تمهيدا لغرق الإسكندرية: هل تختفي عروس البحر المتوسط؟

«هل ستغرق الإسكندرية؟» تساؤل يتردد من حين إلى آخر في ظل التغيرات المناخية وظاهرة الاحتباس الحراري حديث العالم الآن. سيناريو الغرق ليس جديدا ولكنه محور اهتمام الدراسات المعنية بهذه الأزمة. فالإسكندرية مدينة من أكثر المناطق الساحلية انخفاضا، لأن البحر الأبيض المتوسط يحيط بها ومن ناحية الجنوب تقع بحيرة مريوط، مما يجعلها أكثر المناطق تعرضا لخطر الغرق الذي يتوقع العلماء حدوثه سنة 2100.

أرض غير كافية

يقر الخبراء بأن الاختلافات الإقليمية في ارتفاع مستوى سطح البحر وآثاره لا تزال غير مفهومة. لكن في الإسكندرية، المدينة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 5 ملايين نسمة وحوالي 40% من الطاقة الصناعية لمصر، هناك بالفعل علامات على التغيير.

تؤكد التقارير العلمية حدوث حالة تسرب بطيئة لمياه البحر المتوسط إلى أراضي الدلتا المنخفضة وأن الرواسب الأرضية التي يتم تصريفها في البحر بواسطة أنهار الدلتا طوال الألفية الماضية لم تعد تصرف بنفس السهولة. ذلك أن تراكم السدود المتعددة في مستجمعات الأنهار في العقود الأخيرة. قد قلل بشكل كبير من نقل الرواسب من نهر النيل إلى الساحل.

حيث تعاني السهول الواقعة في اتجاه مجرى النهر من تراجع شديد في الخط الساحلي وتملح الخزان الجوفي الساحلي، بسبب افتقارها إلى إمدادات التصريف الأنهار. يحدث ذلك بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدل 1.8 ملم في السنة حتى عام 1993.

وعلى مدى العقدين التاليين، ارتفع منسوب المياه إلى 2.1 ملم في السنة. ومنذ عام 2012 وصل إلى 3.2 ملم في السنة. وهو ما يكفي ليس فقط لتهديد دلتا النيل، إنما غمرها. هذا السيناريو يمثل كارثة للأمن الغذائي لأن الأراضي ستكون غير قابلة للزراعة.

من ناحية أخرى وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تعد محافظة البحيرة تليها الشرقية. ثم كفر الشيخ والدقهلية من المحافظات التي تحتوي على أراضي قابلة للزراعة التي تقدر مساحتها بين 1.7:0.8 مليون فدان. بينما تأتي محافظة المنيا في ذيل القائمة كمحافظة بعيدة عن الدلتا بمساحة تقدر بـ0.5 مليون فدان قابل للزراعة فقط.

توقعت دراسة أجريت عام 2018 أن ما يصل إلى 734 كيلو مترًا مربعًا (أكثر من 283 ميلًا مربعًا) من دلتا النيل يمكن غمرها بحلول عام 2050 وتتوسع بمقدار 2.660 كيلو متر مربع (أكثر من 1.020 ميل 2) بحلول نهاية القرن. مما يؤثر على مدينة الإسكندرية، وبالتالي غرقها هي الأخرى.

موت متكرر

كوم الشقافة موقع أثري تاريخي في الإسكندرية، تم استخدامه كسراديب لدفن الموتى من القرن الثاني إلى القرن الرابع، قبل إعادة اكتشافها في سبتمبر عام 1900 عندما سقط حمار بالصدفة في مدخلها. وتتكون المنشأة من ثلاثة مستويات مقطوعة من الحجر الجيري الرمل. تحتوي سراديب الموتى على عمود مركزي من ستة أعمدة يفتح من الدهليز. ومن ناحية اليسار توجد قاعة مأدبة جنائزية حيث يجتمع الأصدقاء والعائلة على أرائك حجرية مغطاة بالوسائد، في وقت الدفن وأيضًا للزيارات التذكارية المستقبلية.

الآن تعاني المنشأة من مشكلة شائعة تتمثل في تسرب المياه. بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر. ذلك أن المستوى الثالث بأكمله مغمور بالمياه الجوفية من التسعينات كانت المشكلة أكبر. لكن بعد انخفاض منسوب المياه الجوفية في عام 1995، تم فتح المستوى الثاني من سراديب الموتى للزوار. لكن في عام 2015 عادت المياه الجوفية للارتفاع بسبب الفيضان الذي حدث في شهري أكتوبر ونوفمبر.

تؤكد الدراسات أنه بمرور الوقت، قد يؤدي هذا التسريب إلى تكسير وتقشير طبقات سطح الصخور وتشكيل أزهار الملح والفلورات الفرعية التي يمكن أن تكون خطرة على طبقات طلاء الجدران. أيضا قد يؤدي تفاعل الرطوبة مع ثاني أكسيد الكربون إلى مزيد من التدهور. مما يؤدي إلى التسرب المحتمل للغازات غير المرغوب فيها أو المواد الكيميائية الخطرة من التربة المحيطة.

محو زمني مستمر

تعرضت منارة فاروس، التي كانت ذات يوم من بين أطول المباني التي تم بناؤها على الإطلاق وواحدة من عجائب الدنيا السبع في العالم القديم للزلزال. إذ يصفها ابن بطوطة: “ذهبت إلى المنار، فرأيت أحد جوانبه متهدمًا، وهو بناء مربع واقف في الهواء، وبابه مرتفع عن الأرض وأمام بابه وضعت ألواح خشب يعبر عليها الداخلون إلى بابه، كالجسر، فإذا أزيلت لا يمكن دخوله.

وداخل الباب موضع لجلوس حارس المنار، وداخل المنار بيوت كثيرة. وعرض الممر بداخله تسعة أشبار وعرض الحائط عشرة أشبار، وعرض المنار من كل جهة كم جهاته الأربع مائة وأربعون شبرًا وهو على تل مرتفع. بينه وبين المدينة مسافة فرسخ واحد في بر يحيط به البحر من ثلاث جهات إلى أن يتصل البحر بسور البلد. وفي هذا البر المتصل بالمنار، مقبرة الإسكندرية.

عدت إلى المنار عند عودتي من بلاد المغرب عام 750 هجريا. فكان المنار قد خرب ولا يمكن دخوله ولا الصعود إلى بابه، وكان الملك الناصر رحمه الله قد شرع في بناء منار مثله، فمات قبل أن يستكمل بناؤه”.

لم يحضر ابن بطوطة الزلزال الذي تعرضت له المنارة، لكن على أنقاضها بنيت قلعة قايتباي. الآن القلعة مهددة بشكل مستمر بسبب دفع الأمواج والتيارات القوية للأساسات مما أجبر السلطات على تثبيت سلسلة طويلة من الحواجز البحرية الخرسانية لتحميها. وفي كل فترة تتزايد هذه الحواجز حتى أنها شملت كورنيش المنشية.

هجرة حتمية

مدينة الإسكندرية كانت شبه مهجورة مرتين في تاريخها. مرة بسبب النشاط البركاني والمرة الثانية بسبب تطوير ميناء بديل قريب منها، ويرجح العلماء الهجرة الثالثة بسبب تغير المناخ.

حيث ترتبط المناطق شديدة التعرض للمخاطر بشكل غير عادي أيضًا بالزيادات الملحوظة في معدلات هجرة السكان. ارتفاع مستوى سطح البحر بجانب المشاكل المتعلقة بالبنية التحتية وتحديدا الجزء المتعلق بتصريف مياه الأمطار في المدينة، يؤدي لفيضانات وسيول تهدد سكان مدينة الإسكندرية.

في أكتوبر 2015 استمرت الفيضانات في بعض المناطق لأكثر من 10 أيام بسبب مشاكل في تصريف مياه الأمطار. وأسفر ذلك عن وفاة سبعة أشخاص وتضرر ملايين من المواطنين الذين يعيشون في أحياء فقيرة والتي تغطي 26% من إجمالي مساحة المدينة.

في مديرية المندرة وحدها، تعرض 400 مبنى لأضرار هيكلية خطيرة. وفي منطقة وادي القمر، تعرضت حياة 100000 شخص للتهديد بسبب تدمير منازلهم والأمراض المنقولة بالمياه والبنية التحتية المتضررة. كما تضمنت المخاوف الرئيسية خطر الصعق بالكهرباء.

في عدة مواقع (مقصورة على المناطق الفقيرة) بالإسكندرية، أيضا قطع خط الإمداد بالطاقة الهوائية لخط الترام أربعة أشخاص وصعقهم بالكهرباء بسبب انهيار الأعمدة الداعمة. كرد فعل على هذه الصعقات الكهربائية. وقتها قامت الحكومة بقطع التيار الكهربائي لمدة 10 أيام، ونتيجة لذلك تم إغلاق بعض الأنفاق (مثل نفق 45) مما تسبب في قلق وتعطيل حياة الكثيرين.

يرجح الخبراء أن هذه التأثيرات المتوقع حدوثها مجددا بسبب تغير المناخ إلى هجرة ما يزيد عن 10 ملايين شخص إلى منطقة وادي النيل المكتظة بالفعل بالسكان. وتعد لحظة هجرة سكان منطقة غاربة والمكس في 2015 بشكل مؤقت لمناطق أخرى بالنسبة للعلماء مؤشر يؤكد ترجيحاتهم.

مراجع

https://link.springer.com/article/10.1007/s11069-016-2724-z

https://heritagesciencejournal.springeropen.com/articles/10.1186/s40494-021-00547-8#Sec13

https://www.nature.com/articles/s41598-020-77926-x

اقرأ أيضا

«الموز والشربات».. هكذا تحتفل الإسكندرية بالمولد النبوي

 

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر