بعد ثلاث سنوات من طرد سكان العوامات.. المعاناة مستمرة! 

داخل العوامة رقم 77 بمنطقة «الكيت كات»، عاشت الحاجة «إخلاص» صاحبة الـ90 عامًا، التي ولدت في عوامة على النيل عام 1935. لكن الحياة لم تمهلها كثيرا، إذ سرعان ما تحولت حياتها إلى كابوس، عندما تم إجبارها على مغادرة عوامتها في عام 2022، بعد قرار الحكومة بطرد سكان العوامات، لتبدأ فصلا جديدا من حياتها. فصل شاق، ورحلة جديدة دفاعًا عن أخر ما تبقى لها من أمل وحلم. الحلم الذي لا يزال يدفعها حتى الآن لتتبع أي ضوء أو خيط رفيع قد يعيدها لعوامتها مجددا؛ لذلك قررت أن تتحدث إلينا بعد ثلاثة سنوات من إجبارها على الرحيل.

خسارة فادحة

تعيش الحاجة إخلاص حاليًا في شقة مطلة على نيل الزمالك، بعدما أمر الرئيس بتعويضها وتوفير سكن بديل بنظام الإيجار الجديد داخل المنطقة نفسها، عقب صدور قرار إزالة العوامات. فهي أكبر سكان العوامات سنا، ورغم حالتها الصحية، لم تفوت أي مناسبة دون زيارة عوامتها.

تقول: «عندي أمل إن يأتي يوم ويسمح لي بالعودة مرة أخرى إلى العوامة، لذلك أتتبعها دائمًا وأحلم بها عندما لا تسعفني صحتي لزيارتها والاطمئنان عليها. للأسف، خلال السنوات الماضية نُقلت العوامة إلى العديد من الأماكن وهي مستقرة حاليًا ناحية كوبري إمبابة، ومحاطة ببلطجية وخارجين عن القانون. العوامة في السنوات الثلاث الماضية اتبهدلت. في كل زيارة لي كان حالها يتبدل للأسوأ. تم تكسير الزجاج الموجود فيها وسرق اللصوص الألوميتال الموجود داخلها. كانت العوامة أشبه بالقصر. قمت ببيع منزلين لي في منطقة الزمالك لتجهيزها ووضعت داخلها أجمل التحف والأنتيكات لكنني في النهاية خسرت كل حاجة».

الحاجة إخلاص داخل عوامتها قبل أيام من الرحيل.. تصوير: شهاب طارق
الحاجة إخلاص داخل عوامتها قبل أيام من الرحيل.. تصوير: شهاب طارق
مخالفة لقرار الرئيس

تشبه إخلاص عوامتها بـ«شنطة» تُنقل من مكان لآخر، وتعبر عن استيائها من تراجع المسؤولين عن تنفيذ قرار الرئيس بشأن إعفائها من المديونية.

تقول: «الريس جزاه الله خير أعفاني من المديونية، وأمرلي بتوفير شقة بديلة، ورغم الالتزام بتوفير الشقة ودفع إيجارها بشكل دوري، إلا أنه جرى إبلاغي من جانب وزارة الري إن العوامة هتدخل مزاد بسبب المديونية المتأخرة، رغم تأكيدهم في أكثر من مرة عدم وجود أي مديونية على العوامة. لو كنت أعرف، كنت دفعت زي الباقيين، والمبلغ كان حوالي مليون ونصف جنيه.

ذهبت بالفعل لوزارة الري وقلت لهم إنني تم إعفائي من المديونية بناء على توصية اللجنة التي شكلها الرئيس، لكنهم أجابوني أن الغرامة لن يتم حذفها إلا من خلال تقديم مستند رسمي يفيد بقرار الإعفاء؛ وأنا في حقيقة الأمر لم يعطني أحد أي مستند أو صورة من الإجراءات التي تم اتخاذها لصالحي، فقد كانت كل الإجراءات شفهية؛ لذلك ليس أمامي حلًا سوى الدفع حتى لا أفقد ما بقي مني وهي العوامة».

مبررات الطرد

تكمل: «لا أملك سوى الانتظار في الوقت الحالي. أنتظر إن ربنا يسترد أمانته، لكنني أحلم باليوم الذي أعود فيه إلى العوامة. «لم أؤذي أحدًا، أحببت دائمًا الخير للجميع، وراضية باللي يحكم بيه ربنا.. لا أرى أنه من حقي حتى أقول نفسي في إيه.. مش من حقي لأن صحيح العوامة ملك لي لكنني لست حرة في التصرف بها. أنا راضية حتى إني أدفع المديونية اللي بيتكلموا عليها. يا ابني عمري ما كنت أحب المشاكل. وإحنا أصلًا من زمان كنا بنروح وزارة الري علشان ندفع الفلوس اللي علينا لكن فجأة وزارة الري رفضت تاخد مننا الفلوس، وقالوا إن دي تعليمات.

وفجأة ظهرت النية المبيتة بنقل العوامات وطرد سكانها بدعوى إننا مبندفعش. بينما الحقيقة إن وزارة الري رفضت تحصيل أي أموال منا طيلة سنة كاملة حتى تحين لهم الفرصة ويجدوا مبررًا لطردنا من العوامات».

أجمل الذكريات

لم يسلم الإوز الذي كانت تعتني به الحاجة “إخلاص” من مسلسل السرقة والنهب الذي تعرضت له العوامة. فعندما علمت بقرار طرد سكان العوامات، كان شاغلها الأول هو مصير تلك الطيور. تتذكر الآن، بصوت يخيم عليه الحزب، مصير الـ33 إوزة:

«عشت معاهم أجمل الذكريات. تخيل، وهما بيسحبوا العوامة، الإوز والبط فضلوا ماشيين وراها طابور على النيل «والله مطرح ما راحت راحوا». لكن للأسف، الصيادين تعمدوا خبطهم على رؤوسهم كي يصابوا بالدوار ومن ثم اصطيادهم وأكلهم، وللأسف لم يتبق منهم ولا واحدة».

وكانت الحاجة إخلاص محاطة دائمًا بعشرات القطط، حيث عرف عنها إخلاصها الشديد في تربية الحيوانات. وعندما طلب منها مغادرة العوامة، بدأت في البحث عن أماكن لإيواء قططها، وقد تبناها عدد من المهتمين بتربية الحيوانات.

تربية الحيوانات

لكن عندما استقرت داخل بيتها الجديد، قررت مرة أخرى رعاية قطة شارع. تقول: «في الوقت الحالي أقوم برعاية قطة من الشارع، كنت قد رأيتها داخل المنطقة التي أسكن فيها، وعرفت أنها عمياء؛ لذلك قررت رعايتها بعد أن تخلى عنها أصحابها عقب مرض والدتهم. ولأنها عمياء فلم تتحرك من مكانها في الشارع؛ لذلك قررت تبنيها. كانت في الماضي تصطدم بالكراسي والترابيزات داخل المنزل. لكنها الآن تعودت على الشقة وحفظتها، ولم تعد تصطدم بأي شيء».

تختتم الحاجة إخلاص حديثها وتقول: «نفسي أطمئن على العوامة، لأنها شقى عمري، حاليًا أحاول ترخيصها كعوامة سياحية، لأنه السبيل الوحيد لإعادتها، لأنهم يريدون مشروعات سياحية؛ لذلك ليس أمامي سوى تحويلها من سكني لسياحي، وقد تقدمت بالفعل بطلب لوزارة السياحة وأنتظر الموافقة على ذلك».

غياب رفاهية الاختيار

إحدى ساكنات العوامات -رفضت ذكر اسمها-شرحت لنا ما يحدث بعد ثلاث سنوات من المغادرة وقالت: «مازلنا ضائعين. سرعان ما يظهر أمل ونكتشف أنه مجرد سراب. وهكذا الحال طيلة السنوات الأخيرة لازلنا نتخبط. وقد دفعنا الغرامات التي تم إقرارها حتى لا يتم حبسنا أو منعنا من السفر أو الحجز على أموالنا في البنوك. هناك من دفعوا مليون جنيه وحتى 10 ملايين جنيه. الحكومة خدت الغرامات، وفي نفس الوقت تحفظت على العوامات. والآن نحاول ترخيصها كأنشطة سياحية، لأنه الحل الوحيد الذي أمامنا. فنحن ليس بيدنا رفاهية الاختيار».

اقرأ أيضا:

هكذا يودعون عواماتهم: هل أصبح تراث مصر «النيلي» في خطر؟

«ساكنو العوامات يستغيثون»: ماذا يحدث؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.