تصفح أكبر دليل للفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

«أوكرا».. مطبخ إسنا التراثي الذي أعاد للذاكرة نكهة العدس والشلولو

في أحد الأزقة الهادئة المتفرعة من شارع معبد خنوم بمدينة إسنا جنوب الأقصر، تفوح رائحة شواء البط، وتتداخل روائح العدس الإسناوي مع نكهة سخينة السمك والشلولو، بينما تتردد ضحكات نسائية من داخل مبنى صغير طُليت واجهته بلون الطين، وزخرفت أبوابه بنقوش نوبية بسيطة. هنا، يقف مطبخ «أوكرا» شامخًا، لا كمطعم تقليدي، بل كمشروع تراثي نسائي أعاد لمدينة إسنا مذاقها الضائع، وأعاد صوت نسائها إلى المائدة من جديد.

«أوكرا» هو أول مطبخ شعبي تراثي في المدينة، تديره وتشرف عليه ثماني سيدات ماهرات، بعضهن لم يسبق لهن العمل خارج منازلهن.

مسابقة للطبخ التراثي

اختارتهن شركة “تكوين” من بين 39 سيدة تقدمن لمسابقة طبخ تراثي، وخضعن بعدها لتدريب مكثف استمر عامًا كاملًا على أيدي طهاة محترفين، تعلمن فيه فنون الطهي، والتقديم، والنظافة، وإدارة المطبخ كمشروع سياحي حي.

تقول أسماء الجندي، إحدى السيدات المشاركات: “الفكرة بدأت من حبنا للأكل البلدي، ورغبتنا في تقديم شيء أصيل للسياح. مش معقول السائح ييجي من برّه ويأكل بيتزا أو مكرونة. لازم يذوق العدس الإسناوي، والسخينة، وطاجن القرطم، اللي كانت جداتنا بيطبخوهم بحب من غير مقادير”.

الحجز المسبق

لا يعمل المطبخ بنظام المطاعم المعتاد، بل يفتح للحجز المسبق فقط، خاصة للمجموعات السياحية التي تمر على إسنا ضمن جولات الأقصر وأسوان.

تقول أسماء: “كل حاجة هنا بتتعمل في يومها.. العيش بيتخبز، والطواجن تدخل الفرن البلدي. وإحنا بنفسنا بنستقبل الضيوف، نحكي لهم عن الأكلة، ونقدمها لهم بحرارة القلب قبل سخونة الطبق”.

توزيع الأدوار

تتوزع السيدات أدوارهن داخل المطبخ بدقة. كل سيدة تمتاز بطهي نوع معين من الطعام، فمثلا سيدة متخصصة في إعداد الشلولو، وأخرى طاجن البط، وغيرها تعد الخبز وصحن البامية.

وتضيف أم هاشم عبد ربه: “فيه نظام جوه المكان. الشلولو، وهي أكلة صعيدية تصنع من الملوخية الناشفة والثوم والليمون والماء البارد. تحوّلت هنا إلى مفاجأة للسياح، اللي بيسألوا عن سر الطعم رغم بساطة المكونات. وكذلك البامية، أو الويكة كما تعرف هنا، بتبهر الضيوف”.

العدس الإسناوي

أما العدس الإسناوي، فيطهى بطريقة مختلفة تمامًا عما هو معروف في مدن أخرى، ويقدم مع خبز شمسي ساخن يخرج مباشرة من الفرن البلدي.

تحكي فريال عبد الراضي: “أنا كنت قاعدة في البيت، وأول مرة أشتغل في حياتي. شاركت في المسابقة على الفيسبوك، وكنت فاكرة إني مش هكسب، لكن كسبت. وتعلمت حاجات عمري ما كنت أتخيلها، إزاي أشتغل ضمن فريق، إزاي أجهز طبق شكله حلو، وإزاي أشرح للسائحين مكونات الأكلة”.

تجربة حسية متكاملة

السياح لا يأتون فقط لتناول الطعام، بل لخوض تجربة حسية متكاملة. المطبخ مزين بأواني فخارية ونحاسية قديمة، ويجلس الزائرون على كراسٍ خشبية بسيطة، بينما تصدح موسيقى تراثية خافتة من راديو قديم في الخلفية.

تقول أسماء: “فيه ناس بيسألونا على الوصفات وبيصوروها خطوة بخطوة.. إحنا مبسوطين أوي إن فيه ناس بتتعلم أكلنا وتنقله لبلاد تانية”.

تجربة أصبحت حديث المدينة

المشروع، الذي انطلق بالشراكة بين “تكوين” والمجتمع المحلي، لا يهدف للربح فقط، بل لتمكين النساء وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي.

تقول أسماء: “كان زمان أي مشروع يتعمل في المدينة يبقى للرجالة.. دي أول مرة نثبت إن الستات يقدروا، وبشرف، من غير ما يتنازلوا عن عاداتهم ولا يتغربوا عن بيوتهم”.

أثر “أوكرا” لم يقتصر على السيدات العاملات فيه، بل امتد إلى المجتمع ككل. إذ أصبحت التجربة حديث الناس في إسنا، وبدأت نساء أخريات يسألن عن فرص مماثلة.

وجهة سياحية

كما أن المطبخ أدر دخلًا ثابتًا للعاملات فيه. ومع مرور الوقت، من المتوقع أن يتحوّل “أوكرا” من تجربة محلية بسيطة إلى وجهة سياحية متكاملة. خاصة بعد إدراجه رسميا ضمن برامج الزيارة السياحية لإسنا.

توثيق الأكلات التراثية الخاصة بإسنا

يشار إلى أن فكرة المسابقة، التي انطلقت في أغسطس 2023، جاءت بهدف تقديم تجربة سياحية مختلفة في مدينة إسنا. فالسائح، غالبا ما يتناول من القاهرة إلى أسوان نفس الأطعمة التقليدية. دون أن يلمس خصوصية تميز كل مدينة. ومن هنا، جاءت فكرة توثيق الأكلات التراثية الخاصة بإسنا.

لكن المفاجأة أن ما أمكن توثيقه لا يتجاوز عشر وصفات. مما دفع القائمين إلى إطلاق مسابقة موجهة للسيدات لاكتشاف وصفات وأطعمة تراثية كانت مهددة بالاندثار. وبعد جمع عدد من هذه الوصفات غير المعروفة، والتي تتميز بنكهات مختلفة. تقرر إنشاء مطبخ نسائي يقدم المأكولات الإسناوية للسائحين، كجزء من تجربة ثقافية فريدة.

سيتذوق الزائرون أطعمة لا يمكن العثور عليها في أي مكان آخر، مثل الويكة، والقرطم، والعصيدة، والعجمية، وغيرها من أطباق إسنا التراثية.

اقرأ أيضا:

محراث البقر الأخير في العوامية.. «أحمد النجار» يحمي ذاكرة الأرض أمام زحف الجرارات

نحاتان من الأقصر يؤسسان أول مدرسة ومعرض لإحياء فن النحت الفرعوني

«مزرعة الملك فاروق» بطفنيس.. إرث زراعي يتحول إلى كنز إنتاجي في الصعيد

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.