انفراد| المصور الرسمي السابق للجائزة الأشهر: هكذا تخرج صور نوبل للعالم

أسبوعان على مدار العام يعدان الأكثر إثارة لمحبي العلوم والأدب والاقتصاد، حيث تعلن أسماء الفائزين بجوائز نوبل في مجالاتها الست، وإقامة الاحتفال بعد الإعلان بشهرين في حفل ملكي يضم أبرز الشخصيات حول العالم، ودائما ما يصدر عن هذا الحفل صور مميزة سنويا، يكشف أسرارها لـ«باب مصر» المصور ألكسندر محمود السويدي من أصول مصرية، الذي عمل بمؤسسة نوبل على مدار الأعوام الثمانية الماضية.

أسرار صور نوبل

يروي ألكسندر محمود، المصور السابق في مؤسسة «نوبل» منذ عام 2012 حتى عام 2019، تفاصيل تغطية لحظة إعلان النتائج والحفلات وخروج الصور للنور، ويقول: “العمل في مؤسسة نوبل صارم للغاية”.. لكنه ما زال يتذكر مدى السعادة الذي كان يشعر بها أثناء العمل مع جميع الزملاء، كان ألكسندر في البداية مسؤولا عن تصوير الحفل أو المأدبة، ولكن بمرور الأعوام حاول الوصول إلى المزيد من الصور واللقطات التي لن يوثقها غيره.

ويصف الفائزين بأنهم كانوا ملهمين لكل الحضور، أما لحظة تكريمهم «كانوا سعداء بشكل لا يوصف» كما قال ألكسندر، ويستكمل: “أتذكر كيف استرخ جميع الحائزين على الجائزة خلال التكريم.. كانوا سعداء لأن العلم أو السلام أو الأدب أو الاقتصاد.. مجالات هامة للبشرية ومصدر فخر لأصحابها»، لهذا أراد إيجاد المزيد من مشاهد الحياة اليومية للفائزين، بدأ في إعادة توثيق الصور الرسمية التي تم التقاطها منذ عام 1901، والصورة الوحيدة التي لم يلتقطها هي بوب ديلان وعدد قليل من الحائزين على جائزة السلام.

مدة تصوير وتوثيق أحداث نوبل في مؤسسة جائزة نوبل، تستمر لمدة أسبوعين فقط في العام، الأول في أكتوبر خلال إعلان أسماء الفائزين، والآخر في ديسمبر في أسبوع الحفل. حيث يرافق المصور الفائزين في كل مكان، وللترويج المسبق عن حفل توزيع الجوائز، قدمت المؤسسة فيلم «الزوجة» المستوحى من جائزة نوبل ولحظة إخبار الفائز بحصوله على الجائزة عبر الهاتف، ويقول ألكسندر: “حسنًا في هذا الفيلم يوجد مصور واحد لكل فائز.. وكان ألكسندر المصور المسؤول عن تصوير 15 فائزا خلال الفترة بين عامي 2018 -2019، وعملت صديقتي معي كمصورة، كنا فريق مكون من شخصين أو ثلاثة لكنني أقوم بالعمل الرئيسي”.

في أكتوبر، عادة ما يعمل على التصوير في ستوكهولم، حيث الكثير من البرامج المدرسية مع الفائزين السابقين والمحاضرات وما إلى ذلك، لكن شهر ديسمبر هو أسبوع العمل بالنسبة للمصور، ويقول ألكسندر لـ«باب مصر»: “يصل الفائزون بالجائزة يوم 5 ديسمبر ويبدأون بتجربة الزي الرسمي الذى سيرتدونه، ويبقون حتى 12 ديسمبر، وهذا هو الحدث المهم لأن أسبوعهم الملئ بالتوتر قد انتهى، ثم يلتقون بعد ذلك جميعا في مكتب نوبل للاحتفال الشخصي معا”.

18 ساعة عمل

يعمل ألكسندر خلال أسبوع ديسمبر على مدار الساعة ولكن في العاشر من ديسمبر تصل عدد ساعات عمله إلى 18 ساعة ونصف عمل يوميا، ولكنه يصفها بأنها “لحظات لن تنسى كل دقيقة فيها مثيرة”، وفي اليوم التالي عادة ما يبدأ في التقاط الصور الرسمية، لهذا يحتاج إلى وضع جدول زمني دقيق للغاية للفترة من 5 إلى 13 ديسمبر.

وخلال هذه الفترة يكوّن علاقات شخصية مع الفائزين، الذين أحيانا يتصلوا به ويسألوه عما إذا كان بإمكانهم قضاء بعض الوقت في متحف أو نزهة أو المشي والتصوير خارج الإطار الرسمي، ويسترجع ألكسندر موقف طريف، كان قد حضر فائز إلى الحفل ومعه 15 من الأطفال والأحفاد. وذهب ألكسندر معهم لتصويرهم خارج إطار التكريم الرسمي، وعادة ما يمكث الفائزين في فندق «جراند» القديم ذو الطراز العصري في ستوكهولم، وخلال إقامتهم على مدار الأسبوع يمكث ألكسندر في سيارته لمتابعة مهمته في التصوير أي وقت، خاصة أن الفائزين بجائزة نوبل عادة ما يجلبوا معهم الكثير من أفراد العائلة كإجازة في أسبوع ديسمبر.

على مدار الأسبوع يظهر ألكسندر وفريق التصوير مرتدين زي مصور كلاسيكي، ودائما ما يرتدي البدلة لهذا العمل فقط، ويتطلب العمل كمصور في مؤسسة نوبل الكثير من المقومات أبرزها: الممارسة المستمرة، ويقول لـ«باب مصر»: “أطور مهاراتي من خلال الكثير من الممارسة، مهمتنا شاقة للغاية، لأنها تقنية وإبداعية وجسدية وعاطفية واجتماعية، وأفضل طريقة هي التصوير كل يوم ولا يهم نوع أو جودة الكاميرا”.

العمل في مؤسسة نوبل لا يقتصر على جنسية أو هوية ما “لم يمانعوا عملي لأني مسلم ومن أصول مصرية على سبيل المثال”، بل تحتاج أن يكون الشخص مرنا جدا ومتزنا خلال مقابلة الأشخاص، حيث يأتون من كل البلاد والجنسيات والثقافات.

استقالة مبكرة

قدم المصور صاحب الثلاثين عاما استقالته برغبته الشخصية من العمل في مؤسسة نوبل في الأول من يناير 2020، ويقول: “من الصعب التخلي عن زملائي الذين أحبهم وهذا المكان الجميل، ولكن أود أن أصبح مستقلا ولسوء الحظ لن تقام حفلة توزيع جوائز نوبل هذا العام بسبب كورونا”، وجاء قراره بالاستقالة ليتفرغ للعمل على مشروعه الخاص وهو القصص المصورة والتغطية لأحداث هامة ومتنوعة، “لكن من يدري قد أعود إلى نوبل في المستقبل!”.

يعمل ألكسندر حاليا في مجال التصوير بدوام كامل منذ يناير الماضي، وتتحدث قصصه الرئيسية عن الهجرة، لكن في الوقت الحالي، قضى أسبوعين إجازة للذهاب إلى «ليسبوس» ليحقق هدفه وهو كتابة كتاب عن مخيم «موريا» للاجئين الذي احترق في الثامن من سبتمبر الماضي، وكان قد زار المخيم خمس مرات سابقة على مدار السنوات الماضية، للعمل على كتابه لتوثيق أوضاعهم بالتعاون مع صوفي كيلاندر المتطوعة في المخيم.

أصول مصرية

يروي ذكرياته باعتباره الوحيد من أصول مصرية في فريق التصوير، بأنه ولد في عام 1990 في قرية «جريمسولف» الصغيرة جنوب السويد، لأم سويدية وأب مصري، والده من مواليد عام 1948 في منطقة عين شمس بالقاهرة، نشأ مع أم عزباء كان لديها مطعما صغيرا به 12 مقعدا فقط، كان والده محمود هو الابن البكر مما دفعه لتولي المسؤولية وعمل في هذا المطعم منذ سن صغير جدًا، وفي وقت الفراغ كان يقضي أمسياته في ورش عمل مسرحية وما إلى ذلك، ولكن في عام 1975 قرر مغادرة مصر وبدأ العمل في لبنان ومنها اليونان في صناعة الطوب من الطين.

سئم الأب من هذه المهنة بسرعة كبيرة، وقفز في قارب تجاري كان يجوب العالم عمل على متنه طاهي، واشترى كاميرا في أوساكا باليابان عام 1976، ما زال ألكسندر يحتفظ بها حتى الآن، وعمل لمدة عام واحد تقريبا. ثم جاء بعد ذلك إلى مالمو بالسويد وأحب البلاد، لذلك قرر البقاء هناك وتقدم بطلب للحصول على تأشيرة عمل، وفي عام 1978 التقى بوالدة ألكسندر.

كان الأب محمود يبلغ حينها 30 عاما، وهي 19 عاما من سلوفينيا، وكانت قد أتت إلى السويد عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها للعمل وجمع الأموال للأسرة، عملت في ثلاث وظائف في نفس الوقت، قامت بتنظيف وكالة سيارات مرسيدس بنز، في المستشفيات وعملت أيضًا كغسالة أطباق، وكان الأب يعمل طاهيا في المطعم نفسه، وقد التقيا ووقعا في الحب، تزوجا لمدة 23 عامًا حتى وفاته عام 2001.

كان لديهم 4 أطفال، كبروا على اقتناع أن العمل مهم جدا، تدبروا أمورهم منذ الصغر، وتولى ألكسندر مهمة العمل في مطعم والده وكان عمره 11 عاما فقط، أما الشقيقتان الكبيرتان لألكسندر تعملان معالجتان ترفيهيتان وإحداهما تدير مطعما أيضا، والأخ الأصغر يدير مقهى، أقاموا جميعهم في”سمولاند” المنزل السابق لأستريد ليندجرين مؤسس شركة «آيكيا»، ثم انتقلوا إلى ستوكهولم عدما كان عمره 20 عاما.

هوية مفقودة

لم يتعلم ألكسندر اللغة العربية قراءة أو كتابة، ويقول لـ«باب مصر»: “لم يكن لدي أنا وأمي الوقت ولا الطاقة لتعليمنا اللغات.. لأننا مهاجرين في السويد كان يتوجب علينا العمل بجد.. لطالما شعرت بالحزن لعدم تمكني من التحدث باللغة العربية أو السلوفينية.. لكنني تعلمت مؤخرًا كيفية القراءة والكتابة وقمت بطهي الطعمية لأول مرة قبل بضعة أسابيع”.

الأب محمود كان طاهيا للطعام السويدي وحصل بعض الجوائز في عام 2000، لذلك كان عليهما التخلي عن ثقافتهما للتكيف مع هذا المجتمع الجديد، ويقول ألسكندر: “وهو أمر محزن للغاية”، لذلك كان مقدرا لألكسندر أن يكون طاهيا، ولكن عندما كان عمره سبعة عشر عاما، حمل الكاميرا ووقع في حبها، تخيل أن كل شئ يصوره سيصبح ذكرى.

من الطهي للتصوير

درس ألكسندر الإعلام في المدرسة الثانوية لكن ترك المدرسة للخروج والتقاط الصور، وبعدها بعام حصل على وظيفة في إحدى الصحف المحلية، ولم يكن قد قرأ صحيفة يومية من قبل، واندهش من طبيعة هذا العمل، وكان يحصل على رسوم رمزية مقابل ما ينشره، وكانت قصته المصورة الأولى هي «6 خرافات عن الجنس»، خرج للغابة وقدم القصة المصورة مثل آدم وحواء.

كانت هذه القصة المصورة سبب النجاح التالي الذي حققه، فقد دعمه رئيسه في العمل، وازداد الأجر ثم التحق للعمل في وكالة “دي إن” السويدية، وبعدها انتقل إلى ستوكهولم، وفي عام 2012 كان عمره حينها 22 عاما، كانت مؤسسة «نوبل» تبحث عن مصور جديد وقد تقدم ألكسندر بطلب وحصل على الوظيفة كمصور رسمي ضمن فريق المؤسسة.

إعلان فيلم الزوجة.. ألكسندر محمود من فريق التصوير من هنا

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر