الإسكندرية بعيون مصور فرنسي في «مداخل منسية»

منذ خمس سنوات قرر المصور الفرنسي ليون دوبوا الاستقرار في الإسكندرية. ربما يثير الأمر تساؤلا حول سر مجيء أجنبي للعيش في الإسكندرية الآن، فهي ليست كما كانت في الأربعينيات والثلاثينيات. هل  كان يبحث عن بواقي الحياة كما في روايات داريل وأشعار كفافيس ليلتصق بها؟

ربما،  خاصة أن كتاب المخرج والكاتب الفرنسي “جان كوكتو” كان حجر الأساس لمعرض ليون السابق «معلهش» الذي يروي فيه كوكتو رحلته منذ عام 1949 في عدد من مدن البحر الأبيض المتوسط من أجل التعافي من فقد صديقه.

«باب مصر» يلتقي الفرنسي بعد مرور يومين على افتتاح معرضه «مداخل منسية» المقام بالمركز الفرنسي بالاشتراك مع الفنان التشكيلي محمد جوهر.

عوالم وبيوت جديدة

في مقهى المعهد الفرنسي بالإسكندرية، التقينا ليون بعد افتتاح معرضه، كان يتناول كوبا به ثلج مجروش. كانت البداية السؤال عن أسباب قراره بالعيش في الإسكندرية. أجاب : “حينما جئت لمصر عام 2014 كنت مجرد سائح. ذهبت للقاهرة وأسوان وسيوة واستمتعت بهذه الرحلات، لكنني للحظة وقعت في حب الإسكندرية منذ أن وصلت إليها – يتحدث بلغة عربية مكسرة هنا- مش عارف ليه حبيتها، كنت آتي للإسكندرية كل عام بعد ذلك حتى قررت العيش والاستقرار بها عام 2017”.

وتابع: بعد قرار العيش في الإسكندرية انتقلت إلى سكن في منطقة سموحة، لكني لم أشعر بالارتياح. كنت أبحث عن مكان أكثر شعبية وفيه روح النوستالجيا أيضا. فانتقلت لبيت آخر في حي العطارين. وحينما تشبعت حواسي بكل ما هو شعبي فكرت في مكان يكون أكثر هدوءا وهو منطقة الرمل وبالتحديد عن مسجد القائد إبراهيم.«حينما وصلت الإسكندرية كنت مأخوذا في البداية بالمعمار وروح النوستالجيا التي بالمدينة لكن بعد وقت قصير، شعرت أنه في اللحظة الآنية ما يستحق الوقوف عنده».

معرض مداخل منسية
معرض مداخل منسية
ترجمة الأدب عبر التصوير

تخصص ليون في التصوير، لكنه يكتب الشعر أيضا. ومن هذه الروح التأملية لم يكتف بالتصوير فقط، إنما يقرأ عن الشئ الذي يريد أن يصوره، الروايات، الكتب التاريخية، الدواوين الشعرية. ثم بعدها يترجم هذا العمل الأدبي على هيئة صورا فوتوغرافية لأنه يعتبر أن الصورة خط يستكمل العمل الأدبي.

يقول: ” قرأت عن الإسكندرية عبر إبراهيم عبدالمجيد وكفافيس. لكنني حينما اقرأ عمل مترجم من العربية أشعر أن جزءا كبيرا من جمال اللغة قد ضاع. أحيانا لا أفهم بعض الاستعارات والجماليات لأن بيني وبين الكود الاجتماعي المصري مسافة حتى وإن عشت بينهم. لذلك أفضل قراءة ما كتبه الأجانب عن المدينة. أشعر بالارتياح مع المنظور الأجنبي عن الإسكندرية. لكن في نفس الوقت أحاول أن أجرد هذه الكتابات من أي بعد سياسي وأن أنظر لها من بعد تاريخي وفني فقط”.

المكان الثالث

تشارك ليون دوبوا مع المعماري والفنان محمد جوهر في معرض «مداخل منسية» الذي تعرض محتوياته في المعهد الفرنسي بالإسكندرية لمدة شهر، وتعتمد فكرته على نظرية المكان الثالث third place الذي قدمه عالم الاجتماع راي أولدنبورغ. إذ أنه هناك مكانين نتحرك فيهما بشكل يومي، البيت (المكان الأول) والعمل (المكان الثاني) . لكن بين البيت وبين المكان العمل توجد أماكن وتفاصيل نغفل أحيانا لشدة اعتيادنا عليها.

يصف أولدنبورغ في كتابه “The Great Good Place” ماهية الأماكن الثالثة، قاصداً كل مكان تشترك فيه السمات المشتركة الأساسية بطريقة تجذب الناس، وتسمح باللقاءات العفوية بين الأشخاص، أصدقاء كانوا أم غرباء من طبقات مختلفة، بحيث يكون عامل المحادثة هو النشاط الرئيسي.

مداخل منسية

ويرى ليون أن كورنيش الإسكندرية هو مكان يمكن أن يضم كل التعريفات وليس كونه مكانا ثالثا بالنسبة للسكندريين، فهو العمود الفقري للمدينة. ويقول عن المعرض: “لي 12 صورة في المعرض خاصة بكورنيش الإسكندرية، مقسمة على هيئة وحدات. كل ثلاث صور تساعد في سرد حكاية بصرية ممتدة حتى آخر صورة”، وعليك إتباع الترتيب الذي وضعه ليون لتصل لنهاية القصة.

في البداية ستقابلك لوحة لما سيظهر لك حينما تبحث عن الإسكندرية عبر محرك البحث جوجل. ستظهر قلعة قايتباي والفنار والكورنيش “لكن دون وجود للناس” وهذا ما كان يشغل بال دوبوا وهو يبحث عن الإسكندرية أين الناس وكيف هم وكيف يتصرفون؟

تحت الصور كتب ليون أسطر بسيطة لشرح الصورة، وصف دوبوا عباراته بأنها “رقيقة وناعمة”.

صورة القارب المقلوب
صورة القارب المقلوب  

في صورة القارب المقلوب، كتب ليون أسفلها: في ترسانة السفن (حوض بناء السفن) عائلة على متن قارب صيد يشوبه ثقب في بدنه.

أما في صورة العمود الخشبي كتب أسفلها: بقايا عمود خشبي يستخدمها بائعي الشاي لتوفير الظل والاحتماء من الرياح.

الوصف تحت الصور كان مكثفا، رغم أنه ليون يجيد التعبير الأدبي. إذ يقول: ” لا أريد أن أفرض على أحد وجهة نظري أو انطباعي الخاص”.

صورة العمود المقلوب
صورة العمود المقلوب
العادي والمألوف

تظهر الصور التي يعرضها ليون مألوفة لدى السكندريين. بائع لب، وغزل بنات، ومراكب الصيادين، وجاكت ملقى وأفراد يأكلون ويتسامرون على سور الكورنيش.

ويختتم حديثه: “عندما ترى الصور تشعر أنها عادية ومألوفة وأن هذا ما ستشاهده حينما تصل للكورنيش لأول مرة وليست الصور التي يظهرها جوجل عندما تبحث عن الإسكندرية”.

اقرأ أيضا

حوار| الفنان التشكيلي محمد جوهر: المشي في الإسكندرية كأنها المرة الأولى

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر