعوبة وجود مكان للتدريب”، لافتًا إلى أنه كان يضطر إلى إقامة التدريب في الخلاء، ما كان يعرضه هو وفريقه إلى الكثير من الاستهزاء والسخرية بسبب الزي الأبيض والأحزمة، وكان أشهر التعليقات الساخرة أن اللعبة مجرد رقص بلدي”، مردفًا: “بمجرد أن افتتح الإستاد الرياضي بدشنا نقلت التدريبات إليه وكانت تلك هي نقطة الانطلاقة الحقيقية للعبة الكاراتيه بدشنا”.

 


مدرسة الصاعقة

ويشير رفعت إلى أنه بعد أن أنهى دراسته بمعهد المعلمين، عين مدرسا للتربية الرياضية بدشنا، وواصل تدريباته في فريق الكابتن المعناوي كلاعب للكاراتيه، كما واصل عمله كمدرب لفريق الكاراتيه بدشنا”، مضبفًا: “بعد بضعة شهور تم استدعائي للتجنيد، وأذكر وقتها أن الفرز كان في فصل الشتاء وبالرغم من برودة الجو فقد كنت أنا الوحيد الذي يرتدي تي شيرت واقف ثابتا لا أشعر بالبرد، ولاحظت أنا شخصا ما يرتدي الملابس المدنية يتجول بين المجندين ويتفحصهم بعين ثاقبة ليتوقف عندي ويسألني في دهشة: أنك لا تشعر بالبرد مثل زملائك.. يبدو أنك رياضي؟ فأخبرته أنني لاعب كاراتيه ومدرس تربية رياضية، فأخبرني أنه ضابط السرية الرياضية بمدرسة الصاعقة ويبحث عن الرياضيين، وسيتم ضمي إلى السرية الرياضية بالصاعقة.

ويرى رفعت أنه كان محظوظا لتجنيده أولا بالصاعقة والتي تعرف بمصنع الرجال وتمتاز بتدريباتها العنيفة جدا، والتي أفادته كثيرا، ورفعت من لياقته البدنية، وأكسبته القدرة على التحمل والثبات في مواجهة الأخطار، وثانيا لأنه وزع على السرية الرياضية ليستمر في تدريباته على الكاراتيه، لافتًا إلى أنه كان مسؤولا عن تدريب جنود الصاعقة على فنون القتال والتشابك بالأيدي والأرجل، واستطاع في فترة تجنيده تعليم العشرات من المجندين لعبة الكاراتيه، وخلال فترة تجنيده حصل على الحزام الأزرق والذي يرمز إلى السماء الصافية، والحزام البني والذي يرمز إلى جذور الأشجار والذي يعني أن اللاعب يقف على أرض صلبة وهو آخر درجات (الكيو) وتعني المبتدئين، ليبدأ بعد ذلك مسيرته نحو درجة (الدان) وهي درجات الحزام الأسود من واحد دان وحتى 8 دان.

“شيهان” رفعت

ويلفت رفعت إلى أنه بحلول عام 1986 حصل على الحزام الأسود (1 دان)، وفي تلك الفترة أُسست منطقة قنا للكاراتيه، برئاسة الراحل المعناوي، مضيفًا: “تقدمت بطلب لتأسيس المكتب الفني للعبة بدشنا، وتمت الموافقة على طلبي وتعييني رئيسا له، وسمح لي بعقد اختبارات الأحزمة الأولية من الأصفر حتى البرتقالي، واستطعت تخريج أول دفعة من الأحزمة السوداء بدشنا، بحلول أواخر الثمانينات، وقمت بإسناد مهمة التدريب بإستاد دشنا لبعض تلاميذي، وأسست فريقا جديدا بنادي عزازية دشنا، والذي كان يعرف وقتها بنادي الرعد”.

وبدأت اللعبة في الانتشار والازدهار من خلال المدربين الجدد، وبالتوازي أنشئت فرق بمصنع السكر وبصفارة والصعايدة وحتى بالقرى، وكان كل فترة يقوم مؤسس لعبة الكارتيه بدشنا بعمل تدريب مجمع للفرق، لمتابعة مستوى أداء المدربين واللاعبين.

ويستكمل رفعت أنه في نفس الوقت واصل تدريباته على مستوى أعلى للترقي في درجات الحزام الأسود، وحصل على العديد من الدورات الفنية في مجال التدريب، كان أهمها دورة المدربين العرب، ودورات الاتحاد المصري للكاراتيه، وجرى انتخابه كعضو مجلس إدارة بمنطقة قنا للكاراتيه، وحصل أخيرا على الحزام الأسود 6 دان والذي يسمى باليابانية (شيهان) والتي تعني مدرب مدربين، وتعادل درجة الدكتوراه في لعبة الكاراتيه، وهي الدرجة التي تسبق درجة 7 دان والتي تسمى (كيوشي) وتعادل الأستاذية في اللعبة.

“بروس لي” الصعيد
ويؤكد رفعت أنه من الأخطاء الشائعة حول لعبة الكاراتيه أنها لعبة تعلم العنف، على الرغم من أنها تقوم أساسا على ضبط النفس والتسامح، والدليل على ذلك أن لون البدلة أبيض أي الصفاء، كما أنها تنمي لدى اللاعب احترام المدربين والأساتذة من خلال التحية وحتى في مباريات (الكوميتيخ) أي الاشتباك فإنه غير مسموح للاعب بإحداث إصابة مباشرة بالخصم بل يكتفي بلمسه ليحصل على النقطة، ولكن أحيانا يضطر لاعب الكاراتيه إلى اللجوء إلى ما يعرف بقتال الشوارع وذلك في أضيق الحدود حين يتعرض لهجوم من بعض الأشقياء بالأسلحة البيضاء أو العصي.

ويروي رفعت أنه تعرض لهذا الموقف في أحد المرات حين كان في زيارة إلى خالته بالقاهرة، وكان وقتها مجندا بالصاعقة وكان بصحبة ابني خالته يتنزهون في منطقة المعادي، وأثناء سيرهم سمعوا صراخ فتاة ينبعث من أحد الشوارع الجانبية والمعزولة عن المارة، وحين اندفع محاولا أن يتتبع مصدر الصراخ حاول ابنا خالته إثناءه عن ذلك، وأخبراه أن الأمر بالقاهرة يختلف كثيرا عن الصعيد وأنه قد يتعرض للأذى، ولكنه أصر على الذهاب، ليذهب بمفرده ليجد نفسه أمام ثلاثة أشقياء يحاولون اغتصاب فتاة، ويشهروا في وجهه المطاوي، مضيفًا أنه تعامل معهم باستخدام (الفرمنش)  وهو أحد فنون قتال الشوارع، والتي تميز بها البطل العالمي بروس لي ،ولقنهم درسا لن ينسوه واستطع إنقاذ الفتاة من بين أيديهم، وأطلق عليه ابنا خالته (بروسلي الصعيدي).

الأب الروحي
سعد الأبيض، لاعب كاراتيه حزام أسود يشير إلى أن رفعت يعتبر الأب الروحي للعبة الكاراتيه بدشنا، وله الفضل الأول في تخريج آلاف اللاعبين ومئات المدربين بدشنا، موضحًا أنه تعلم منه الكثير على المستوى الرياضي والأخلاقي، لاسيما وأنه كان يتعامل مع اللاعبين مثل أبنائه ودائما ما كان يسعى إلى تنمية مهاراتهم في اللعبة، كما أنه كذلك من الشخصيات المؤثرة في محيط منطقته ولديه قدرة على تجميع الشباب وتنظيمهم في الأعمال الخدمية.
ويضيف بهاء السيد، لاعب كارتيه (حزام أسود 2 دان)، أن رفعت يعتبر من الرموز الرياضية والثقافية بدشنا، لافتًا إلى أنه بجانب تدريبات (الكاتا) و(الكوموتيه)، كان يقوم بعمل محاضرات نظرية تشرح فلسفة اللعبة وكيفية تحقيق التوافق العضلي والعصبي والروحي، وكان كثيرا ما يحضر أشرطة فيديو تعليمية عن اللعبة ويشرحها للاعبين.

ويؤكد محمد عبيد، لاعب كارتيه (حزام أسود)، أن جهود رفعت على مدار ما يقرب من نصف قرن آتت ثمارها حديثا، وأصبح في دشنا وحدها عشرات اللاعبين الحاصلين على درجات متقدمة من الحزام الأسود، كما ازداد عدد فرق الكاراتيه بالأندية ومراكز الشباب، وأخيرا حصل عدد من لاعبي دشنا على مراكز متقدمة في بطولة الجمهورية والتي أقيمت لأول مرة بمحافظة قنا.


حائط البطولات

رفعت يخصص أحد الحوائط بمنزله الكائن بصفارة دشنا، يحتضن الميداليات والشهادات التي حصل عليها على مدار مسيرته في اللعبة، وكتب عليها بخط يده “ذكريات لأولادي “، مشيرًا إلى أنه والد لخمسة أبناء، اثنين من الذكور وثلاث من الإناث، وجد لثلاثة أحفاد، وعلى الرغم من أن ابنيه لم يمارسا لعبة الكاراتيه إلا أنه يتمنى أن يواصل أحد أحفاده مسيرته في المستقبل، خاصة وأن مستقبل اللعبة بدشنا جيد ومبشر بفضل زيادة الإمكانيات وتطور وسائل التدريب.

وأخيرا يعبر رفعت عن رضاه بما حققه حتى الآن، ويسعى لمواصلة الترقي إلى درجتي الأسود سبع وثمانية دان، وما زال يحلم بالسفر إلى اليابان وهو حلمه الأول ليتعرف على المزيد من أسرار لعبة اليد الفارغة أو كما يسميها اليابانيون (الكاراتيه).
+++++++++++++++++
جميع الصور الواردة بالموضوع من أرشيف محمد رفعت، وبعضها منشور على صفحته الشخصية على فيسبوك.

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر