الإهمال يضرب “عين السيليين” السياحية بالفيوم ويحولها لمنطقة مهجورة

عامل: تم محو معالمها وتحولت لمستنقع.. والطاحونة أصبحت مقلبًا للقمامة

خبير: وضعت روشتة علاجية لإعادة بريقها القديم على خريطة السياحة

ومسؤولو المحافظة وهيئة تنشيط السياحة يرفضون التعقيب

الفيوم- هدير العشيري:

تصوير ومونتاج – بولا ناجي:

قطع عمرو محمد، بصحبة زوجته مسافة تقارب 120 كيلو مترًا من محافظة القاهرة إلى محافظة الفيوم، كي يجدد رخصة قيادته، وقرر أن يستغل وجوده في الفيوم ليستمتع وزوجته بزيارة منطقة السيليين التي ما زال يحلم بزيارتها وقرأ عن جمالها الساحر منذ أن كان تلميذًا بالمرحلة الابتدائية، فاصطحب زوجته وانتقلا في رحلة قصيرة لزيارة المنطقة، لكنهما صدما بالواقع الذي اختلف عما كان يحكيه لزوجته طوال الطريق عن جمال الطبيعة الساحر، فقد دمرها الإهمال وحولها إلى مكان مهجور لا يلتفت إليه أحد.

يتساءل عمرو: كيف لمحافظ الفيوم أن يترك هذه الطبيعة الساحرة ويترك الإهمال يدمرها في ظل الحديث الدائم عن استغلال وتنمية المحافظة سياحيًا؟

“الفيومية” تبحث عما وصلت إليه “عين السيليين” من إهمال، ومدى اهتمام مسؤولي السياحة وديوان عام المحافظة بتطوير المنطقة وإعادتها للخريطة السياحية.

محو المعالم

يقول أحمد علي السيد، عامل بمنطقة السيليين منذ 27 عامًا، إن المكان أصبح معدمًا، فلا ترى فيه أي شىء، ولا تسمع غير أصوات الخفافيش التي تسكن مصنع تعبئة المياه المعدنية المغلق، والذي أنشأته شركة فرنسية عام 1980.

ويضيف عم أحمد أنه تم محو كافة معالم المنطقة السياحية، وهدم أهم رموزها وهو شعار “الساقية” الذي كان في مدخل القرية، مشيرًا إلى أن المحافظ السابق هدمها لبناء بوابة أخرى لا تعبر عن المكان، بالإضافة إلى هدم الشاليهات التي كان يرجع تاريخها إلى عهد الملك فاروق، وكانت من أهم المناطق استقبالًا للسائحين، إذ بُني مكانها متحفًا للحرف اليدوية، طاله الإهمال هو الآخر فأصبح خاويًا يستغله البلطجية لتجارة وتعاطي المواد المخدرة.

ويتابع السيد أما “عين السيليين” وهي عين للمياه الجوفية فتحولت إلى مستنقع للمياه الراكدة التي يعلوها الخز، وتملؤها القمامة والحشرات لدرجة أنك لا تعرفها إلا من خلال لافتة مكتوب عليها “عين السيليين”، وذلك بسبب الإهمال، إذ أغلقت منذ سنوات بحجة الإحلال والتجديد.

ويكمل أما “عين الشاعر” وهي عين للمياه الجوفية أيضًا، فاختفت منذ زلزال 1992، وكل ما تم فعله هو عمل نافورة مكانها، بعد أن كانت تخرج منها مياه معدنية نقية طبقًا لتقارير خبراء، والآن أصبحت مياها مختلطة بالصرف الصحي.

الحرف اليدوية

وتتفق صباح محمد رزق، بائعة مشغولات حرفية، مع ما ذكره عم أحمد، فتقول “منذ 20 عامًا وأنا أسكن بمنطقة السيليين، وكانت السياحة في هذا المكان مصدرًا لرزق المئات من الأسر ليس في السيليين فقط بل بالقرى المجاورة للمنطقة مثل فيديمين وسنهور”.

وتضيف “كان الجميع يعمل في بيع المشغولات البيئية والحرف اليدوية وألعاب الأطفال للزوار، وكان دخلي في اليوم أكثر من مائة جنيه، الآن دخلي اليومي يقارب العشرة جنيهات بالعافية”.

وتُحمل صباح مسؤولية تدهور الوضع بالمنطقة لمحافظ الفيوم، مشيرة إلى أنه لا يوجد أعمدة إنارة كافية لمدخل المنطقة، كما أن المحافظ السابق حازم عطية لم يأت سوى مرة واحدة فقط ولم يفعل أي شىء.

الطاحونة

يعود أحمد علي السيد للحديث والحزن يكسو ملامح وجهه وهو يحكي عن “الطاحونة” التي كانت تدار بالمياه، وكانت تُعد من أبرز المعالم السياحية والتاريخية بالمنطقة، وأصبحت الآن مقلبًا لأكوام القمامة والثعابين والحشرات.

ويكمل أن تراكم القمامة تسبب في انسداد هدار المياه الذي يساعد الحجر على الدوران والطحن، ويتذكر أحمد الأفواج السياحية التي كانت تدخل الطاحونة ويرونها أثناء تشغيلها، مختتمًا حديثه بقوله إن معظم الكافتيريات أغلقت وتركها أصحابها.

آخر رحلة مدرسية

ويقول خليل إبراهيم، عامل على البوابات إن آخر رحلة مدرسية كانت منذ أربعة أشهر تقريبًا، ودائمًا ما تكون لتلاميذ المرحلة الابتدائية، والمكان افتقد رحلات طلبة الجامعات والأفواج السياحية خاصة في فصل الصيف، وهو ما أثر بالسلب على المنطقة التي كانت تعج بالعشرات من السائحين في الشتاء.

ويضيف خليل أن تذكرة الدخول 50 قرشًا كما حددتها المحافظة، ولم تزد عن ذلك، وهو ما يؤكد تعمد تهميش المنطقة، كما لم نرى محافظ الفيوم غير مرة واحدة فقط ولم يفعل بعدها شىء، مردفًا “المكان يحتاج إلى نظرة من أي مسؤول حرام كده”.

ويكمل “دائمًا نسمع تصريحات من أي محافظ يأتي عن تطوير منطقة ساحل بحيرة قارون”، متسائلًا: هل السياحة في الفيوم هي ساحل البحيرة فقط؟

روشتة

ومن جانبه، يقول الدكتور نبيل حنظل، الخبير السياحي بالمحافظة إن منطقة السيليين هي أشهر وأقدم مقاصد السياحة الداخلية في الفيوم، وكانت هي الرحلة الثمينة في برامج السياحة الداخلية لمحافظتي القاهرة والجيزة ومحافظات شمال الصعيد وللأجانب المقيمين بالقاهرة.

وعن موقعها يقول حنظل إن السيليين تقع وسط دلتا بحر يوسف الذي يحاكي النيل بواديه ودلتاه وشماله الساحلي، وسط أخصب أراضي الفيوم الزراعية وحدائق فاكهتها، كما تتوسط خط السير السياحي الواصل بين مدينة الفيوم وبحيرة قارون.

ويتابع أن السيليين تتميز بتدرج أراضيها وحدائقها ومجراها المائي وطاحونتها القديمة وقنطرتها الأنيقة، وكانت تضم مجموعة من المنشآت السياحية التابعة للهيئة الإقليمية للتنشيط السياحي بالفيوم، والقطاع الخاص.

ويكمل: كما كانت قاعة لمؤتمرات الفيوم والمحافظات القريبة، ومكان الضيافة الرسمي المفضل بقاعاتها ومطاعمها وشاليهاتها التي كانت مقامة على المدرجات ومعرضها الذي كان يضم كل منتجات الفيوم البيئية ومنتجات الأسر المنتجة، كما كان لطريقها إطلالة جميلة على الوادي ومنظره الطبيعي الخلاب.

ويضع حنظل برؤية الخبير السياحي روشتة علاجية تتلخص في نظرة شاملة وخطة كاملة وتمويل قادر وجهد مخلص لإعادة السيليين بريقها القديم على خريطة الفيوم ومصر السياحية، ويعود لها التدفق السياحي من المصريين والأجانب.

وعن نقطة البداية يقول حنظل إنها تتمثل في:

1- تشكيل جهاز دائم يضم ممثلين عن:

– الهيئة العامة للتنمية السياحية: لتستكمل دورها وتمويلها باعتبار السيليين منطقة سياحية رسمية صادر بها قرار وزير السياحة ضمن المناطق السياحية في الفيوم، كما أن الهيئة سبق ووضعت مخططًا تأشيريًا لوضع تصور لتنمية المنطقة ككل، ولتكمل دورها في إعداد المنطقة بوضعها الحالي.

– قسم البساتين بإدارة التخطيط العمراني بديوان المحافظة ومديرية الزراعة: لإعداد وتهيئة المنطقة كحديقة سياحية معتنى بها، ويشمل ذلك كل المساحة القابلة للزراعة، وزراعة الطبانات بالزهور في شمالها وجنوبها كاستهلال جميل للمنطقة ورعاية ذلك بعد التنفيذ على الوحدة المحلية بقرية السيليين للقيام بأعمال البلديات والصيانة والنظافة والترميم، على أن تكون السيليين أحد نقاط تقييم رئيس الوحدة المحلية.

– الري لتطهير وتكسيه وصيانه المجرى المائى ولاتخاذ ومواجهة إغراق المنطقة بمياه الصرف الزراعى.

– الهيئة الإقليمية لتنشيط السياحة للقيام بجهود التنسيق والمتابعة والاستعلامات.

– شرطة السياحة: لتأمين وإزالة العشوائيات والمخالفات.

2- إنارة الطريق وتجهيزه بالعلامات الإرشادية، وتجهيز الوحدات الصحية الواقعة على جانبيه وإقامة تمركز دائم للإسعاف والمطافىء.

3- الاستفادة من إمكانيات القرى المحيطة ومحاولة توظيف إمكانياتها وصناعاتها البيئية سياحيا “تجربة قرية تونس التي دخلت السياحة بإبراز منتجاتها من الفخار”.

4- إقامة مهرجانات المحاصيل كالمانجو والمشمش.

ويشير حنظل أنه بذلك التكامل يمكن إحياء المنطقة وخلق أنماط سياحية جديدة، وتنمية الدخل المحلي، والحد من البطالة، ومقاومة الإرهاب، مبينًا “أخيرًا المنطقة تحتاج لتنفيذ برنامج دعائي لإبراز إمكانياتها التي كان يعرفها الناس وإمكانياتها الجديدة وتبني مؤتمرات وندوات علمية ودعائية”.

المسؤولون يمتنعون

“الفيومية” تواصلت مع المسؤولين بهيئة تنشط السياحة بالمحافظة وهما محمد كمال، مدير عام هيئة تنشيط السياحة، ومصطفي الليموني، المسؤول الأول عن منطقة عين السيليين، لكن جاء ردهما بالرفض القاطع للحديث أو الإدلاء بأي تصريحات دون إذن من السكرتير المساعد للمحافظة.

وعندما ذهبنا إلى اللواء سعد حمودة، السكرتير العام المساعد للمحافظة رفض هو الآخر إعطائنا إذن للحديث مع المسؤولين المعنيين، قائلًا “الناس دي هاتهرتل ومش هاتعرف تقول حاجة”- حسب قوله.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر