نهلة إمام: بالتراث نحيا ونعمل ونتعامل

«النسيج اليدوي والسيرة الهلالية والتحطيب والأراجوز حتى النخلة» عناصر تراثية تم تسجيلها على قوائم اليونسكو كتراث غير مادي مصري، عبر جهود كبيرة من قبل وزارتي الثقافة والخارجية ووفد مصري ترأسته الدكتورة نهلة إمام، أستاذ العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية بالمعهد العالي الشعبية بأكاديمية الفنون، التي كانت مهمتها الأولى والأصعب إقناع المنظمة بأهمية تلك العناصر.. «باب مصر» يتعرف على قصتها.

الاهتمام بالأنثروبولوجيا

تحكي الدكتورة نهلة إمام عن بدايتها مع التراث، وتقول: تخرجت في كلية الآداب قسم الاجتماع بجامعة القاهرة، وأثناء الدراسة بدأ اهتمامي بالفلكلور ومفهوم الأنثروبولوجيا كعلم ثقافة الناس، فقررت التعمق فيه والحصول على دبلومة بتقدير امتياز.

تتابع: في ذلك الوقت كان يتم إنشاء معهد أكاديمية الفنون، فالتحقت به للحصول على دبلومة أخرى في الأنثروبولوجيا للتعلم على يد أفضل الأساتذة هناك في مختلف المواد وحصلت على الدبلومة بتقدير جيد جدا، وكنت الثانية على الدفعة، فتم تعييني معيدة في الكلية.

ترى إمام أن الأنثروبولجيا من العلوم الهامة والأساسية للتعرف على ثقافة الشعوب والعامل المساعد للوصول إليهم «هو علم شيق وأساسي يقوم على دراسة ثقافة الناس من أجل الناس وهو أسمى الأهداف»، مشيرة إلى أن الدول تستخدمه في التخطيط للاستعمار، فمن خلال فهم العادات والتقاليد والممارسات والتقرب إلى تفاصيل الحياة يأتي اختراق عقلية الشعوب، ومن ثم الأرض، مؤكدة أنه من الضروري أن ندرس هذا العلم من أجل هدف واحد وهو الناس.

رحلة سيناء

أكاديمية الفنون كانت البوابة الأولى والأساسية التي عبرت منها «إمام» إلى العمل الميداني بمجال التراث، فبعد تعيينها معيدة في الجامعة، قرر عميد الأكاديمية حينها إرسالها إلى سيناء لتحضير رسالة الماجستير الخاصة بها، ولكن في ظل افتقار الدراسات ورسائل البحث عنها رفضت في البداية، ولكن العميد أصر على ذلك وكون مجموعة من الباحثين على فريقين أحدهما شمال والآخر جنوب سيناء، ولم يصمد منهم ويستمر في سيناء سوى الدكتورة نهلة.

مكثت «إمام» في العريش مع قبائل البدو هناك، فتقول عن هذه الفترة: تطرقت خلال عام كامل لأغلب العادات والتقاليد السيناوية، وظللت أترقب بصمت حتى عثرت على قبيلة ذات عادات ووضع مختلف عن أغلب القبائل هناك، ومنها قررت إعداد رسالة الماجستير وحصلت عليها بامتياز، ومن بعدها رسالة الدكتوراه التي كانت عن حي الجمالية ودراسة أشكال العلاقات الاجتماعية التي تظهر في التهاني في المناسبات المختلفة كالزواج والسبوع.

دراسات مختلفة

تذكر «إمام» أن اكتشاف الأشياء الجديدة من كل جديد ومعروف هو الهدف من جميع دراساتها، فتقول: دراسة الفلكلور في المدينة بحاجة إلى الاكتشاف المتعمق والتطرق إلى كل ما لم يتناول في الدراسات ويظل بعيدا عن دائرة الضوء، ودائما أثق أن هناك جانب جديد ومختلف في جميع العادات والتقاليد والعناصر غير المادية في التراث، فمثلا العادات المتبعة في الزواج تبدو معروفة لدي الجميع، إلا أن هناك عنصر لم يتطرق له الكثير وهو “القايمة” التي تعد اختراع مصري يتحكم بشكل قوي في استمرارية الزواج، ومن هنا جاءت دراستي عنها، ولم أجد لها دراسات من قبل.

وتضيف، أيضا هناك معتقدات بمجتمع الصعيد في إنجاب “التوأم”، وما يحدث لهم أثناء النوم من تحولهم لقطط، وبالتالي هناك إجراءات احترازية متبعة من قبل الأهالي لتجنب ذلك، وعند دراستي لهذا العنصر وجدت أن هناك دراسات أجنبية اهتمت بهذه الظاهرة المعروفة في المجتمع الصعيدي.. وغيره من العناصر، فيظل الفلكلور وثقافة الشعب المصري يحتوي على جوانب وعناصر لم تطأها قدم.

ملف اليونسكو

في عام 2003 وقعت مصر على اتفاقية صون التراث العالمي، التي تتضمن مبادئ عديدة وقوائم مختلفة تهدف إلى لفت انتباه الدول لأهمية التراث غير المادي والذي يظل بعيدا عن الأنظار والضوء، وأيضًا إبلاغ الشعوب بوجود قيمة حقيقة تسمى التراث غير المادي بعيدا عن التراث الملموس، وبأن ما نمارسه ونعتقد فيه ونعتاد عليه ونتجنبه ونتقرب إليه كميراث مأخوذ من أجدادنا هو عالم بالكامل يسمى التراث غير المادي.

وتطالب الاتفاقية الدول بحصر العناصر والتعرف على حالتها سواء كانت في حاجة إلى ترويج أو مهملة أو بحاجة إلى صون وغيره.

وفي عام 2016 طلبت وزيرة الثقافة من الدكتورة نهلة الذهاب إلى اليونسكو والرد على الاعتراضات التي جاءت على رفض تسجيل ملف التحطيب المصري لعدم إتمامه العناصر الخمسة الأساسية التي كانت تنص عليها الاتفاقية، وبالفعل نجحت «إمام» في إقناع المنظمة وتسجيل التحطيب على قوائم اليونسكو كتراث مصري، لتكون تلك الخطوة الأولى لها في مرحلة عملها مع اليونسكو.

أما المهمة الثانية، فكانت عن ملف الأراجوز، الذي ساهمت أيضًا في تسجيله على قوائم الصون العاجل بالمنظمة، ثم ملف النخلة، حيث شاركت مصر مع 14 دولة في ملف الممارسات والمعارف المرتبطة بالنخلة، سواء كانت الأغاني أو العادات أو التمور ومكانة الشخص المالك للنخل، ومن بعد تسجيل النخلة جاء النسيج اليدوي، من خلال الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية، ووقع على عاتقها عرض العنصر بكل تفاصيله في دقائق محددة على أعضاء اللجنة الدولية بالمنظمة أون لاين، ونجحت في ذلك وتم تسجيل النسيج اليدوي كتراث مصري.

وتشير أستاذ العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية إلى أنها الأولى التي أدخلت مصطلح المعارف الشعبية في الجامعة، حيث إنه في عام 2008 تم تدشين أرشيف الفلكلور ومقره بيت السحيمي بإدارة الدكتور أسعد نديم وأحمد مرسى، وطلبا منها العمل معهم، فبعد البحث داخل الأرشيف اختارت إنشاء قسم المعارف الشعبية وللمرة الأولى يدخل هذا المصطلح في الدراسات المقررة في أكاديمية الفنون.

استغلال الدراسات

تؤكد «إمام» أهمية استغلال الدراسات في عملية التنمية المستدامة من قبل الدولة، إذ يوجد آلاف الدراسات في مصر إلا أنها غير مستغلة، منوهة بضرورة التعاون مع وزارة الثقافة في التعرف على الدراسات التي تمكن الدولة من الوقوف على نقاط القوة لدي كل منطقة تسعى إلى تطويرها، والعمل على الوصول إلى بدائل وحلول تعمل لتعديل القيم المتسببة في تأخر الدولة والعكس في حالة القيم الأصلية التي بحاجة إلى نشرها وتأصيلها في المجتمع.

اقرأ أيضا

هيئة اليونسكو تسجل الأراجوز ضمن قائمة الصون العاجل للتراث الثقافي غير المادي

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر