أكرم ألفي يكتب: السير على الخط الرفيع

“يا أكرم أعمل اللي تحبه وأنت مش صغير بس أوعى تبقى من غير هوية”… عندما أتذكر هاني شكر الله أتذكر هذه الجملة التي قالها خلال لقاء بمكتبه في “الأهرام ويكلي” خريف عام 2004. مر اليوم 19 عاما على هذا اللقاء ولكن الجملة تظل مرتبطة في أذني بصوته.

عرفت هاني من بعيد، عندما كنت طالبا في جامعة القاهرة بالتسعينيات كنت أسمع عنه من الشيوعيين المرتبطين بحزب العمال الشيوعي وبالطبع كنت اعتبره “يميني برجوازي” باعتباري الماسك على جمر الحقيقة في اليسار التروتسكي.. فكانت الأسئلة “الصبيانية” حول عمل شيوعي في صحيفة الدولة “الأهرام” والأصول البرجوازية لليسار الانتهازي.. وغيرها من كلمات الصبيانية.

**

بعد سنوات طويلة تعرفت عليه شخصيا في تجمعات، وكانت الصدمة “الطفولية” فهذا الشخص المثقف الراقي لا يمكن أن يكون “يميني برجوازي”.. والموضوع أكبر من كلماتنا الصبيانية.. ومع الخروج من التنظيمات السرية والعمل بالأهرام تعددت اللقاءات البسيطة.. حتى لقاء خريف 2004. وبعد سنوات “الغربة” عدت لأعمل في “ولاد البلد” لأصبح لأول مرة عن قرب من هاني.. ثم تباعدت الطرق.. ولكن ظلت جملته القديمة لا تفارقني.

إن هاني شكر الله بالنسبة لي نموذجا لمحاولة الحفاظ على هوية الشخص وسط مجتمع يعاني من أمراض عضال.. فقط كان متفائلا تفاؤل جيل السبعينيات فقرر السير على طريقه بعيدا عن “قوانين” المجتمع المحنط، فدفع الثمن مع تراجع الحلم ودفعه مرتين.. الأولى هي الصراع المستمر حول هويته “الدينية” والجدل العنيف بين الصحفي العملاق والقلب اليساري.

هاني شكر الله
هاني شكر الله

سار هاني على السلك الشائك طول الوقت بين التفاؤل والإحباط ولكنه قرر البقاء حيا.. ودفع الثمن وحاول أن يكون سعيدا.. وظل السؤال في عقله هو كيف يحافظ على الخيط الرفيع بين هويته التي يحبها وبين متطلبات النجاح والصعود في مجتمع له قوانينه الخاصة.

أعرف البعض قرر الابتعاد نهائيا والهروب إلى الصومعة، وقرر آخرون التكيف التام مع المجتمع، وكلاهما أعتبر أن منطقه صحيحا.. وأمثال هاني شكر الله قرروا أن يسيروا في الطريق الأصعب.

**

عندما أتذكر كلمات هاني “أعمل اللي تحبه بس أوعى تبقى من غير هوية”.. أعتقد أنه كان يحذرني دون أن يأخذ مقعد “المرشد” من طريق صعب اختبره هو بنفسه.

سيظل هاني بالنسبة لي شخصية جدلية فهو مثلنا إنسان له شقين أحدهما جميل جدا والآخر قد لا تستطيع التعامل معه.. ولكن في النهاية هو شخص نجح أن يصنع بصمة في حياة الكثيرين حتى دون أن يدرك.

في النهاية.. شاءت الأقدار أن “أعمل اللي جزء من اللي أحبه مع فقدان جزء من هويتي”.. هوية ستظل منقوصة حتى إشعار آخر.

اقرأ أيضا:

ملف| أن تكون هاني شكر الله

هالة شكر الله تكتب: أخي العنيد، الصامت، المتأمل

باسل رمسيس يكتب: هاني شكر الله بين لحظتين

أميرة هويدي تكتب: مديري هاني شكر الله

رندا شعث تكتب: كانت فلسطين دائما في قلبه

خالد جويلى يكتب: طرف من خبر بدايات «هاني»

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر