دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

الروحانيات على الشاشة.. كيف جسدت السينما المصرية الموالد والطقوس الدينية؟

مع حلول المولد النبوي، الذي يحتفل به اليوم، حيث تعانق الأرواح مع نفحات المحبة والذكر، يطل السؤال عن حضور الروحانيات في الذاكرة البصرية المصرية. فالسينما، التي لم تكن يومًا مجرد شاشة، التقطت من حياة الناس ما هو أعمق من تفاصيلهم اليومية؛ أنفاسهم في حلقات الذكر، بهجتهم في الموالد، وصدقهم في الطقوس الشعبية التي امتزج فيها الدين بالحياة حتى صارا وجهًا واحدًا للهوية.

منذ قرون، والمصريون يحتفلون بهذه الذكرى بطقوس تجمع بين الصفاء الروحي والاحتفال الشعبي. بدأت مع الدولة الفاطمية، حين خرجت المواكب وتزينت الشوارع ووُزعت الحلوى. حتى صار للمولد وجهان يكملان بعضهما: الأول يفيض بالمديح والإنشاد والذكر. أما الثاني فشعبي عامر بالزينة والأنوار والأسواق. هذه الازدواجية الفريدة بين الروح والفرح تحولت إلى مكون أصيل من الهوية الثقافية للشعب المصري. وكان طبيعيًا أن تجد مكانها في السينما، التي التقطت منذ بداياتها هذه الروح وسعت إلى توثيقها. سواء كطقس صوفي حضر على الشاشة كرمز للحياة الروحية المصرية، أم كتراث شعبي للبهجة يعكس الهوية.

نافذة على الروح الشعبية

بهذا المعنى، لم تكن السينما المصرية مجرد وسيلة لتسجيل الواقع. بل نافذة مفتوحة على عمق الروح الشعبية، توثق الموروث الديني والطقوس الروحانية كجزء من الحياة اليومية. ومع أن الأفلام الحديثة باتت أكثر انجذابًا لقصص المدينة وإيقاعها السريع. فإن تلك المشاهد القديمة تظل محتفظة بقيمتها، لا كذكريات ماضٍ فحسب، بل كوثائق بصرية تثبت أن الروحانيات متجذرة في وجدان المصريين.

ومع المولد النبوي، تعود هذه الصور لتضيء الذاكرة الجمعية: ساحات عامرة بالذكر، قلوب معلقة بمحبة النبي. أرواح تبحث عن الصفاء وسط صخب الحياة. وعلى الشاشة. يبقى الموروث الروحاني شاهدًا خالدًا على أن الدين والثقافة في مصر لم يكونا يومًا عالمين منفصلين، بل نهرًا واحدًا تتدفق فيه المحبة والهوية معًا.

فيلم شيء من الخوف
فيلم شيء من الخوف
المولد النبوي في السينما

يشكل المولد النبوي قلب الحكاية، في فيلم قنديل أم هاشم المأخوذ عن رواية يحيى حقي. حيث يلجأ الأهالي إلى زيت القنديل للتبرك، ما يعكس العلاقة بين العلم والإيمان، والحداثة والموروث الشعبي. يوثق الفيلم تقاليد الاحتفال بالمولد ويبرز كيف يشكل هذا التراث جزءًا أصيلاً من هوية المصريين الروحية والثقافية.

وفي فيلم المولد بطولة عادل إمام ويسرا، تصور زحمة المراجيح والزينة وباعة الحلوى المولد كفضاء للفرح. لكنه يكشف أيضًا مأساة إنسانية حين تفقد أم طفلها وسط الزحام. السينما هنا توثق التفاعل بين الفرد والمجتمع، الفرح والفقد، الروح والواقع.

أما فيلم شيء من الخوف، تظهر فؤادة وهي تحمل عروسة المولد بينما يمسك عتريس حصان الحلاوة، كرمز للبراءة المسلوبة والوعي الجمعي. المولد النبوي يتحول إلى خلفية روحانية تعكس الصراع بين الطفولة والظلم، والروحانية والواقع الاجتماعي.

الصوفية والأضرحة في السينما

روحانيات الصوفية والأضرحة بدت واضحة في فيلم شهيدة الحب الإلهي، الذي يستحضر قصة رابعة العدوية، الشهيدة التي وهبت قلبها لله. من حياة اللهو إلى رحلة التأمل والتعبد، يظهر كيف يتحول القلب إلى معبد، والزمن متنفس للروحانية. موثقًا معاني الصوفية المصرية في أبهى صورها.

وأيضًا في فيلم طريد الفردوس، الذي يتابع رحلة الشيخ عليش، الدرويش المنعزل بين الصلاة والصوم والعبادات. يحج الناس إليه طلبًا للبركة، وعند موته يخضع لمحاكمة روحية تكشف توازن حسناته وسيئاته. ليعاد إلى الحياة لاختباره. الفيلم يعكس تصور المصريين للعالم الروحي، وارتباط الطاعة والتجربة الإنسانية بالروح.

وعلى النقيض يلجأ أبطال فيلم الزوجة الثانية إلى ضريح السيد البدوي، بالتضرع والابتهال في مشاهد صوفية مؤثرة. ليستجاب الدعاء بطريقة تتجاوز المنطق البشري. ومن ثم يعكس الفيلم قوة التراث الروحي، حيث يتحول الضريح إلى رمز حي للروحانية المصرية.

فيلم طريد الفردوس
فيلم طريد الفردوس
سيطرة الموروث الشعبي

أما فيلم سارق الفرح، يستعين البطل بالضريح لطلب العون في أزمته المالية والعاطفية. مما يعكس سيطرة الموروث الشعبي في توجيه الإنسان ومنحه الأمل. موثقًا جزءًا من الهوية المصرية التي تجمع بين الإيمان الشعبي والبحث عن البركة.

وفي الكيت كات، تلجأ فاطمة، الغائبة عن زوجها، إلى ضريح الحي الشعبي للدعاء بأن يكون يوسف ابن الشيخ حسني من نصيبها، متخذة الضريح فضاءً صوفيًا للتضرع. لاحقًا، تتوطد العلاقة بينهما، لتصبح الدعوة المتواضعة بداية لترابط قلبي وروحي، رغم تحريم العلاقة اجتماعيًا.

كذلك في فيلم للحب قصة أخيرة، يرفع رفعت الزوج المريض وزوجته سلوى أكفهم بالدعاء في ضريح سيدي التلاوي خلال المولد. وفي الفيلم يتجلى الصراع بين الحب والمأساة، المرض والوهم والحقائق المؤلمة. حيث يتحرك الأبطال في فضاء الوراق كأنفس تتلمس بركات الخلاص في داخلها قبل أي قوة خارجية. ليظهر كيف تمثل الأضرحة مساحة لتلقي البركات، خاصة للمأزومين عاطفيًا، بينما تبقى السماء متجهة نحو المستضعفين والمحتاجين.

فيلم الكيت كات
فيلم الكيت كات
صاحب المقام الرشيد

نرى في الأرض الطيبة، امرأة متدينة تزور ضريح سيدي الدكروري لدعاء الهداية لمن تحب، مؤمنة بقدرة صاحب المقام على إرشاد الشاب للطريق الصحيح. في مشهد يعكس امتزاج الإيمان بالحب، ويبرز روح الحياة اليومية.

وفي بين القصرين، يلجأ الطفل كمال إلى ضريح الحسين طالبًا إعادة أمه بعد طردها من المنزل، مؤكدًا قوة الدعاء والبركة في حياة البشر. ليبرز لنا العلاقة بين الإيمان والدعاء، والحب والتعلق الروحي بالمقدس.

الشعبي والمقدس في الاحتفالات

يجسد فيلم الليلة الكبيرة الموروث الشعبي عن الموالد، ليصور يومًا كاملًا في مولد سيدنا عرش الدين. حيث حلقات الذكر والطقوس والحكايات الفردية والجماعية تتشابك في نسيج ثقافي غني يعكس فكرة أن المولد ليس مجرد احتفال، بل مساحة لتوثيق التراث. حيث العبادة والمرح، والإيمان والأمل.

أما فيلم المبروك، يستعرض الصراع بين الخداع والدجل من جهة، والإيمان الشعبي من جهة أخرى. من خلال شخصية حافظ النصاب التي تتأثر بالبسطاء. بينما يُكشف كذبُه بعد مرض ابنه، ليؤكد الفيلم قوة الموروث الشعبي في رسم حياة المجتمعات الريفية.

من هذا الجانب، تكشف المشاهد الروحية والصوفية والاحتفالات الشعبية في هذه الأعمال عن جوهر الروح المصرية الحقيقي. حتى وإن كانت تدور في إطار سياسي أو اجتماعي أو غيره. تظهر السينما كيف تتشابك الحياة اليومية مع التراث الروحي. وكيف يحافظ الفن على هوية الأمة وذاكرتها، موثقة الروح المصرية في كل لقطة، لتظل شاهدة على التراث وروح الشعب.

اقرأ أيضا:

«ليلة الملوخية».. عادة متوارثة للاحتفال بالمولد النبوي بنجع العقاربة

قنا تحتفل بالمولد النبوي.. طقوس تتوارثها الأجيال منذ قرون

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.