حوار| التشكيلي «رضا خليل»: أحببت السينما قبل التشكيل

تتواصل بقاعة جاليري آرت بالزمالك، فعاليات معرض «سينما مصر» للفنان رضا خليل. المعرض يُعد التجربة الثانية له عن السينما حيث يضم أعمال فنية تجسد ذكرياته عنها.. «باب مصر» أجرى معه حوارا للتعرف على رحلته الفنية.

للمرة الثانية تكون “السينما” عنوان معرضك الفني.. ما تعقيبك؟

بالفعل.. حيث كان المعرض الأول عام 2013، تحت عنوان “سينما الحياة” وقت حكم الإخوان. كنت وقتها أفكر في طريقة لدمج السياسة بالفن من خلال السينما. وأن أطرح أفكارًا لا تتم مصادرتها، وفي نفس الوقت تكون أداة قوية. والآن وجدت أنه ينبغي علي أن أقدم بعض اللوحات كنوع من التحية للسينما، تضم الذكريات الجميلة عن السينما من مختلف مراحل حياتي العمرية.

ولكن ما الجديد الذي تتناوله في هذا المعرض عن السابق؟

فكرت أن أقدم السينما في لوحاتي في هذا المعرض. حيث إعجاب الجمهور وإشادة النقاد بأعمالي الخاصة بالنوستالجيا، وخاصة العلامات التجارية القديمة، والماتريال القديم، والبوسترات التي أضعها كخلفية للوحات.

حاولت أن يمنح معرضي للمتلقي جرعة أمل وسعادة. قسمته إلى أربعة أقسام، القسم الأول يضم إعادة المشاهد العادية للأفلام. القسم الثاني تداخل مشاهد سينمائية برؤية خاصة. والقسم الثالث العلامات التجارية القديمة والكوميكس وتداخل الشخصيات الكرتونية الشهيرة مع الفنانين. والرابع كنت أنا كاتب العمل والمخرج ومهندس الديكور والمتفرج الأول، صنعت أفلامي الخاصة بلوحاتي. وجمعت فنانين في مشهد سينمائي بالرغم من أنهم لم يتقابلوا في فيلم سينمائي من قبل، بجانب بورتريهات المغنيين والفنانين.

جانب من افتتاح المعرض
جانب من افتتاح المعرض
لماذا تحتل الحارة المصرية مساحة كبيرة فى عملك الفني؟

في بداية رحلتي الفنية كان أول معرض لي هو معرض جماعي عام 1985، اشتركت فيه ببورتريه لبنت جميلة. وكنت سعيدا للغاية، وتخيلت أن هذا هو الفن، إلى أن زار المعرض أستاذا نمساويًا، وعندما عرف أني من منطقة الأزهر قال لي: “أنت فنان كويس ليه سايب منطقة الأزهر بجمالها وتبحث عن الفتيات اللي شبه الأجانب الفن هو أن تعبر عن مجتمعك”.

وعملا بتلك النصيحة، دخلت في عمق الحارات، شاهدت بيوت ومنازل، تجولت في الأسواق، رسمت الشوارع، والمقاهي، والآن أرى أن ما قمت به يمثل لي أهم خطواتي.

إذن أنت تنحاز للمدرسة الواقعية، فما رأيك في التجريد والمدارس الحداثية الأخري في الفن؟

أنا ضد التجريد الذي ينتهجه بعض الفنانين كخط فني لهم. وأرى أنه قبل الدخول في التجريد من الضروري أن يكون الفنان جرب الواقعية في البداية. لأن التجريد ظهر عندما تهدمت أوروبا بالكامل، وكان الفنانون يشاهدون ركام المنازل من حولهم، وظهر التجريد كنوع من السخط على الحياة، وأن لا هناك شيء مفهوم. وظهرت لوحاتهم على شكل مساحات لونية. فهل يعقل أن نقوم الآن بتقليد ذلك وأن نطلق عليه حداثة!!

فالحداثة من وجهة نظري هي أن يرى المتلقي في اللوحة، المكان والبيئة والثقافة وطريقة معيشة الفنان في اللوحة. وهناك أمثلة كثيرة مثل محمود سعيد وغيرهم، ممن عشقوا تفاصيل بيئتهم.

حدثنا عن تباين الضوء الذي يسيطر على لوحاتك الفنية؟

الضوء في مصر مهم جدًا فهو يغسل المباني يوميًا مع شروق الشمس. كما أنه يتغير كل ساعة، كوننا بلد مشمس، لذلك أرى أن هذا التباين في الضوء طبيعي جدًا. والفنان يجب أن يستغل طبيعة المكان، ففي القاهرة أشعر أن الشمس تعزف سيمفونية ضوء، كل لحظة تتغير نغماتها. كما أن الظلال تتغير، ويلزم للفنان لاقتناص تلك اللحظات السرعة والملاحظة والدقة.

وماذا عن عشق السينما ونجومها الذي يطغى على أعمالك؟

أحببت السينما قبل أن أكون فنانًا. وبدأ الشغف منذ طفولتي في بداية السبعينات. حيث كانت والدتي تأخذني أنا وأخي كل يوم جمعة إلى سينما مترو بوسط البلد كي نشاهد أفلام والت ديزني. كانت الفترة الصباحية مخصصة للأطفال، فكنت أشعر كأننا ندخل إلى عالم سحري، نعود منه بسعادة الفراشات. ثم ازدادت زيارات السينما في المساء، فقد كانت والدتي تعشق السينما. ومنها أحببت السينما الصيفية في ليالي المصايف، ولكونها بلا أسقف، فقد كنت أتابع الأفلام واختلس النظر إلى نجوم السماء.

هل أثرت السينما في مسيرتك ورؤيتك الفنية بعد ذلك؟

شكلت السينما وجداني منذ طفولتي حتى الآن، فأنا أتفاعل مع أداء الممثلين والديكور. وعندما قررت أن أكون فنانًا في المرحلة الثانوية، حضرت العرض الأول لفيلم “اليوم السادس” ليوسف شاهين. تعرفت أيضًا على سينما داوود عبدالسيد ويسري نصر الله وعاطف الطيب ومحمد خان. وأكسبتني السينما خبرة كفنان من خلال الكادرات والتكوينات والمنظور الهوائي.

بالنسبة لأعمال رضا خليل.. ماذا يأتي أولا التعبير أم التشخيص؟

أهتم بالتعبير أكثر من التشخيص، ولابد أن أشعر باللوحة قبل المتلقي. لذا لابد أن يشعر المتلقي باللوحة أيضًا ويتفاعل معها. تناولت مثلا الجمهور في السبعينات وهو واقف أمام السينما، وفتاة شباك التذاكر، أنا لست بناقل للصور فقط بل أرسمها من منظوري ورؤيتي وتعبيري الخاص.

هل هناك أفلام كنت تود تناولها في لوحاتك الفنية؟

كنت أتمنى أن أتناول أفلام مثل عودة الابن الضال، العصفور، إسكندرية ليه، رسائل بحر، شحاذون ونبلاء، وضربة شمس. القائمة طويلة وتحتاج إلى سنوات للتعبير عما فيها. فأنا أعشق السينما، لدرجة أنني قد أشاهد فيلم عشرات المرات دون ملل.

ما السبب وراء عدم مشاركتك في المعارض الجماعية بكثرة؟

أنا ضد المعارض الجماعية، برغم من أن قد يكون هذا سببا في التقليل من أسهم شهرتي، لكني أعلم جيدا أن ما أفعله الآن هو الذي يكتب تاريخي فيما بعد. أريد تحقيق المعادلة الصعبة في لوحاتي، وهي أن من يراها من النقاد يقدرها، بجانب أن يسعد بها ويفهمها أبسط شخص يراها، فهي معادلة السهل الممتنع.

كيف ترى الحركة التشكيلية في مصر مع وجود هذا الكم الكبير من قاعات العرض الخاصة والعامة؟

الجاليرهات في مصر نوعان، جاليري لديه قائمة أشخاص هو من يتعامل معهم فقط بمنطق الشللية والأصدقاء. والنوع الثاني هو قاعات قطاع الفنون التشكيلية، أما الحركة التشكيلية ففيها العديد من المواهب الشابة والفنانين المتميزين، لكن الكثيرين منهم لديه مساحة تأثر بفنان آخر، وتلك مشكلة كبيرة.

حدثنا عن شغفك بجمع الأنتيكات والأشياء القديمة؟

أهوى جمع الأشياء القديمة، وهذا يعود لنشأتي في منزل بحي الأزهر. حيث كانت والدتي تعشق جمع الفضيات والتماثيل وغيرها، أول ما لفت نظري كان تمثال من النحاس تقليد لتمثال نهضة مصر. ومكتوب عليه باللغة الفرنسية “تذكار من مصر”، كان لوجود تلك الأشياء من حولي في المنزل أثره البالغ.

وفي نهاية المرحلة الإعدادية، بدأت النزول للأسواق والبيوت القديمة للبحث عما هو قديم من عملات وأشياء خشبية ونحاسية، وبمرور الوقت اكتسبت خبرة كبيرة في هذا المجال، فأصبحت خبيرا في اللوحات والأنتيكات. أحب تجميع الأشياء التي ترجع لأزمنة بعيدة غير الزمن الذي أعيش فيه، لدي صور وكتب نادرة للغاية، وقطع خشبية وأواني وتماثيل هامة وصور شخصية للفنانين. كما لدي مجموعة كبيرة من الرسائل النادرة التي تعود لبداية القرن العشرين.

رسالة أخيرة تود توجيهها؟

“نفسي ارسم لآخر لحظة في حياتي” وأعبر عن أشياء كثير بداخلي. وأن أترك إرثا فنيا يفتخر به أولادي وأحفادي، كما أتمنى أن أحقق السعادة لكل من يرى لوحاتي. وأتمنى أن يعي المسؤول أهمية الفن ودوره في حياة المواطنين.

اقرأ أيضا:

التشكيلية «نيفين ناثان»: أعمالي تجسد المرأة.. ووراء كل تمثال قصة حقيقية| حوار

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر