خبراء بعد اختفاء لوحة أثرية من مقبرة بسقارة: لا يمكن استردادها إذا هُرِبت

في منطقة سقارة الأثرية، اختفت لوحة أثرية من داخل مقبرة «خنتي كا» المغلقة منذ عام 2019، والتي تستخدم كمخزن للآثار منذ عقود. ورغم أن الواقعة قد تكون حدثت منذ فترة طويلة، إلا أن الإعلان عنها جاء متأخرًا، ما أثار تساؤلات عديدة حول ظروف الاختفاء.
وزاد من غموض الواقعة تضارب التفاصيل حول ما إذا كانت اللوحة جزءًا من الجدران أو من القطع المخزنة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول كيفية سرقتها، ومستوى تأمين المقبرة، وإمكانية تتبع السارق واستردادها حال عرضها للبيع خارج مصر، إلى جانب تأثير نظام حفظ وتسجيل الآثار على مثل هذه الحوادث المتكررة.
النيابة العامة تحقق
أصدر مجلس رئاسة الوزراء بيانا أكد فيه الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، اختفاء لوحة أثرية من الحجر الجيري من مقبرة “خنتي كا” بمنطقة آثار سقارة. مشيرا إلى اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة، وإحالة الواقعة إلى النيابة العامة للتحقيق.
وبحسب البيان، كانت المقبرة مغلقة وتُستخدم كمخزن للآثار منذ اكتشافها في خمسينيات القرن الماضي. ولم تفتح منذ عام 2019، كما تم تشكيل لجنةً أثرية لجرد محتوياتها. لكن البيان لم يوضح تفاصيل عن شكل اللوحة أو صورا رسمية لها. أو الإجراءات المتبعة لاستردادها في حال عرضها خارج مصر.
هل يمكن استردادها حال بيعها؟
من جانبه، أوضح الدكتور عبد الحميد معروف، رئيس قطاع الآثار المصرية الأسبق، أن البيان الرسمي أشار إلى أن اللوحة الأثرية التي تم الإعلان عن سرقتها تعود لمقبرة “خنتي كا” بمنطقة سقارة. والتي كانت تستخدم كمخزن مغلق منذ عام 2019.
وقال في تصريحات خاصة لـ«باب مصر»: “البيان لم يوضح بشكل دقيق ما إذا كانت اللوحة قد نُزعت من جدران المقبرة نفسها. أم كانت ضمن القطع الأثرية المخزنة بداخلها. وهو ما يفتح باب التساؤلات حول كيفية اختفائها”.
طريقتان للسرقة!
أضاف د.معروف: “إذا كانت اللوحة انتزعت من الجدار، فهناك احتمالان، الأول أن المقبرة تم كسرها من الخارج. والثاني أن بابها فتح وسرقت من الداخل. وفي هذه الحالة يسأل كل من له صلة بالدخول والخروج من المقبرة، وأولهم صاحب العهدة”.
وتابع موضحا أنه إذا كانت اللوحة قد انتزعت من الجدار ولم تكن مسجلة أو تحمل رقما أثريا. فسيكون من الصعب جدا استردادها في الخارج، وفقا لقرارات منظمة اليونسكو”.
كيف سُرِقت من المقبرة؟
كشف مصدر مسؤول بمنطقة سقارة، في تصريحات خاصة لـ«باب مصر»، أن اللوحة المسروقة تم نزعها من جدران المقبرة، ولا تحمل رقم تسجيل أثري. لأنها كانت جزءا من الجدار نفسه، الذي لا يسجل عادة ضمن القطع المنفصلة.
وأضاف المصدر – رافضا ذكر اسمه – أن المقبرة مسجلة كوحدة أثرية كاملة. وتم نشرها علميًا عام 1953 على يد مكتشفها عالم الآثار البريطاني “جيمس”.
متى اختفت اللوحة من المقبرة؟
استكمل المصدر: “أبلغنا النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمعرفة كيفية السرقة، لأننا لسنا جهة تحقيق. ومن المحتمل أن تكون اللوحة سُرِقت منذ فترة كبيرة. إذ كانت المقبرة عبارة عن مخزن حتى عام 2019، ولم تكن مفتوحة للزيارة العامة”.
وأشار إلى أن اختفاء اللوحة قد يكون حدث بعد ثورة 2011، التي شهدت حالة من الانفلات الأمني. وتعرضت خلالها العديد من المواقع الأثرية لحوادث مشابهة.
غياب كاميرات المراقبة
حول تأمين منطقة سقارة، أوضح المصدر أن المقبرة كانت مغلقة منذ عام 1959، وهو تاريخ أول محضر لتخزين الآثار بداخلها. وتعد المقبرة من المواقع ذات النقوش المميزة. ومن المقرر أن تخضع لمشروع ترميم علمي تمهيدا لافتتاحها قريبا.
وأضاف أن الإجراءات الأمنية متوفرة بالمنطقة، لكنها تفتقر إلى كاميرات المراقبة باستثناء تلك الموجودة على المخازن المتحفية. مشيرا إلى أن منطقة سقارة شاسعة جدا ويصعب مراقبتها بالكامل في الوقت الحالي.
حفظ وتسجيل الآثار
كما أوضح المصدر أن نظام حفظ وتسجيل الآثار يشهد تطويرا تدريجيا، لافتا إلى أنه سيتم تنفيذ مشروع لتوثيق جميع آثار سقارة علميا خلال الفنرة المقبلة.
وأشار إلى أن المنطقة ستشهد تنفيذ عدة مشروعات. من بينها تركيب كاميرات مراقبة في أنحاء الموقع كافة، وتطوير الطرق الداخلية، وافتتاح طريق جديد. إلى جانب توفير خدمات سياحية مثل الكافيتريات والمطاعم التي كانت المنطقة تفتقر إليها.
إجراءات فتح المخزن
استكمل د. عبدالحميد معروف حديثه لـ”باب مصر” قائلا: “استخدام المقبرة كمخزن يعني أنها كانت تحت عهدة أثرية رسمية. ويجب أن يكون هناك سجل دقيق يضم كافة القطع المحفوظة داخلها يتضمن أرقام تسجيلها وصورها ووصفها التفصيلي وأبعادها”.
وأضاف أن المقبرة لا تُفتح إلا بقرار من لجنة رسمية. وبمشاركة شرطة السياحة والآثار، والأثري المسؤول عن العهدة. وتُختم عادة بختم الشمع الأحمر أو الرصاص لضمان عدم العبث بمحتوياتها. واختتم قائلا: “يجب انتظار نتائج التحقيقات، وتأتي هذه القضايا في توقيت حساس يتزامن مع قرب افتتاح المتحف المصري الكبير”.
سقارة.. موقع تراث عالمي
تتسم منطقة سقارة بأنها موقعًا أثريًا هامًا، وتمثل شاهدًا فريدًا على عبقرية المصريين القدماء ومعتقداتهم. وخاصة في مجال العمارة الجنائزية. وأكد الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، أهمية منطقة سقارة. لافتا إلى أن ممفيس ومقبرتها سجلتا تراثا عالميا استثنائيا باليونسكو عام 1979 لعدة معايير.
وأوضح لـ”باب مصر” أن المنطقة اقترنت بالعديد من الأحداث التاريخية المرتبطة بتتويج الملوك بممفيس. واحتلت أهمية استثنائية لأول حضارة عرفت على وجه الأرض. إذ كانت ممفيس عاصمة مصر بين عامي (2700 -2150 ق.م).
ولعبت دورًا بارزًا في تاريخ مصر حتى العصر الروماني. إذ تم فيها تتويج الإسكندر الأكبر، وتمثل هذه المنطقة عاصمة مصر القديمة في بدايات التاريخ المصري. حين اتخذها الملك مينا “نعرمر” عاصمة لمصر، وكانت تسمى بـ«الجدار الأبيض» ثم سميت لاحقا «منف».
أهمية ممفيس الدينية
استكمل الدكتور ريحان: “استمرت أهمية ممفيس الدينية والتاريخية والإستراتيجية طوال عصور مصر القديمة. وقد خرج منها تمثال رمسيس الثاني الشهير، الذي كان قائما في ميدان رمسيس. وتم نقله إلى المتحف المصري الكبير. وتضم المنطقة معبد الإله بتاح، ومعبد التحنيط، ومعبد الإلهة حتحور، إلى جانب متحف تمثال رمسيس الثاني الضخم، ومتحف إيمحتب”.
وأشار إلى أنه منذ عهد الأسرتين الأولى والثانية، بدأ النبلاء المصريون في بناء مقابرهم بسقارة. بينما تعد أول المنشآت الملكية المُشيّدة بها هي المصطبة الأثرية التي أقيمت في عهد الملك خع سخموي، آخر ملوك الأسرة الثانية. والمعروفة الآن باسم جسر المدير. وتوالى بعد ذلك بناء المصاطب والأهرامات في سقارة، خلال عهود الأسرات التالية. لتصبح واحدة من أضخم وأغنى المناطق الأثرية في مصر، كما قال.
اقرأ أيضا:
«تعهد الحدائق».. عريضة شعبية لحماية حديقتي «المسلة» و«الزهرية» التراثيتين بالزمالك
تجريف التربة وطوب خرساني.. ماذا يحدث داخل حديقة «المسلة» التراثية؟
حديقة «المسلة» تحت التهديد: «عريضة» تطالب بوقف أعمال البناء وصب الخرسانة