«السينما ذاكرة المكان».. ندوة بمتحف الفنون الجميلة خلال فعاليات «الرحلة»

كتب: محمد حيزة 

تواصلت فعاليات مبادرة “الرحلة” التي أطلقها موقع «باب مصر» التابع لشركة ولاد البلد للخدمات الإعلامية، والتي بدأت بافتتاح معرض “محطات” للفنان التشكيلي محمد عبلة، وأعقبها عقد 3 ورش تدريبية على أساسيات العمل الفني والصحفي والبودكاست، وذلك بمتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية.

“السينما ذاكرة المكان” كان عنوان الندوة التي تم تنفيذها في اليوم الثاني للمبادرة، بحضور المخرجين هالة جلال وأيمن مكرم، ومحمد زيدان، فيما أدار الجلسة الصحفي محمد شعير، رئيس تحرير موقع باب مصر.

السينما المصرية

استهل “شعير” الحديث حول أهمية السينما المصرية في توثيق ذاكرة المكان، وخلق وجدان تخيلي ومكاني حول الأماكن العديدة بالمحافظات، ومن أهمها القاهرة.

وقال أيمن مكرم: “منذ بداية السينما سنة 28 من القرن الماضي، تم عمل فيلم عن حديقة الحيوانات، بتفاصيلها، وبتكليف من طلعت حرب وقت حكم الخديوي إسماعيل، والسينما تحاول الخروج من الاستديوهات. مثل فيلم لنجيب الريحاني سنة 1940، وفيلم حياة أو موت للمخرج كمال شيحة، كان بالكامل في الشارع في منطقة عابدين وسط البلد. وكل هذه الأماكن بسياراتها ومحلاتها وشوارع ومدنها، وكنا نحاول إخراج تجربة مماثلة”.

وتابع: لابد من إنتاج وصف مصر كل 20 أو 30 سنة في السينما. وللأسف لا نمتلك الآن أفلام سينمائية، كلها مملوكة لبعض الشركات، وعلى الأقل لابد أن يكون هناك الحق في استخدام الأفلام والاقتباس منها في أعمال فنية مختلفة. والحفاظ على ذلك الأرشيف وحمايته من الضياع مثل أرشيف المجلة السينمائية المصورة، الذي ضاع النيجاتيف الخاص به وفقدناه. ولابد من تسهيل الحصول على أرشيف من الأفلام والأحداث القديمة.

محمد شعير
محمد شعير
الأفلام القديمة

وأضاف مكرم: كنا في فترة من الفترات نقيم الأفلام القديمة، فمثلا فيلم شارع الحب، كان له مقدمة تحكي عن شارع محمد علي والمزيكا والسيدات في الشارع. وبالمقارنة باليوم ضاعت معالم الشارع، ولولا فيلم مثل “شارع الحب” لما كنا عرفنا معالم شارع محمد علي. أنا ما أريده هو إتاحة توظيف مشاهد على الأقل كل 50 سنة لأعمال أخرى للحفاظ على التراث.

واستطرد حديثه قائلا إن هذا يرجع أيضا لفكرة التأريخ، نحن الوحيدون في المنطقة الذين نملك 100 سنة فن وحصادنا كبير. هناك أفلام توثق جميع مساجد مصر مثلا لابد أن يتم الاقتباس منها، وإعادة إنتاجها بزاوية جديدة. حتى لا نخسر أرشيف أكثر مما فقدناه، وتنفيذه يكون من خلال دراسة وبحث وبدأ التنفيذ بشكل مباشر.

كما تم عرض لقطات من فيلم للفنان إسماعيل يس عن حديقة حيوانات الجيزة. وتم التعليق على تلك اللقطات والتي تتضمن توثيق لحديقة الحيوانات بالجيزة في هذا التوقيت. ومنها لقطات لأغنية بها جميع معالم الحديقة وحيواناتها، وتفاعل الجمهور معها بهذا الشكل.

المخرج أيمن مكرم
المخرج أيمن مكرم
إنقاذ السينما المصرية

وطرح “شعير” تساؤلا على المخرجة هالة جلال. وقال: “كان في فترة الستينات ما يهدد الإنتاج السينمائي المصري، وكان هناك حراك لإنقاذ السينما، والمخرجة هالة جلال معظم أفلامها حب للقاهرة. ما رأيك في ما تتعرض له السينما حاليا، وما الحل من وجهة نظرك لإنقاذ السينما المصرية حاليا؟”.

قالت جلال: “أنا شخصيا عندي هوس في إنتاج الأفلام عن القاهرة والأماكن، فالقاهرة بالنسبة لي أول حب وأول فرح وأول حزن وأول ثورة، وهي تجربتي الشخصية، وكان حظي أنني عملت مع محمد خان، وكان عنده هوس هو الآخر بالقاهرة. فالأفلام التسجيلية والروائية قصدت أم لم تقصد هي ذاكرة مكانية للبشر، ولها احتكاك مباشر بمعرفة من نحن وماذا نريد في اللحظات الراهنة”.

وتابعت: السينما توضح لك أين يذهب المجتمع، وترصد كل شيء في حياة الناس، ذكرياتهم صورهم ماضيهم تاريخهم، حياتهم الحالية والمستقبلية. أنا رأيت في مدن كبرى في أوروبا متاحف صغيرة لأرشيف السينما، نحن الدولة الوحيدة التي لها 100 سنة سينما بدون أرشيف، وبدون ذاكرة سينمائية. وهذا الأرشيف هو الذي يقول كنا هنا، ولا أعرف سبب ذلك. وقرار حفظ الأرشيف والاهتمام به هو قرار أكبر من السينمائيين. المفترض أن يكون هناك سينما تك، الأشياء هذه كأنها موجودة وغير موجودة في حوزة أشخاص، يظهروها فترة ويخفوها فترة، وبيع الأرشيف بشكل غير مبرر لا أعرف له سببا.

واستطردت جلال -خلال الندوة-: ليس لدينا وعي لإتاحة المعلومات، وذلك بسبب إخفاء وضياع وإهمال الأرشيف السينمائي، ولابد أن يكون هناك حقوق للعرض. ولا يتعارض مع الاحتياجات المادية، والملكية الفكرية، ولا تعارض بين الأمرين أبدا، والذاكرة الإنسانية قيمة كبرى لا يعارضها شيء.

المخرجة هالة جلال
المخرجة هالة جلال
حفظ التراث السينمائي

عاود “شعير” الحديث حول المشروعات التي أقيمت في الإسكندرية لحفظ التراث السينمائي، موجها حديثه للمخرج محمد زيدان. وقال: “مثلا المشروع الكبير الذي كنت تشرف عليه في استضافة أهم كومبارس في السينما المصرية وتحقيق حلمه في أن يكون نجم. كيف خطوتم نحو ذلك وما مشروعكم لحفظ الأرشيف؟”.

وأجاب “زيدان”: “فترة ما بعد ثورة يناير، شهدت هدم العديد من المنازل الأثرية مثلا. مما أضاع التاريخ البصري، وهوية بعض المناطق في الإسكندرية تحديدا، والأرشيف السينمائي، هو أكبر حامي لهذه الهوية البصرية”.

فيما قال “شعير” لماذا لا يتم الحفاظ على الهوية البصرية؟ متسائلا عن سبب عدم الاهتمام للتوثيق وحفر ذاكرة السينما المكانية في أذهان الناس.

وردت المخرجة هالة جلال: “الرقابة أحيانا تضل طريق توثيق السينما. مثل عدم إدراج صورة للفقراء في الأعمال السينمائية، وعدم أرشفة ذلك، بدعوى سمعة البلد. مع أن الفقراء موجودين في الشارع حقيقة، والبني آدم لو فقد هذا التأريخ، فهو يمر بنوع من أنواع الشيخوخة. وهذا مرض مجتمعنا الحالي، مرض الشيخوخة، هم الذين خربوا أرشيف السينما يدعونا للهروب، وهذا خطر جماعي. فالذاكرة تعني أننا في حالة صحية سليمة، لأنه من ليس له ذاكرة ليس له وجود وهذا ما يزيد دهشتي”.

وتابعت: هناك قيود أخرى على ذاكرة المكان، مثل تصاريح التصوير في الشارع، بدعوى الخوف من السمعة السيئة وهذا انفصال شخصي نقوم بفصل شخصية المجتمع عنه.

المخرج محمد زيدان
المخرج محمد زيدان
إتاحة حفظ الأرشيف

وعاد “شعير” للحديث حول فكرة إتاحة حفظ الأرشيف، وإيجاده بفاعلية، وأيهما أفضل أن يكون للدولة أرشيف ممنوع الاقتراب منه أم يكون هذا الأرشيف موجود في دولة أخرى ولكن متاح للباحثين.

وأكد المخرج أيمن مكرم، أن الأفضل أن يكون الأرشيف متاح حتى لو في دولة أخرى، وأن يكون في مقدور الباحثين تناول هذا الأرشيف. والسؤال الأهم، كيف نقوم بصناعة الأرشيف في ظل هذه الأجواء ومقاومة تلك الأعمال التعطيلية، مثل الروتين. أفضل من أن يكون النيجاتيف الخام موجود شكلا حتى يتحلل، أو يسرق كما حدث.

وتابع: ما يعتبر مصدر ربح للدولة بشكل مستدام هو التراث، مثل الأقصر وأسوان، والقاهرة الفاطمية، والتراث الإسلامي في القاهرة. فلماذا لا يتم الاهتمام بأرشيف هذه المناطق والمشاهد الأثرية، حتى في حين أراد أحد المنتجين الأجانب إقامة عمل في مصر عن الآثار، يتم التضييق عليه. مما أدى لهروب المنتجين لدول أخرى مثل السعودية، بسبب التسهيلات المتاحة حاليا، والمغرب والأردن.

القطاع الخاص

وتطرق “شعير” للحديث حول القطاع الخاص، وهل يعطي نسخة للدولة من الأعمال التي يقوم بها، هل القوانين كافية أم بحاجة إلى تعديل من أجل تربيط وتشبيك الأرشيف.

وقال “زيدان”: “القانون موجود ولكن المشكلة في التطبيق، نحن لا نعرف هل النيجاتيف الذي يتم تسليمه هي الحقيقية أم لا. وأنت لا تعرف هل القطاع الخاص من الممكن أن يتعاون مع الجهات الحكومية لأي مدى. مع أن القانون يكفل ذلك ولكن تطبيق القانون هو المشكلة ولكن لابد من تفعيل الرقابة وتفعيل تطبيق القانون”.

وأعقب الندوة حوارا مفتوحا حول الأرشيف السينمائي. إذ تساءل أحد الجمهور عن كيفية الحفاظ على الأرشيف المصري للسينما.

وأجابت المخرجة هالة جلال: “الأرشيف موجود على الانترنت ليس كاملا ولكن موجود. وللأسف في حال أردت شرائه من الممكن أن تدفع فيه ملايين الجنيهات. لما أردت إنتاج مادة عن حرب أكتوبر، وطلبت شراء الأرشيف من bbc، وصل المبلغ لمليون جنيه وكانت الصدمة بالنسبة لي. وفي المقابل الدولة لم تقم بشراء هذا الأرشيف ولم تقم بهذا الدور”.

فيما تساءل أحد الحاضرين عن الحافز الذي يمكن أن يقدم للمسؤول للحفاظ على الأرشيف. وأجابت “جلال” وقالت: “لا حافز سوى أنها المسؤولية المتعلقة بالمسؤولين، ولابد من أن يكونوا على قدر مسؤوليتهم”.

اقرأ أيضا

يضم 50 لوحة.. افتتاح معرض «محطات» للفنان محمد عبلة بالإسكندرية

«من القلب للقلب»: ذكريات محمد عبلة وانطلاقته الأولى في لقاء مفتوح

«باب مصر» ينظم 3 ورش تدريبية في أساسيات الصحافة والتصوير والبودكاست

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر