الفلاح الفصيح وأقدم برديات الطب في الفيوم

ذلك الذي يجب عليه أن يحكم بمقتضى القانون يأمر بالسرقة، فمن ذا الذي يكبح الباطل“، هذا ما قاله الفلاح الفصيح الذي كان يسكن في مدينة النطرون بالفيوم في شكواه التي تعود إلى عهد الملك “نب كاورع”، وحملت إلينا تفاصيلها برديات شكاوى الفلاح الفصيح، والعديد من البرديات التي وجدت في الفيوم وتشرح ما كان عليه الوضع قديما.

برديات الفلاح الفصيح

يذكر سليم حسن في الجزء الثاني من “موسوعة مصر القديمة”، أن من أشهر البرديات تلك البرديات التي أطلق عليها شكاوى الفلاح الفصيح “خن- أنوب”، والتي يرجع تاريخ كتابتها إلى عهد الدولة الوسطى، وكانت مثال للفصاحة حيث احتوت على تعابير أدبية غاية في البلاغة والفصاحة ورشاقة الأسلوب، ووصل عددها إلى تسع شكاوى صورت الظلم الذي تعرض له شخص بسيط، في أسلوب رائع فصيح، وقد اعتبر بعض المؤرخين أن تلك البرديات توضح حالة الازدهار التي عاشها الأدب المصري القديم.

البرديات الطبية بردية كاهون

اكتشفت برديات كاهون في منطقة اللاهون بالفيوم على يد “سير ويليام ماثيو فليندرز بتري” في عام 1889، وكشف عن أنها كتبت منذ 1800 عام قبل الميلاد وهي من أقدم البرديات في الطب، وتم الاحتفاظ بها منذ اكتشافها في جامعة لندن وهي عبارة عن مجموعة من أكبر البرديات التي عثر عليها ويرجع تاريخها للعام التاسع والعشرين من حكم الملك أمنمحات الثالث.

وتعتبر بردية كاهون بردية طبية خاصة بأمراض النساء مقسمة إلى 34 جزء أو فقرة، وهي مكتوبة باللغة الهيروغليفية، وبها فقرات تتحدث عن الأمراض التي تصيب الجهاز التناسلي للمرأة، كما توجد بها هناك فقرات تتناول السيدات التي أوشكت على الوضع، وتناولت البردية كيفة معرفة الحمل، حيث ذكرت أن احتقان أوردة الثدي الدموية دليل على حدوث الحمل، وإنه يمكن اكتشاف الحمل من خلال وضع بصلة في مهبل المرأة فإن انبعثت رائحة البصل من الأنف كان ذلك دليل على حدوث الحمل.

وتناولت بردية كاهون أيضًا أقدم وسيلة من وسائل لمنع الحمل من خلال نوعين من اللبوس المهبلي أحدهما يحتوي على براز التمساح، والأخر يحتوي على العسل واللبن الرايب، وذكرت فقرة في البردية وسيلة لحدوث الحمل من خلال التبخير، كما تناولت البردية علاج بعض الأمراض التي تصيب المرأة الحامل مثل علاج آلام الأسنان، ووصف علاج لحالة سيدة كانت مصابة بالناصور وسلس البول.

أم البريجات وثلاثين ألف بردية

يقول سيد عوض، مفتش الآثار بمنطقة الفيوم، إن منطقة أم البريجات كانت من أكثر الأماكن التي عثر فيها على البرديات، حيث وصل عدد ما تم العثور عليه وتحديدًا في عام 1900 بعد ثلاثة أشهر فقط من التنقيب والبحث أكثر من 30 ألف بردية، لكن ما تم نشره لا يتعدى الـ1200 بردية فقط.

ويشير عوض إلى أن بعثة فرنسية إيطالية مشتركة تعمل منذ عام 1988 في منطقة أم البريجات، عثرت على العديد من القطع الأثرية منذ بداية عملها وعرضت البعثة خلال الشهور القليلة الماضية في معرض خاص ما كشفته ما آثار  وبرديات، وتم حفظ تلك القطع الأثرية والبرديات بمخازن وزارة الآثار.

ويتابع عوض هناك العديد من البرديات التي تم العثور عليها تعرض الآن بالمتحف الروماني اليوناني بمدينة الإسكندرية، وسيكون هناك مكان مخصص لتلك المجموعة المكتشفة في المتحف المصري الجديد.

لغات مختلفة وعقود زواج

كانت البرديات التي عثر عليها بالفيوم وتحديدًا منطقة أم البريجات مكتوبة بلغات مختلفة، فمنها اللغة اليونانية واللغة الهيراطيقية، واللغة الديموطيقية، واللغة القبطية، واللغة العربية، أما عن البرديات فكانت عبارة عقود منازل أو عقود إيجار منازل، أما عقود ضمان السجين فقد اشتهرت بها مدينة كيمان فارس.

برديات يونانية

يشير الدكتور عبدالرحيم الجمل، الأستاذ بكلية الدراسات العربية بجامعة الفيوم ومؤلف كتاب معجم قرى ومدن الفيوم، إلى أنه عثر على برديات يونانية هامة في معبد قرية بطن أهريت التي تقع شمال غرب الفيوم والتي أنشأها الملك بطليموس الثاني، وهناك برديات كانت تتعلق بالضرائب التي كانت مفروضة على المواطنين، كما تناولت بعض البرديات طقوس خاصة بعبادة بعض الآلهة وهناك برديات شرحت طرق الري التي كانت تستخدم وقتها.

ويضيف الجمل، أن بعض البرديات قد تضمنت جزءا هامًا من الأوديسا للشاعر هوميرس، ويوجد أيضًا برديات يونانية هامة وجدت في مدينة فيلادلفيا القديمة والتي تأسست في عهد بطليموس الثاني وظلت إلى العصر البطلمي، حيث كانت تلك المنطقة بمثابة مركزًا زراعيًا هامًا في العصر الروماني، وقد دمرت بعد ذلك بشكل كبير ولكن تم التعرف علي تخطيطها والمنشآت التي بها من خلال تلك البرديات.

ومن أهم ما تم ذكره في تلك البرديات كان أرشيف شخص يسمى “رينو” الذي كان يدير أملاك لسيده، وألقى هذا الأرشيف الهام الضوء على العديد من الموضوعات التي شرحت كيف كانت الحياة الاجتماعية في تلك الفترة.

أرشيف زينون

يقول الأثري سيد عوض، إن الفيوم تعد واحدة من أهم مصادر البرديات على مر التاريخ، وكانت أهم فترة للبحث عن البرديات في إقليم الفيوم هي الفترة ما بين نهاية القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، وكانت بداية البحث على يد الأثريين ” آرثر ثوردج، بايين جرنفل”، وكان ذلك في عام 1899م، وتم البحث في مدينة كرانيس والتي تقع في منطقة كوم أوشيم، والبحث في منطقة أم البريجات التي كانت تسمى “تيبتيس” سابقًا، ومنطقة بطن أهريت، وبعض المناطق الأخرى مثل” كوم الخرابة الكبير، مدينة ماضي الأثرية، منطقة كيمان فارس، ديمية السباع”، وتم العثور في منطقة جرزا بمركز طامية على أرشيف “زينون” وهي مجموعة من البرديات تخص شخص يدعى زينون، وكان يعمل مدير ضيعة وزير مالية بطليموس الثاني، وكانت البرديات عبارة عن المعاملات المتعلقة بإدارة زينون للضيعة وهي ما وضحت كيف كانت المعاملات وقتها.

استنادا إلى ما سبق وما تم اكتشافه في الفيوم من برديات وقطع أثرية، وما بقى حتي الآن من بقايا المدن القديمة، يدل على ما كان عليه إقليم الفيوم أو المقاطعة الـ21.

سيد عوض، مفتش آثار بمنطقة آثار الفيوم - تصوير: منال محمود
سيد عوض، مفتش آثار بمنطقة آثار الفيوم – تصوير: منال محمود
مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر