«دخلت مرة جنينة وما لقيتش الورود».. عندما تحكي الحشرات والشجر قصة الإنسان

افتتحت وكالة «بهنا» بالإسكندرية، المعنية بفنون السينما والفنون المعاصرة والتعليم البديل، معرضا بعنوان: «دخلت مرة في جنينة.. وما لقيتش الورود». وتستمر فعاليات المعرض حتى يوم 23 يونيو 2025، من الساعة الحادية عشر صباحا وحتى الساعة السابعة مساءً، عدا يومي الثلاثاء والأربعاء من كل أسبوع.

يُعد المعرض ختاما لبرنامج «زمالات بهنا 2025»، الذي انطلق في فبراير الماضي تحت عنوان: “لا حديث إلا ذلك الذي عن الطقس والأشجار”. وهو برنامج فني وبحثي ضم مجموعة من الفنانين والممارسين البصريين في رحلة جماعية من البحث والتجريب، استكشفت العلاقة مع ما هو “أكثر من بشري”، في زمنٍ يتشكل تحت وطأة التوحش العمراني والتحولات البيئية المتسارعة.

 لا حديث إلا ذلك الذي عن الطقس والأشجار

عرض الفنانون المشاركون في البرنامج أعمالًا فنية تتقاطع مع حيوات غير بشرية مثل النباتات البرية، وسلوك الحيوانات والحشرات. وكائنات مرئية لكن مُهملة. وقد كشفوا، من خلال وسائط بصرية متنوعة، عن شبكات وجود نابضة تنمو في الظل وتؤثر علينا بعمق. حتى وإن لم تكن مرئية دائمًا.

دعا الناقد علي العدوي، ميسر برنامج الزمالة “لا حديث إلا ذلك الذي عن الطقس والأشجار”، جمهور المعرض إلى الإنصات والتأمل. والتقمص العاطفي مع هذه الكائنات والأنظمة. وإعادة التفكير في موقع الإنسان ضمن محيط حيوي واسع تتقاطع فيه الحيوات وتتداخل الحساسيات. وأوضح أن عنوان المعرض مستوحى من أغنية أسمهان “دخلت مرة في جنينة” (1938) من كلمات عبد العزيز سلام وألحان مدحت عاصم. كاستعارة لغياب متخيل، وبحث حسي وشعوري عن جمال لا يزال يقاوم.

شجرة الصفصاف

أضاف “العدوي” أن من الفعاليات المصاحبة للمعرض لقاءً مفتوحا مع عمرو خيري حول شجرة الصفصاف. يتناول فيه علاقة المصريين بهذه الشجرة المعروفة أيضا بـ(أم الشعور) منذ التوسع في زراعتها في عهد محمد علي باشا. وحتى حضورها البارز في أدب وشعر الحداثة في الستينيات، كرمز للأصالة والرومانسية في الريف المصري. وأشار إلى أن هذا اللقاء محاولة لفهم الجوانب التي تشكّل التاريخ الاجتماعي لشجرة تعيش في وجدان الناس. ومن خلالها نعيد النظر في تاريخ مصر الحديث وعلاقته بتغيّر المناخ.

الفنانون المشاركون بالمعرض

ضم معرض “دخلت مرة في جنينة.. وما لقيتش الورود” مجموعة من الفنانين من خلفيات مختلفة. عبر كل منهم بطريقة فنية مختلفة عن الآخر، عن علاقة الإنسان بالكائنات من حوله، ومدى تأثيره في تدهور حال البيئة المحيطة.

وفي تصريح خاص لـ«باب مصر» قال محمد عادل الدسوقي، أحد الفنانين المشاركين، إن مشاركته في برنامج الزمالة كان له تأثير وبُعد فلسفي. فقد أثارت اللقاءات الأسبوعية ومناقشة الكتب التي يطرحها ميسر البرنامج تفكير المشاركين في خبايا الطبيعة وتأثرها بالبشر. بعيدا عن الدراسة الأكاديمية والضوابط المحددة. وأكد أن البحث في الفن المعاصر وقراءة التاريخ شيء مهم جدا. مضيفا: “في ختام البرنامج، فكرنا سويًا في إقامة المعرض. وكل فنان عبر عن أفكاره بطريقته الخاصة”.

فيديو الصولجان

تابع “الدسوقي”: “كانت مشاركتي كانت من خلال فيديو بعنوان “الصولجان”، مدته لا تتجاوز ثلاث دقائق. بدأت فكرته عندما طلب ميسر برنامج كتابة نص تخيلي على لسان أحد الكائنات غير البشرية. فاخترت النمل الأبيض، نظرا لكونه يشكل أزمة في مدينتي، الإسكندرية.

قرأت كثيرا عن هذا الكائن وتكوين أسرابه. ووجدت تشابها كبيرا بين المجتمعات البشرية ومجتمعات الحشرات. ثم ربطت النص الذي كتبته بنصوص قرآنية، ولكن من منظور غير مقدس. وتدور الفكرة المحورية للفيديو حول تساؤل: كيف يمكن أن تكون نهاية كائنات ضخمة مثل البشر على يد كائنات صغيرة جدا في الحجم مثل النمل؟”

رسومات وصور فوتوغرافية

شاركت نهال سلامة بمشروع عنوانه “مغلق للتطوير”، تضمن لوحات نفذتها بطباعة الحبر والرسم بالباستيل. ترمز فيها إلى تحول القاهرة إلى طرق شاسعة وغير إنسانية تضيق على ساكنيها. تساءلت نهال في أعمالها عن إمكانية المقاومة أثناء “تطوير” الحدائق، وأبرزت أدوارا للكائنات الأخرى مثل الشجر والنمل.

وأشارت إلى أن برنامج الزمالة أثار لديها أفكارا وتساؤلات حول العلاقة بين الإنسان والكائنات الأخرى: من يؤثر على الآخر؟ من يستغل من؟ ومن هو الأهم، ومن أي منظور؟ هذه الأسئلة حفزت خيالها وغيرت نظرتها لمدينتها القاهرة. التي باتت تراها مدينة متوحشة تقل فيها ملامح الطبيعة، مع الانحسار المتسارع للمساحات الخضراء.

الرفاق الصامتون

أما سلمى حسب الله فشاركت بمجموعة صور فوتوغرافية تحت عنوان “الرفاق الصامتون”. وثقت فيها خمسة مسامير معدنية وشريحة طبية فضية من سبائك التيتانيوم. قالت سلمى إن هذه القطع تمثل جزءا من تجربة شخصية. حيث ساعدتها خلال إصابتها في 21 أكتوبر 2024، قبل أن تزال من كاحلها بعد التئام الجرح في مايو 2025.

وأضافت: “انضمت هذه القطع إلى جسدي الجريح، دعمت العظام، وساندتني في رحلة التعافي. وأصبحت جزءا من ذاكرة الألم. لقد شاركتني هذه الأدوات رحلتي. فتحولت من مجرد أدوات إلى كائنات لها حضور ووفاء، حراس صامتون. فهل الأشياء صامتة حقا، أم أننا لم نتعلم لغتها بعد؟”

 عرض أدائي تفاعلي

شارك هلال الإسكندراني بمشروع أدائي تفاعلي بعنوان “تكهّن”، قُدم خلال افتتاح المعرض. يستند العمل إلى قفزات شعورية وسردية بين الذاتي والعام، وبين الحسي والمجرد. يغوص العرض في طبقات الشعور بالذنب، والإنهاك، والتمرد، وفقدان المعنى. كاشفًا هشاشة التجربة البشرية في عالم يطالبنا دائما بالإنتاج، والتبربر، وإعادة تعريف ذواتنا باستمرار.

استعان الإسكندراني بحيوات كلاب الشوارع وما يقابله من تحديات، منطلقا من عبارة صادمة: “الكلبات حبلاوت. وكل ما أستطيع التفكير فيه هو بشاعة رائحة الجراوي المتحللة في قيظ الصيف”.

اقرأ أيضا:

«الإيطاليون في مصر».. ما وراء الحنين وحكايات الاندماج والتعايش

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.