حسين القلا عن مقالات صناعة السينما: المقومات متوافرة.. والحلول أيضا

بخصوص بعض المقالات السابقة حول صناعة السينما والدراما التليفزيونية في مصر، وضرورة وجود كيان جديد يشرف على تنظيمها وحل مشاكلها، اتصل بي المنتج المعروف حسين القلا، الذي قدم للسينما المصرية بعضا من أفضل أفلامها وألمع مخرجيها، وفي لقاء جمعنا لمناقشة الفكرة أعطاني دراسة موجزة كان قد أعدها بالفعل حول الموضوع، تحمل اقتراحات محددة منها إنشاء كيانات جديدة.

مقومات السينما المصرية

حسب رأي الأستاذ القلا، تتوفر لصناعة السينما المصرية مقوماتها الرئيسية: العنصر البشري الذي يتمثل في وجود قاعدة كبيرة من الفنانين والفنيين، ووجود دور العرض حتى لو لم تكن كافية، ووجود جمهور عريض فعلي وجمهور أكبر محتمل سواء في مصر أو العالم العربي وبعض البلاد الأخرى، كما توجد التشريعات القانونية اللازمة لحماية الصناعة ودعمها والكيانات الحكومية وغير الحكومية التي تعني بشؤون السينما والعاملين فيها.

وحتى فيما يتعلق بالتمويل، فكما يرى حسين القلا أن صناعة السينما المصرية لم تعان طوال تاريخها من نقص في تمويل العملية الإنتاجية، سواء كان التمويل مصريا أو عربيا أو أجنبيا.

ربما كان هذا صحيحا فيما يتعلق بالإنتاج الصغير، ولكن تعاني صناعة السينما المصرية حاليا من اختفاء شركات الإنتاج الضخمة التي تدرس السوق ومتطلباته وتعد الخطط الإنتاجية لعدة سنوات قادمة، وتغامر بإنتاج أعمال جريئة الإنتاج والطموح، وذلك باستثناء “الشركة المتحدة” بالطبع، التي تملكها الدولة بطريقة ما، ومن المتوقع أن تتحول إلى شركة اقتصادية مساهمة تطرح في البورصة، حسب البيان الذي تم إعلانه في المؤتمر الصحفي الذي عقد منذ عدة أسابيع.

وجود هذه الشركة من شأنه إحداث تغير نوعي في صناعة السينما، وليته يشجع الدولة والأفراد على إنشاء كيانات مماثلة تجمعها المصلحة المشتركة والمنافسة الشريفة التي ينظمها القانون.

يرى حسين القلا أن ما تحتاجه الصناعة اليوم أكثر من الإنتاج هو إنشاء دور عرض جديدة، أو بالأحرى ترميم وتشغيل دور العرض القديمة التي لم تعد تعمل أو لم تعد تصلح للاستهلاك الآدمي.

تحليل القلا

منذ سبعين عاما كان عدد سكان مصر عشرين مليونا، وكان هناك حوالي 500 دار عرض سينمائي في مصر. الآن زاد عدد السكان لأكثر من 100 مليون بينما لا عدد شاشات العرض هو نفسه، 500 شاشة تقريبا. لذلك لا معنى لإنتاج الأفلام إذا لم يكن هناك دور عرض وجمهور يغطي تكاليف هذه الأفلام.

إذا عدنا للوراء لعام 1998، عندما أصدر رئيس الوزراء كمال الجنزوري قرارات تشجيع الصناعات ومنها السينما، دخل إلى المجال بعض كبار المستثمرين، وكانت الخطوة الأولى التي ساهمت في إنعاش الصناعة التي كانت تحتضر هي إنشاء دور عرض حديثة، وتزامن هذا مع ظاهرة إنشاء المولات التجارية التي استوعبت عددا كبيرا من دور العرض، وبالفعل كانت دور العرض بمثابة قبلة الحياة للصناعة. للأسف توقف بناء دور العرض لأسباب عدة، بعضها مفهوم وبعضها يتعذر فهمه، ولكن يجب البحث عن حل لهذه المشكلة قبل أن نفكر في أي شئ آخر.

دور العرض

هناك رأي يتردد بأن دور العرض أصبحت من معالم الماضي، وأن الناس توقفت، أو سوف تتوقف تماما، عن ارتياد دور العرض، وأن المنصات والتطبيقات الإلكترونية ستحل محلها. هذا الكلام يحتاج إلى مراجعة ودراسة، لأن هناك حالات يحدث فيها العكس مثل الصين والسعودية اللذين يشهدان نموا هائلا في أعداد دور العرض (بنسب متفاوتة بالقطع حسب ظروف كل بلد).

على أية حال، إذا كانت دور العرض السينمائي ستختفي فعلا، وهو أمر مشكوك فيه، فعلينا أن نركز على البدائل المطروحة والمستقبلية، وأن ننشئ منصات وقنوات وربما أشكال مختلفة من دور العرض، يمكن أن تستوعب الأفلام التي سيتم إنتاجها وأن تكون قادرة على تغطية التكاليف وتحقيق الأرباح. وهذه أيضا مسائل تحتاج إلى دراسة وقرارات وتشريعات قانونية.

مرة أخرى نجد أنفسنا أمام الحاجة الملحة لوجود كيان مسؤول يملك اتخاذ قرارات وتنفيذها يقوم عليه متخصصون مهنيون يحركهم الصالح العام للصناعة والبلد وليس مصالحهم أو أهوائهم الخاصة أو أجندتهم السياسية.

ثلاثة اتحادات

الدراسة التي أعدها الأستاذ حسين القلا تقترح إقامة ثلاثة اتحادات: واحد للمنتجين، وثان للموزعين وثالث لأصحاب دور العرض.

هذه الاتحادات موجودة في معظم بلاد العالم، وهي مختزلة في مصر في غرفة صناعة السينما، ولكن دور الغرفة يأتي بعد صناعة الفيلم، حيث ينحصر في منح تراخيص العرض وشهادات الحقوق وحفظ أرشيف بالمعلومات الخاصة بالأفلام.

يرى الأستاذ القلا أن إنشاء هذه الاتحادات يحتاج أولا إلى توافق أصحاب الشأن من منتجين وموزعين وأصحاب دور عرض، وأن تقوم جهة مسؤولة بتبني الاقتراح ثم يتم صياغة القوانين الخاصة بإنشائها.

أتفق مع الأستاذ حسن القلا في الفكرة والهدف، ولكن أعتقد أن إنشاء كيان واحد بدلا من ثلاثة هو أمر أكثر فاعلية وأسهل عمليا لعدة أسباب: إنشاء اتحادات جديدة أمر مستبعد، لأن الغرفة وبعض الأطراف الأخرى ستعترض لتعارض الاختصاصات. ومن ناحية أخرى سيركز كل اتحاد على مصالح أعضاءه فقط دون النظر للصالح الكلي للصناعة، ويمكن فهم ذلك بوضوح إذا تخيلنا وضع اتحاد أصحاب دور العرض في مواجهة اتحاد الموزعين واتحاد المنتجين، لأن مشاكل دور العرض يجب حلها في إطار الصناعة ككل، كما أشرت سابقا.

الاتحادات الصغيرة يمكن أن تزيد المشاكل والصراعات، بينما المطلوب كيان لا يمثل فقط العاملين بالصناعة من أصحاب الأموال، ولكن المعنيين بها، من فنانين ومثقفين وممثلين عن الدولة والحكومة بالقطع.

وحتى لو افترضنا أنه تم تشكيل اتحاد للمنتجين فقط، فليس من المنتظر أن يجمعهم الصالح المشترك، بقدر ما سيحركهم الصالح الشخصي أو صالحهم المشترك على حساب الصناعة والمنتجين الصغار الذين ليسوا أعضاء في الاتحاد.

هدف الكيان المطلوب لن يكون تقديم الخدمات وحل الخلافات و”التحويط” على مصالح الأعضاء، كما تفعل غرفة صناعة السينما، ولكن الدراسة والتخطيط وإصدار القرارات والتشريعات، وعلى سبيل المثال: إصدار قرارات بشأن دعم إنشاء دور عرض جديدة ودعم دور العرض الحالية بتخفيض الضرائب والأعباء المالية وتخفيض أسعار التذاكر. إنشاء صندوق دعم للفنانين الشباب. مواجهة القرصنة بحلول فعالة بجانب القوانين الحالية، وتوفير سبل لتوصيل الأفلام للمشاهدين في البيوت بأسعار زهيدة، حتى لا يلجأون للنسخ المقرصنة، وليكن مثلا مبلغا يضاف إلى فاتورة الإنترنت لمن يريد..

وهذه مجرد أمثلة للمناقشة من بين عشرات غيرها، وكل هذا يحتاج إلى كيان له صلاحيات حقيقية، وأعضاء معنيون فعلا بصالح الصناعة فقط لا غير!

اقرأ أيضا

“حالة” شيحة: عصاب اليد الشمال من السعودية لفيلم تامر حسني

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر