من الأدب الفرعوني| الأشجار تبوح بالحب.. مقتطفات من الشعر الغزلي

بلغت براعة الشاعر المصري القديم في كتابة قصائد الحب إلى الحد الذي جعله يشكل صورا شعرية مغايرة للمألوف، لتأتي كلمات الحب والغزل على لسان الأشجار وكأنها تشعر بما يشعر به المحبون وتقاسمهم تباريح الهوى وشكوى الغرام، وهو ما عبر عنه الشاعر في بعض قصائده بـ“مرض الحب”، بحسب ما أورد الدكتور سليم حسن في كتابه الأدب المصري القديم في جزئه الثامن عشر والذي أفرده للحديث عن الشعر والمسرح.

ويشير حسن، إلى بردية تورين (1966) والتي تعود الى عصر الدولة الحديثة (1200 ق.م)، والتي حوت قصائد حب أبطالها أشجار البستان الذي تحضر إليه الحبيبة ابنة البستاني الكبير، ويتخيل الشاعر المصري القديم حوارا يدور بين الأشجار يحاول كل منها أن يثبت أنه الأفضل في خدمة وتهيئة الجو المناسب لها لمقابلة الحبيب، وبحسب النص تفتتح شجرة الرمان الحديث وتفاخر بأنها مكان اللقاء بين الحبيبين.

الرمان يفاخر

فتح الرمان ثغره وقال: بذوري مثل أسنانها
الأخت تقضي اليوم مع أخيها تحت أفرعي
يحتسون عصير الكرم ونبيذ الرمان
أنا الأفضل بين أشجار البستان
فثماري دائمة في كل الفصول

التين يحتج بـ”الحب”

ويتابع حسن، فترد شجرة التين على شجرة الرمان قائلة:

ما أجمل أطاعة سيدتي
وهي سيدة بحق
لو لم يكن لها خدم
سأكون عبدة لها
لأني جلبت من أرض خارو (سوريا) كهدية حب

الجميزة تنادي

ويلفت حسن في كتابه، إلى أن شجرة الجميز تتدخل في الحوار معددة مزاياها المتعددة، والتي تجعل منها مكانا مثاليا للقاء الحب والمحبين من ظل وافر ونسمات معطرة، فتنادي على الحبيبين بأن يسرعوا لاقتناص اللحظة والجلوس تحت أوراقها الحانية:

وفتحت شجرة الجميز فاهها لتتكلم
صوتها مثل العسل السائل، جميلة هي
أغصانها مثل الفيروز، خشبها مثل خزف
تجذب الهائمين،ظلها بارد النسمات
وترسل رسالة مع خادمة ابنة البستاني الكبير
تدعوها أن تسرع إلى معشوقها، تقول:
“هيا ” اقض لحظات بين العذارى
البستان في أزهى حلة، وتحتي خيمة وظلة

 شجرة العفة

وتختتم شجرة العفة (كف مريم) المباراة الشعرية، لتلمح إلى سعادتها حين يحضر العاشقان إلى البستان، وتوجه حديثا للحبيبة معتبرة نفسها أختا لها فترد قائلة:

أصبح عظيمة في حضورهم
أنا أختك الأثيرة
أنا مثل حديقة زرعتها بأشجار الحور
وكل أنواع العشب فواحة الأريج
يدي في يدك وقلبي يرتعد من النشوة
وقلبي يطير ويحلق

والشاعر في هذه المقطوعة مزج ما بين شجرة العفة والحبيبة في رمزية إلى الحب العفيف، مضيفا أن الشاعر المصري القديم كان حريصا بشكل عام على عد الإفصاح العلني عن علاقة الحب وإحاطتها بالكتمان، منوها باستبدال كلمة الحبيب والحبيبة بالأخ والأخت، فضلا عن اللجوء إلى عرض كلمات الحب على لسان الأشجار في بعض القوالب الشعرية.

هوامش

  • كتاب “الأدب المصري القديم”، الجزء 18 (ب يدي اف)، سليم حسن، الهيئة العامة للكتاب 2000.
  • الصورة الرئيسية المستخدمة في الموضوع رسم لمنظر لفتاة تحت شجرة الجميز بمقبرة منا، المصدر: كتاب الحياة الجنسية بمصر القديمة (ب يدي اف)، ليز مانش، ترجمة: رفعت السيد، جماعة حور الثقافية الطبعة الثانية 2002، ص 91.
مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر