حوار| الدكتور نبيل الشاهد يوضح تأثير العولمة على الأدب الشعبي

يُعد الدكتور نبيل الشاهد واحدا من الأكاديميين الذين يحملون على عاتقهم مهمة نشر الأدب الشعبي خارج قاعات الدرس إلى جمهور واسع من القراء، وواحد من الذين يحتلون مكانة مرموقة على الخريطة الثقافية عبر اهتمامه بالتراث المحكي والثقافة الشعبية، حيث يسهم في هذا الجانب بالعديد من الدراسات واشتراكه في العديد من الجمعيات المهتمة بالتراث والثقافة الشعبية تحديدا، منها الجمعية المصرية للدراسات السردية، والجمعية المصرية للمأثورات الشعبية.

والشاهد حاصل على درجة الدكتوراه في البلاغة والنقد، ويعمل أستاذا للبلاغة والنقد والأدب المقارن فى الجامعة العربية المفتوحة لشمال أمريكا، إلا أنه مازال الأدب والتراث الشعبي يستحوذ على كل إنتاجه الإبداعي، وبمناسبة قرب صدور كتابه الجديد الذي يحمل عنوان (حكاية المختطف عن ألف ليلة وليلة.. من النص الديني إلى الأدب الشعبي) والذي يستقى مادته من تحقيق “حكاية تميم الداري وما جرى له من العجايب”، كان لنا معه الحوار التالي.

غلاف كتاب بنية السرد في القصة القصيرة للدكتور نبيل الشاهد - بواسطة دكتور نبيل الشاهد
غلاف كتاب بنية السرد في القصة القصيرة للدكتور نبيل الشاهد – الصورة منه

لماذا يجب الاهتمام بالأدب الشعبي؟

الأدب الشعبي مادة تمتزج مع العديد من الفنون مثل الرسم، والنحت، والموسيقى، والحرف اليدوية، وهو جزء من تكوين ثقافي قديم ويضاف بشكل مستمر مع الثقافات الأكثر قدما لكل إقليم على حدة، وحتى لو تم تنحية هذا الأدب في ظل العولمة والانفتاح الثقافي، إلا أن الأدب الشعبي مازال ساكنا في طبقات وعي الجماعة عبر اللغة وفى الملابس والمناسبات الاجتماعية وسلوكيات الحياة اليومية.

ودور  الأدب الشعبي هنا يتأكد في تعبيره عن حالة الطبقات المهمشة في العصور السابقة سواء فى الناحية الثقافية أو الاجتماعية أو السياسية، لأنه ملك طبقات تحتية حاولت التواجد بعيدا عن الأدب الرسمي المغلف في دواوين الحكم لرسم صور وردية عن مجتمعات مكبوتة، ولا توجد مبررات للقول بأنه يشكل الهوية والشخصية وهذا الذي تتشدق به الألسنة للتأكيد على دور مفقود لهذا النوع من الأدب، كما يمكن توظيف طاقاته لاستثماره كأداة جذب لروؤس الأموال وتوفير فرص عمل للشباب.

هل أثر التقدم التقني في الإعلام تحديدا في اندثار بعض الفنون الشعبية مثل (الأرجوز والموال والحكاية الشعبية والشاعر الشعبي في الموالد وسهرات السمر في الأجران)؟

في ظل العولمة والسوشيال ميديا صار الأدب الشعبي متحفيا، وخلال 50 عاما على الأكثر سيكون مجرد ذكرى مبثوثة في بطون الكتب، ولو وجدت أفكار منفتحة وعقول غير مقترنة بالعمل الوظيفي فيمكننا استثمار هذه الفعاليات والترويج لها عالميا، مثلا لو تم إنشاء قرى سياحية تعتمد على أدوات البيئة (الأواني الفخارية والرسوم اليدوية والحرف البيئية) في المعيشة، ماذا لو تم عمل ليالي سياحية وساحات فنية لرواة الحكي الشعبى وألعاب الأطفال والغناء الشعبي والمطبخ العربى والأرجوز والموال، كلها أفكار تحتاج لقيادات واعية والتفكير خارج الصندوق وأسوار الاكاديمية المغلقة، وسأضرب مثالا على مدى ما تحققه دولة تونس من نجاحات سياحية من خلال تنظيم مهرجانات لطبخ “الكسكسي” فقط.

لماذا تعتبر الرواية سمة رئيسة من سمات “الأدب الشعبى” ولا تعتبر كل “المرويات” أدبا شعبيا؟

التراث العربي ومنه الأدب الشعبي أيضا قام معظمه على الرواية فهو في الأصل تراث شفهي، والتدوين وافد عليه، والحكي الشعبى ظل بعد دخول التدوين والكتابة أدبا مرويا يعتمد على الحفظ والإلقاء، ولذلك ظل مرتبطا في وجدان الجماعة الشعبية في مواجهة الأدب الرسمي، ولم يفارق الراوي الحكاية الشعبية التى إليها يتوجه ومنها يستمد.

التراث الشعبي يُعد رافدا من الروافد الثقافية التي يجب أن تشكل وجدان وذاكرة المبدع، فما مدى استفادة الفنانين والٌكُتاب من الموروث الشعبي؟

إفادة المبدع من الفن الشعبي صارت محصورة في العمل الأكاديمي وابتعدت بشكل كبير عن الجمهور، وتُسئل عن ذلك المؤسسات الأكاديمية التى حصرت هذه الفنون في مكاتب الموظفين وأوراق الأكاديميين، وهو ما أضاع على تلك الفنون فرصة الإفادة من الميديا والترويج السياحي وجذب استثمارات ضخمة.

كما أن النحت والرسم كانا سابقا، أما الآن فالتمثيل هو الأداة الأكثر إفادة من الحكي الشعبي، سواء كان ذلك عبر المسرح أو التليفزيون أو السينما، وغالبا من يتم التناص مع الحكي الشعبى لإنجاح العمل التمثيلي، ونجد مثالا في مسلسلات (ذئاب الجبل، الضوء الشارد، الشهد والدموع، الدم والنار) حيث كلها مستمدة من روح ووظيفة النص الشعبي.

غلاف كتاب السرد بين الماهية والهوية للدكتور نبيل الشاهد - بواسطة الكاتب
غلاف كتاب السرد بين الماهية والهوية للدكتور نبيل الشاهد – بواسطة الكاتب

 لماذا يمثل النص “الألفليلي” محور اهتمام العديد من الدارسين والباحثين؟

يعتبر الأدب الشعبى، هو المفتاح لفهم أثر “ألف ليلة وليلة” سواء عند القراء أو الدارسين، الشعبى بما تعنيه الكلمة من أدب غير رسمي دون من طبقات تحتية مقهورة عن البوح والتدوين في البلاط فانفتحت خيالاتهم على التحليق في سماء الحرية ورغد العيش بعيدا عن إدانة السلطة وصراعات مذهبية وطائفية وسياسية فرضت عليهم فرضا، ولذلك توشت معظم حكاياتها ببعد رمزي.

 ما الدلالة في أن النصوص السردية التراثية العربية (مفتوحة)؟

لنتفق أولا على كونها نصوصا مفتوحة تعتمد فكرة التأطير والبناء الهرمي لتستوعب الحكاية عددا غير محدود من الحكايات الفرعية، ونموذج ذلك الضخامة الموجودة في السير الشعبية، بتعبير أسهل يمكن القول أن الانفتاح النصى نشأ ردا على الكبت الرسمي من ناحية، و”أكل عيش” للراوى في حلقات حكيه التى يرغب في استمرارها.

 لماذا تؤمن بأن الراوي هو المحطة الرئيسية في تشكيل البنية السردية اللسانية؟

علينا التفريق بين راويين في الأدب الشعبى، فأولهما الراوي الحقيقي، وهو إنسان من لحم ودم، وقف منذ زمن بعيد راويا حاكيا لجمهور حقيقى يتلقى حكاياته ويتفاعل معه، وهو الآن إلى زوال، والآخر يشكل المحطة الرئيسة في تشكيل البنية السردية للخطاب، وهو من الأهمية بحيث لا يمكن أن يوجد سرد بدون سارد، والراوي فى الحكايات الشعبية له تنويعات عديدة ولا يكفى اجترار كلام المنظرين في هذا الشأن لأن التطبيق واستكشاف الوظائف هو ما يكشف عن التنوع اللامحدود لدور الراوي فى عرض حكاية وبؤرتها عن أخرى، وهذا ما حاولت فعله فى دراسة السردية اللسانية مطبقا على حكايات الكتابين.

هل ترى تأثيرًا للحكاية العجائبية في السرد العربي القديم على الحديث؟

التأثر يكون في حالة وجود روائي مطلع على الحكي الشعبي متخذا منه رافدا في تكوينه الثقافي والدليل على ذلك ماركيز وبورخيس، فالواقعية السحرية في أدب أمريكا اللاتينية ولدت من رحم سماع وقراءة ومعايشة أدب شعبى.

لماذا اعتمدت على كتابي “مائة ليلة وليلة” و “الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة” دون غيرهما؟

ستبقى ألف ليلة دون مساس بقيمتها، حجر عثرة في وجه نصوص أخرى لها مساحة كبرى من التميز والقيمة، ودليل ذلك أن النصان لم يخضعا لدراسة علمية سابقة هذه واحدة، فكتاب “مائة ليلة وليلة” حقق سنة 2005 مشفوعا بدراسة سريعة وموجزة للدكتور محمود طرشونة، وكتاب “الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة” حققه المستشرق هانس فير سنة 1956، وظل على حاله دون دراسة علمية تستكسف بنيته أو تغوص لاستكشافه كما أن اتساقهما أي الكتابين في نفس المادة يكفي أيضا لقصر الأمر عليهما، وحصر الدراسة بينهما ويبقى أن الكتابان شكلا بذرة بأسبقيتهما التاريخية على النص الألفليلى أو بتماهيهما مع نفس الجذر.

غلاف كتاب الحكايات العجائبية- الصورة من الكاتب
غلاف كتاب الحكايات العجائبية- الصورة من الكاتب

وما الذي تعكف على إنتاجه الآن من الأدب الشعبي؟

استعد الآن لاستكمال بعض المشاريع العلمية المتعلقة بالأدب الشعبى، منها قرب صدور كتاب بعنوان (حكاية المختطف عن ألف ليلة وليلة.. من النص الديني إلى الأدب الشعبي)، وهو كتاب شديد الأهمية لأنه يستقى مادته من تحقيق “حكاية تميم الداري وما جرى له من العجايب” وهي إضافة لكونها حكاية منسية في ألف ليلة وليلة، تعد الجذر الأصلى الذى تجسر من خلاله حديث نبوي ورد في صحيح مسلم للخيال الشعبي الذي صاغه بطاقاته الفنية ليرسم حالة التماهي الحادث بين حديث الجساسة وظلاله العجائبية المتعددة عند الجماعة الشعبية، التي التقطت الخيط العجائبي من تميم الداري، لتنسج من خلاله وحوله سحرية خاصة، متخذة من التجذير الحادث لأول وأقدم قاص في تاريخ الإسلام، حالة حكائية لها قيمتها وقيمها الخاصة بها، كما تكمن الأهمية أيضًا في الصلة التي يحاول البحث تجسيرها، عن طريق عقد الصلة التاريخية، بالبحث عن المسوغات التي دعت رواة الحكي الشعبي، لاتخاذ تميم الداري راويًا وبطلًا لهذه الحكاية.

وأعكف أيضا على الانتهاء من كتاب “حِـجَـاجُ الْحجَّاج.. دراسة وتحقيق لقصة الْحجَّاج الثَّقَفِيّ مع مُحَمَّد بْنِ الحَنَفِيَّة”، وهي حكاية تتوازى مع حكاية الجارية تودد بما فيها من أفق موسوعى تعتمد على آليات الحجاج والمناظرة في تكوينها البنائي.

وغاية ما أسعى إليه أخيرا هو القيام بعمل دراسة تكشف عن جسور العجائبي الذي تأصل في العقلية العربية من خلال فقهاء ما شغلهم سوى ترسيخ ذلك الخرافي في العقلية العربية من خلال محاولات ربطه بنصوص دينية لها خصوصية خاصة.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر