د.سالي فودة: شغفي بالزراعة والبيئة كان دافعا لابتكار حلول مستدامة للمخلفات الزراعية

استطاعت الدكتورة «سالي السيد فودة»، الباحثة في مجال التحلل الحراري وإدارة مخلفات المزارع الذكية، أن تقدم نموذجا رائدا في تحويل المخلفات الزراعية إلى مورد مستدام يخدم البيئة والمجتمع معا. من خلال تطوير آلة مبتكرة لإعادة تدوير هذه المخلفات عبر التحلل الحراري، ساهمت في إنتاج الوقود الحيوي والبيوتشار، بالإضافة إلى منتجات أخرى مثل خل الخشب والفحم النشط، مع تنفيذ نماذج أولية في قرى الريف المصري باستخدام مخلفات النخيل والزيتون.
رحلة د.«سالي» لم تكن تقليدية، إذ جمعت بين الشغف بالزراعة والبيئة، والبحث العلمي القادر على تقديم حلول واقعية. ومن خلال عملها في قسم الهندسة الحيوية الزراعية بمعهد بحوث الهندسة الزراعية، التابع لمركز البحوث الزراعية، تواصل تطوير مشروعات تهدف إلى دعم الزراعة الذكية وتحقيق الاستدامة البيئية.. في هذا الحوار، نتعرف عن قرب على تجربتها، والتحديات التي واجهتها، ونستكشف رؤيتها لمستقبل الزراعة الذكية في مصر.
-
نود التعرف عليكِ أكثر… ما الذي دفعكِ لاختيار مجال الهندسة الزراعية والبحث العلمي؟
منذ بداياتي، كنت شغوفة بكل ما يتعلق بالزراعة والبيئة، ووجدت في الهندسة الزراعية المسار الذي يجمع بين العلوم التطبيقية واحتياجات الحياة اليومية. هذا التخصص فتح أمامي باباً واسعاً لفهم التحديات التي يواجهها المزارعون، والمساهمة في حماية مواردنا الطبيعية. أما البحث العلمي، فكان المساحة التي مكنتني من تحويل شغفي إلى أدوات حقيقية تحدث فرقاً على أرض الواقع.
-
كيف تصفين تجربتكِ البحثية في معهد بحوث الهندسة الزراعية؟
تجربتي في المعهد تجربة غنية ومليئة بالتحديات التي شكلت مساري المهني والأكاديمي. شاركت في مشاريع بحثية في مجال تكنولوجيا التحلل الحراري، حيث عملت على تصنيع مفاعل تحلل حراري محلي يستخدم في إدارة المخلفات وإنتاج مواد حيوية صديقة للبيئة. وأُتيحت لي فرصة الإشراف على طلاب الدراسات عليا، إلى جانب تنفيذ تجارب ميدانية واقعية، وهو ما أضاف جانباً عملياً مهماً لتجربتي البحثية.
-
ما أبرز التحديات التي واجهتكِ كامرأة في مجال تقني وبحثي مثل هذا؟
من أبرز التحديات التي واجهتني إثبات نفسي في بيئة تقنية يغلب عليها الحضور الذكوري، خاصة في الميدان والعمل بين المزارع والمصانع. لكنني لم أسمح لهذه العقبات أن تُثنيني، بل كانت دافعاً أكبر للتميز والابتكار. تمكنت من تصميم وتصنيع مفاعل محلي باستخدام بقايا الخردة، متجاوزة صعوبات التمويل بعزيمة وإصرار. وكان للدعم الأكاديمي والأسري دور حاسم في مواصلة الطريق وتخطي التحديات بثقة.
-
ما المقصود بتكنولوجيا التحلل الحراري؟ وكيف يمكن استخدامها في التعامل مع المخلفات الزراعية؟
تقوم تقنية التحلل الحراري على تسخين المخلفات الزراعية دون وجود الأوكسجين، مما يؤدي إلى إنتاج الفحم الحيوي (Biochar)، وخل الخشب، والزيوت الطيارة. وتُعد هذه العملية حلاً مبتكرًا يعيد تدوير النفايات الزراعية غير المرغوب فيها إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية وبيئية عالية، تسهم في دعم الاستدامة وتقليل الأثر البيئي.
-
ما الفرق بين التحلل الحراري وأنواع أخرى من المعالجة مثل التسميد أو الحرق؟
يتميّز التحلل الحراري عن الحرق التقليدي بأنه لا يطلق ثاني أكسيد الكربون مباشرة في الجو، بل يحتجز الكربون في شكل صلب يُعرف بالفحم الحيوي. وعلى عكس التسميد الذي يعتمد على وجود الهواء ويستغرق وقتاً طويلاً، يعد التحلل الحراري عملية أسرع، ويتميز بقدرته على إنتاج مجموعة من المنتجات المفيدة بيئياً واقتصادياً في وقت قصير.
-
هل هناك تطبيقات عملية أو مشاريع قائمة في مصر تعتمد على هذه التقنية؟ وما دوركم كباحثين في ذلك؟
بدأنا بالفعل في تنفيذ نماذج أولية بعدد من المحافظات مثل الفيوم والشرقية، ونعمل على تحويل مخلفات النخيل والزيتون إلى منتجات مفيدة مثل الفحم النشط وخل الخشب. وبصفتنا فريقاً بحثياً، نركز على نقل المعرفة، وتصميم مفاعلات منخفضة التكلفة، إلى جانب تدريب المهندسين والمزارعين لضمان استدامة هذه التقنية وتوسيع نطاق استخدامها.
-
ما هي المحاصيل أو المخلفات الزراعية الأكثر قابلية للتحلل الحراري وتحقيق نتائج فعالة؟
المخلفات مثل قش الأرز، وتفل الزيتون، وجريد النخيل، وقشور عين الجمل، وبقايا الذرة وقصب السكر من أكثر المواد التي أثبتت كفاءة عالية في إنتاج الفحم الحيوي والمركبات الكيميائية المفيدة. هذه المخلفات الزراعية، التي غالباً ما تهمل أو تحرق، تمثل اليوم فرصة واعدة لتحويل النفايات إلى موارد ذات قيمة بيئية واقتصادية.
-
كيف يمكن استغلال المخلفات الزراعية كمادة أولية في تحسين جودة أو كفاءة مواد البناء؟
يمكن استخدام الفحم الحيوي كمادة داعمة في صناعات مثل الطوب والإسمنت ومواد العزل الحراري. مما يساهم في خفض وزن المواد، وزيادة متانتها، وتحسين قدرتها على عزل الحرارة والرطوبة. هذا الاستخدام يمنح المباني كفاءة بيئية أعلى، ويعزز من استدامة قطاع البناء.
-
هل تم التوصل إلى نماذج أو منتجات حقيقية يمكن استخدامها على نطاق تجاري أو محلي مثل صناعة الطوب من قش الأرز وتفل الزيتون؟
نعم، قمت بتطوير نماذج أولية لطوب معزز بالفحم الحيوي (البيوتشار) بالتعاون مع مصانع محلية. وتم إخضاعها لاختبارات معملية وميدانية. النتائج كانت مشجعة جدا. حيث أظهرت كفاءة أعلى مقارنة بالطوب التقليدي من حيث المتانة والعزل، مما يفتح الباب لاستخدامه في تطبيقات البناء المستدام.
-
ما مدى الجدوى الاقتصادية والبيئية لاستخدام المخلفات الزراعية في قطاع البناء مقارنةً بالمواد التقليدية؟
تتمتع هذه الحلول، على المدى الطويل، بجدوى اقتصادية واعدة بفضل انخفاض تكلفة المواد الخام المستخدمة. ومن الناحية البيئية، تساهم المنتجات في تقليل الانبعاثات وخفض استهلاك الطاقة. ما يجعلها بدائل حقيقية ومستدامة يمكن الاعتماد عليها في المستقبل.
-
كيف يمكن لهذه التقنيات أن تسهم في تقليل البصمة الكربونية وتحقيق الاستدامة في الريف المصري؟
عبر تحويل الكربون العضوي إلى فحم حيوي مستقر لا يتأكسد بسهولة، نتمكن من تقليل انبعاث الغازات الدفيئة بشكل فعال. بالإضافة إلى ذلك، توفر هذه العملية مصادر دخل جديدة، وتحسن خصوبة التربة. مما يقلل الحاجة إلى استخدام الأسمدة الكيميائية ويعزز من الاستدامة الزراعية.
-
من وجهة نظرك، ما أبرز العقبات التي تواجه تطبيق هذه الحلول في القرى والمجتمعات الزراعية؟
أبرز التحديات التي تواجهنا نقص الوعي حول أهمية هذه التكنولوجيا، إلى جانب محدودية التمويل وقلة الكوادر المدربة. إضافة إلى ذلك، لا تزال بعض السياسات المحلية تشكل عائقاً أمام تبني هذه الحلول المبتكرة بشكل أوسع.
-
كيف يمكن تعزيز الوعي لدى المزارعين بأهمية تدوير المخلفات بدلًا من حرقها أو التخلص العشوائي منها؟
نعمل على تعزيز الوعي من خلال التدريب الميداني، وتقديم نماذج عملية ناجحة. وإشراك الفلاحين مباشرة في مشروعات توفر لهم دخلاً من استغلال المخلفات الزراعية. إلى جانب ذلك، نحرص على دعم إعلامي قوي يستخدم لغة بسيطة ومقنعة تصل بسهولة إلى الجميع.
-
هل ترين أن هناك دعمًا كافيًا من الدولة أو القطاع الخاص لمشروعات التكنولوجيا الزراعية المستدامة؟
بدأ الدعم في الظهور تدريجيًا، لكنه لا يزال محدودًا مقارنة بالحاجة الفعلية. نحتاج إلى سياسات تحفيزية واضحة، وتمويل موجه للمشروعات الصغيرة، بالإضافة إلى شراكات فعلية وجادة مع القطاع الخاص لتعزيز هذا المجال.
-
في رأيك، كيف يمكن للبحث العلمي أن يلعب دورًا أكثر تأثيرًا في السياسات الزراعية والبيئية في مصر؟
نهدف إلى ربط نتائج الأبحاث مباشرة مع صناع القرار. وتعزيز التعاون المستمر بين الجامعات، المعاهد، والمجتمع المدني، ليصبح العلم أداة فعالة في اتخاذ قرارات استراتيجية مبنية على الأدلة والحقائق.
-
ما الذي تطمحين إلى تحقيقه في السنوات القادمة على المستوى العلمي أو المجتمعي؟
أطمح إلى تأسيس شركة متخصصة في الابتكار في مجال تكنولوجيا التحلل الحراري. بهدف تعميم النماذج الناجحة في القرى المصرية. إلى جانب تدريب جيل جديد من الباحثين والمهندسين القادرين على قيادة هذا التحول. وقد بدأت بالفعل في وضع حجر الأساس لشركة ‘تكنوشار’ لتحقيق هذه الرؤية.
-
هل هناك نصيحة توجهينها للباحثين الشباب في مجالك؟
أهم ما أتمناه أن يتحلى الشباب بشغف حقيقي. وألا يخافوا من التجربة أو الفشل. وأن يبقوا على اتصال دائم مع الواقع الميداني والمجتمع، لأن الابتكار الحقيقي ينشأ من فهم عميق للاحتياجات الحقيقية.
اقرأ أيضا:
كيف وصلت آثار مسروقة إلى قصور أمراء الخليج؟ تمثال مزيّف يكشف شبكة مشبوهة| مستندات