«القاهرة السينمائية»: تاريخ تحولات المدينة وغزو الحداثة بأعين السينما

في كتاب “cinematic cairo – egyptian modernity from reel to real – القاهرة السينمائية – الحداثة المصرية من شريط السينما إلى الواقع”، يرصد د. نزار الصياد ود. هبة صفي الدين ومجموعة من الباحثين المهتمين بالعمران والتخطيط، العلاقة بين السينما والمدينة، تحديدا القاهرة، ارتديا نظارة المؤرخ والمعماري عند مشاهدة الفيلم لخلق طريقة جديدة للتعرف على العمارة ومن خلال السينما.

أقيم حفل إطلاق ومناقشة الكتاب، بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، بالتعاون مع مركز التحرير الثقافي بالجامعة الأمريكية، ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

المدينة والسينما

ويعد “القاهرة السينمائية” ثمرة تعاون مشترك بين محرري الكتاب د.نزار الصياد، الأستاذ الفخري في الهندسة المعمارية والتخطيط والتاريخ الحضري، جامعة كاليفورنيا في بيركلي، الولايات المتحدة الأمريكية، ود. هبة صفي الدين، أستاذ العمارة بجامعة مصر الدولية بالقاهرة.

ترجع بداية التعارف بينهما إلى عام 2018، حين دعته د. هبة صفي الدين لمناقشة كتابه “المدن السينمائية من الشاشة إلى الواقع”، والذي يعد نواة فكرة الكتاب الحالي. سؤال بسيط من نجل صديقه الذي لا يتجاوز عمره خمسة أعوام، كان سببا لدراسات مستمرة أعمق، وسأله الطفل خلال وجوده على كوبري “بروكلين”: “أين تمثال الحرية!”.

ردد الطفل سؤاله أكثر من مرة بإصرار، لكن تجاهله لأنه يبعد عن الكوبري بمسافة تزيد عن 4 كم، ليتفاجأ د. نزار بعد عودته لمنزل صديقه أن الطفل يعرض عليه مرجعيته للربط بين المكانين وهو فيلم هندي شهير “كال هو نا هو” للممثل شاه روخ خان.

فيلم كال هو نا هو الهندي - خلال مناقشة فيلم القاهرة السينمائية
فيلم كال هو نا هو الهندي – خلال مناقشة فيلم القاهرة السينمائية

وطرح سؤال الطفل تساؤلات عديدة في ذهن د. نزار وهي : “ما هي المرجعية التي يفهم من خلالها المرء الأشياء، الطفل اقتنع بوجود شيئا ما في الواقع لمجرد رؤيته على الشاشة”.

ومن هنا انطلق في رحلة بحثه لتوثيق العلاقة بين السينما والواقع وتاريخ الحداثة، بدءا بمدن نيويورك وأخرى أوروبية في الكتاب الأول وصولا بشكل متخصص لدراستها في القاهرة فقط.

القاهرة السينمائية

ويقول د. نزار الصياد عن “القاهرة السينمائية”: “كنت دائما مولعا بالسينما واهتمامي بالسينما كمؤرخ عمراني ومهندس معماري تمثل بأشكال مختلفة. وبعد حديثي قبل سنوات مع د. هبة صفي الدين تناقشنا مع مجموعة من الشباب المهتمين بالأمر نفسه وشكلنا مجموعة القاهرة السينمائية”.

مناقشة كتاب القاهرة السينمائية بالجامعة الأمريكية
مناقشة كتاب القاهرة السينمائية بالجامعة الأمريكية

تعمد د. نزار طرح فكرة تخيلية عن اختفاء مدن مثل نيويورك أو لوس أنجلوس. ولم يعد متبقيا عنها إلا الشرائط السينمائية وأفلام المخرجين المشهورين، “كيف يمكن لنا أن نتخيل المدن لو اختفى هذا الدليل الوحيد، وكيف يمكن أن نكتب تاريخ المدن باستخدام هذه الشرائط كأنها مادة خام للتاريخ نفسه!”.

بالحديث عن العلاقة بين السينما والمدينة فهي وثيقة تزيد عن قرن من الزمن، ويمكن استخدامها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط الافتراضية والمحاكاة ومنها السينما والوسائل الاجتماعية.

ويستخدم الكتاب المنطق نفسه، واستشهد الصياد بمقولة للفيلسوف الفرنسي “جان بودريار” الذي قال: “المدينة وثبت إلينا من شاشة السينما ولم تعد الشاشة هي ما تفصل ما بين الخيال والواقع. فبداية سرد التاريخ الحديث تبدأ من الشاشة وتخرج إلى المدينة”.

السينما والعمران

واستند كتاب “القاهرة السينمائية” على قناعة أننا نعيش في عصر العولمة الذي تحكمه تقنيات التكنولوجيا.

لا يُصنف الكتاب بأنه عن القاهرة أو السينما، لكنه على حد وصفه كتاب الفراغ بين هذه المناطق والعلاقة بينها. ويعد الكتاب تجربة فريدة لأنه يقدم دراسة بينية بين مجالين لا يظن أنه بينهم ترابط وهي السينما والعمران. ويتناول الكتاب تاريخ الحداثة والتغييرات التي حدثت في حياة القاهريين أو بمعنى أدق الحداثة الحضارية وظواهرها المختلفة.

ويقول د. نزار الصياد: “يعد كتابا عن التلاقي بين هذه المناطق والعلاقة بينها، وتاريخ الحداثة وما المقصود بها، والحداثة الحضاية وممارساتها المختلفة. كما تخيلها القاهريين بالإضافة إلى بعض النظريات المواكبة للكتاب”.

الاستيعاب البصري

لا يعتبر د.نزار كل ما هو موجود على شريط السينما خيالا بل في بعض الأحيان يعد توثيقا لأشياء موجودة. كذلك لا يعد كل ما هو موجود في المدينة واقع بل في بعض الأحيان تخيلات عن المدينة مثلما نعيشها وهي ليست مادية. ويعتبر الأمر وجهان لنفس العملة والمقصود بها “الاستيعاب البصري” و”المعايشة المادية”.

على الرغم من أن فصول الكتاب تتعامل مع بعض السمات العمرانية للمدينة الحقيقية. إلا أن التركيز يظل على فهم العلاقة بين الصورة والواقع في رسم خريطة تحول المدينة إلى الحداثة الحضارية. ويعكس الكتاب تحليل القاهرة الظاهرة في الأفلام على مدار العقود المختلفة ويقترح بعض المشاركين في المشروع طرق جديدة للمشاهدة وتتبع حداثة المدينة التي تنبثق من تحليل الفراغ السينمائي.

أما منهجية البحث، ومنها سبب اختيار الأفلام لأنه حال استخدام أفلام أخرى كانت تؤدي إلى نتائج مختلفة، ولكن باستخدام هذه الأفلام توصل محرروا الكتاب إلى هذه النتائج.

صناعة السينما المصرية

تاريخ السينما المصرية غني بالعديد من الأفلام، خاصة أن صناعة السينما المصرية واحدة من أقدم صناعات السينما في العالم. وظلت ناشطة خلال القرن العشرين بالكامل، وأول فيلم من إنتاج وإخراج مصري في 1921.

لم تكن السينما المصرية أداة ترفيهية فقط بل هي الطريقة التي وثقت وعكست التفاعل البشري في المدينة بطريقة لم تستطع الوسائل الأخرى توثيقها مثل الإذاعة وفن الرسم أو حتى التصوير الفوتوغرافي أن يحققها.

وربما تكون صورة المدينة موجودة في التليفزيون والأفلام هي المجال الذي يسمح للجميع في كل مكان أن يدركوها ويحسوا بها وكأنه يعيشون فيها رغم أنهم لم يزوروها على الإطلاق.

تغييرات الحداثة في القاهرة 

يتضمن الكتاب جزأين، كل جزء مكون من 7 فصول. يتناول الجزء الأول الفترة من نهاية العشرينات حتى عام 2020 مرتبة ترتيبا زمنيا. أما الجزء الثاني عن تغييرات الحداثة في القاهرة السينمائية منذ 1929 لـ2020 من خلال تحليل 3 عناصر للحداثة تظهر في معظم هذه الأفلام.

كانت المدينة دائما جزء أساسي لا يتجزأ من مشروع الحداثة في القرن العشرين. وهناك الكثير من التعريفات عن الحداثة، والكثير منها متدارك لكننا نستخدم تعريف مركب عن الحداثة بالذات في هذا الكتاب. على أنها تجربة متغيرة باستمرار تنتج عن المواجهة في المدينة بين أناس من ثقافات وديانات وعرقيات وجنسيات وطبقات اجتماعية مختلفة مختلفة بما في ذلك المستعمِر والمستعمَر بكل اختلافتهم المعرفية.

وتعتبر السينما من نتائج الحداثة ولذا هي وسيلة جيدة لاستجواب الحداثة. وقد لازم تطور السينما المصرية مدينة القاهرة نفسها كما لازم تطور القاهرة السينما لذلك أصبحت العلاقة بينهما متقاربة. وأصبحت صورة القاهرة في الشريط السينمائي موازية ولكنها ليست متطابقة لنظيرتها الحقيقية.

ويوضح: “نعتقد أن توظيف هذه الفكرة في الكتاب أعطانا الكثير عن التنظير للتمثيل العمراني للقاهرة الحديثة بطريقة تمحي الفاصل بين الواقع والصورة”.

القاهرة البرجوازية

“القاهرة البرجوازية” كان الاسم الذي اختاره المهندس أمير سعد لتوثيق فترة العشرينات وبداية الثلاثينات في القرن العشرين. وتقول د. هبة صفي الدين: “بما أن هذه الأفلام لتقديم فكرة كتاب فقط، استهدف أمير سعد تعريف الشعور بالمكان وعلى وجه الخصوص التناقض الناشئ بين حداثة الجزء الغريب من المدينة بأجزاءه البرجوازية”.

بالإضافة إلى الأجزاء الشرقية الأكثر تقليدية، وفي هذا الفصل يتضح من التحليل كيف غيرت الحداثة الشخصية والمكانة الاجتماعية سلوك الطبقة الوسطى.

وتابعت د. هبة صفي الدين: “كان الصراع بين الطبقات وجه ثاني من أوجه الأحداث التي تم تمثيلها في الفضاء السينمائي وهذه الصراعات لم تتعلق فقط بالمصالح الشخصية. لكنها كانت أيضا وسيلة لمقاومة التغييرات التي جاءت بها الحداثة”.

وفي هذا الفصل يتضح الفرق بين المتطلعين للتطور والرافضين له في كل الطبقات. ويقترح أنه مع المنافسة حدث اشتعال ومواجهات وصراعات فردية، بالإضافة إلى غزو الهشاشة الاجتماعية لتحل محل التضامن الاجتماعي التقليدي المعروف في مجتمعنا.

وأظهرت الأفلام أن التحول إلى البرجوازية الحديثة منح رجال الطبقة الوسطى فرص للحراك الاقتصادي وصعود السلم الاجتماعي. وعلى الرغم من أن هذا الأمر كان يتحقق من خلال الشراكة مع نخب الطبقة العليا مثل أفلام «ياقوت» و«الوردة البيضاء».

فيلم قصر الشوق - خلال مناقشة القاهرة السيمائية
فيلم قصر الشوق – خلال مناقشة القاهرة السيمائية
قاهرة نجيب محفوظ

تعاون الدكتور نزار والدكتور محمد سلامة أستاذ التاريخ المقارن في جامعة سان فرانسيسكو. لدراسة الفترة من الثلاثينات للأربعينات، من خلال تحليل “قاهرة نجيب محفوظ” كما تظهر في الأفلام.

وتضمنت دراسة هذه المرحلة 6 أفلام من روايات نجيب محفوظ التي تحولت إلى أفلام. وتتسم جميعها أنها من إخراج الراحل حسن الإمام. وتظهر الأفلام التحول على مدار الفترة الأولى من القرن العشرين، تحديدا منذ ثورة 1919 حتى عام 1950.

وتحدث عن دراسة الثلاثية، فيلم القصرين (1964)، وفيلم قصر الشوق (1967)، وفيلم السكرية (1969)، والأفلام الثلاثة تصف حياة عائلة تاجر من الطبقة المتوسطة في المدينة القديمة. وتظهر الأفلام الطبيعة المتغيرة للتجارة والترفيه في ظل الحكم الاستعماري طوال فترة النضال من أجل الاستقلال.

ويتناول الفيلم مشاهد البيوت الكبيرة وعائلات التجار مثل عائلة السيد أحمد عبدالجواد، والذي أدى لانتشار مصطلح “سي السيد” تعبيرا عن التسلط الذكوري في المجتمع، بل وتم استخدامه في 7 أغاني لاحقا.

كذلك تجسد الأفلام الثلاثة فكرة الاستقلال وسطوة التقاليد والديكتاتورية الذكورية، والوضع المتغير للمرأة في المجتمع وهي تغييرات يمكن رؤيتها بوضوح في الاختلاف بين الفيلم الأول “بين القصرين”، و”السكرية”.

وفي القاهرة السينمائية، تختلف قاهرة محفوظ الروائية وتبين الأفلام الذات في تأرجحها بين التقاليد والحداثة والعمل والفكر، وبيوت الدعارة وبيوت العبادة، ويضيف: “نتعرف من خلالها على الصوفي والزاهد والفاسق واليائس والطيب والشرير.. كلهم في مدينة الألف مئذنة”.

وفي فيلم “زقاق المدق” نرى رسم الشخصية الاجتماعية وهي تسقط في هاوية العدمية، كما اقتبسها حسن الإمام.

ويستكمل: “قد يكون من أهم مشاهد الحداثة ما يحدث في القهوة وهو عازف الربابة أو الحكواتي والذي يطرده صاحب المقهى ويستبدل صوته الأصيل بالراديو وهنا نرى الحداثة تدخل الحي”.

تحول القاهرة للحداثة

تطرق د. نزار والمهندسة دعاء الأمير في فصل آخر لتحليل العلاقة بين الأحياء الممثلة للطبقات الاجتماعية في القاهرة السينمائية خلال الفترة من عام 1940 حتى عام 1950.

واستخدما فيلمي «لو كنت غني» و«القلب له أحكام» إنتاج عام 1956، والفرق بينهما ورصدا تحول مجتمع القاهرة للحداثة. والتأثيرات والتغييرات الاجتماعية على المدينة في وقت التغير السياسي والوطني الكبير بين الحقبة الملكية والثورة التي أدت إلى إعلان جمهورية مصر العربية.

فيلم لو كنت غني - خلال مناقشة كتاب القاهرة السينمائية
فيلم لو كنت غني – خلال مناقشة كتاب القاهرة السينمائية

وتظهر في هذه الأفلام، تأثير حركة الضباط الأحرار في خلق مواجهة بين الطبقات الاجتماعية مما أدى إلى تغير الحياة في المدينة والتحديات التي واجهها الأفراد إذا زادت الطموحات التي جلبت ظروف جديدة للطبقات.

لكن كانت هذه الظروف مليئة بالتناقضات، ويضيف: “بعد الحركة الثورية نجد الأغنياء الجدد في قصرهم ليحتمون من التغييرات الاجتماعية لكن البطلة الفقيرة في القلب له أحكام وهي فاتن حمامة ما زالت تتطلع للخروج من حالة الفقر على الرغم من حصولها على تعليم عالي من خلال الزواج من شخص من الطبقة الغنية”.

تحول القاهرة بعد 1967

كان اختيار فيلم «ثرثرة فوق النيل» لنجيب محفوظ وإخراج حسين كمال، لرصد الحالة المزاجية الحزينة في القاهرة بعد هزيمة 1967 خلال نهاية الستينات وبداية السبعينات. وجسد الفيلم المشاعر والتفاعلات المختلفة بين مجموعة من الناس في مختلف الطبقات في ظل النظام الاشتراكي.

ويضيف: “ويظهر بعض أشكال الحداثة مثل: اختلاط الجنسين واللامبالاة كما يرويها “أنيس” الموظف الساخط وفيلسوف الفيلم. ويتركنا الفيلم في حالة انزعاج ويجبرنا على التساؤل هل هي حالة طارئة أم عابرة أم دائمة”.

بيروقراطية الحداثة

البيروقراطية في عين السينما كان اختيار المهندس أحمد حمدي عبدالعظيم، لتحليل ورصد لتحولات خلال مرحلة الثمانينات. واستخدم الفصل لتحليل أثر الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية والهجرة من الريف للقاهرة من خلال فيلم “الحب فوق هضبة الهرم”.

ورصد عملية تشكيل بنية احتماعية جديدة وهي طبقة جديدة من الأثرياء الجدد. وتضيف د. هبة: “ذلك بعد إعادة هيكلة الاقتصاد بسبب سياسات الانفتاح ويظهر إجبار الظروف المعيشية السيئة للبحث عن عمل في دول الخليج المزدهرة اقتصاديا. مما أدى إلى تحول ديموغرافي جديد في تحولات القاهرة بعد ثورة 1952، مما أدى إلى أزمة سكان كبيرة للطبقة المتوسطة”.

فيلما خرج ولم يعد وهنا القاهرة - خلال مناقشة كتاب القاهرة السينمائية.
فيلما خرج ولم يعد وهنا القاهرة – خلال مناقشة كتاب القاهرة السينمائية.

ومن خلال فيلمي “خرج ولم يعد” و”هنا القاهرة” رصدت المهندسة تيسير خيري، الحياة المرهقة في المدينة، والتي تظهر في الفيلمين بشكل مشوه. ويرجع السبب إلى تبني الاقتصاد الليبرالي الجديد الخالي من أي وسائل راحة.

بالإضافة إلى أنه خالي من أي مميزات للحضر والعمران. وتقول صفي الدين: “نرى أن حداثة القاهرة تأثرت ببيروقراطية الدولة وزيادة السكان مما أدى إلى مشاكل نفسية، وأصبح الحل المتبقى إما الهرب للريف أو للخارج”.

من أحياء الأثرياء للعشوائيات

كان فيلم “يوم مر ويوم حلو” اختيار شيرين سليمان ود. هبة صفي الدين لرصد واقع أواخر الثمانينات. وحاولوا من خلال هذا الفيلم محاولة الاقتراب من واقع الأسر الفقيرة خاصة في شبرا، التي أُنشئت في عصر محمد علي واجتذبت الطبقة العليا والمتوسطة.

وبتطور الأحداث، تتحول شبرا تدريجيا إلى منطقة شعبية، بل وأصبحت واحدة من أكثر الأحياء اكتظاظا بالسكان.

وتقول صفي الدين: “طوال الفيلم نرى شباك البيت المفتوح على الحارة. ليؤكد على التواصل بين الحارة والبيت، والتأكيد على التكافل الاجتماعي في طقوس كثيرة، ومعظم المشاهد صورها خيري بشارة في شبرا في أماكنها الحقيقية للدلالة على تحولها لعشوائية”.

واقعية الحداثة إلى سريالية الحداثة

في هذا الفصل تناولت الباحثة فكرة سواق الأتوبيس خلال فترة التسعينات. وتظهر ظروف القاهرة المتغيرة منذ أواخر الثمانينات حتى بداية القرن 21.

وسلطت الضوء في هذا الجزء على منظور السائق سواء السيارة أو الأتوبيس أو الميكروباص، ورؤية المدينة من خلف عجلة القيادة.

واستخدمت فيلمي “سواق الأتوبيس” و”عفاريت الأسفلت”، لإظهار تغييرات المدينة وشعور السكان بالضياع. وحاولت هذه الأفلام تجسيد الصراع الأخلاقي ما بين الالتزام إلى بدايات السلوك المنحرف وفقا لسياسات الانفتاح التي طُبقت.

خلال مناقشة كتاب القاهرة السينمائية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
خلال مناقشة كتاب القاهرة السينمائية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
 وضع المرأة وممارسات التدين

بالانتقال إلى الجزء الثاني من الكتاب، يتتبع الباحثون فيه تحول المدينة السينمائية في ظل النظام الاقتصادي الجديد في منتصف القرن العشرين إلى العقدين الأولين في القرن الحادي والعشرين وواقع التغييرات في المدينة نفسها.

واختار الباحثون 3 تغييرات هي الاقتصادية والاجتماعية وشكل العمران. بالإضافة إلى تغير وضع المرأة وحقها في المدينة، وثالثا ممارسات التدين في فراغات المدينة.

وعلى سبيل المثال تظهر الأفلام المُقتبسة من روايات محفوظ فترات مصر في القرن العشرين والتي كُتبت في أوقات مختلفة ترصد التحولات الرئيسية في أحياء القاهرة.

خلال مناقشة كتاب القاهرة السينمائية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
خلال مناقشة كتاب القاهرة السينمائية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

ومن بينها، مشهد جلوس السيد أحمد عبدالجواد أمام الطبلية وكل العائلة لا تأكل قبل الانتهاء من الطعام والسيدات لا يجلسن بجواره. وبتتبع هذا المشهد والمواقف في روايات محفوظ نجد أن الوضع اختلف تماما ويفقد “سي السيد” جزءا- من هذه السطوة.

والسينما هنا تحول الهويات في نص محفوظ الأدبي إلى صور متحركة متفاعلة على الشاشة. وهذه الهويات ليست في حد ذاتها تجسيدا للكتلة العمرانية التي نسميها القاهرة بقدر ما نسميها بالأحرى نسيج من الانطباعات السينمائية عن تاريخ سعى من المؤلف والمخرج لتمثيلها.

وكان استخدام القاهرة الفاطمية موقعا للأفلام مناسبا لهدفين. الأول أنه سمح للمدينة القديمة بأن تكون نموذجا مصغرا للمدينة بأكملها.

والهدف الثاني أنه على الرغم من تصوير أجزاء بعض الأفلام الثلاثة في الاستوديو، إلا أنها ما زالت تشكل وثيقة تاريخية لعمران القاهرة نفسها والمدينة السينمائية في مخيلة صانعي الأفلام.

اقرأ أيضا

«سياحة المقابر»: كيف استفادت بلاد من تحويل جبانات الموتى إلى مزارات؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر