“مدد يا صاحب البلد”.. ماذا تعرف عن الكِندي “القطب الغوث”؟
“مدد يا سيدي جلال يا صاحب البلد” هتاف يرتبط بالشيخ جلال الدين الكندي، ولي الله الصالح، المشهود له بالكرامات، حتى قرر أهالي دشنا منذ زمن طويل ربط الاحتفال بمولده باحتفالهم بمولد النبي.
الشيخ جلال الدين الكندي هو أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الكندي، المشهور بالشيخ جلال الدين الدشناوي، وترجع تسميته بـ”صاحب البلد” إلى أن ضريحه هو الأقدم في دشنا، بحسب روايات الأهالي.
مقام الكندي، يتوسط الجبانة القديمة في منطقة “الشق الفوقاني” بعزازية دشنا، ويعد الاحتفال بمولده واحد من أكبر احتفالات دشنا، هذه المدينة المولّهة بالأولياء، العاشقة لأحباب الله.
يا لائمي كف عن ملامي
الإمام الأدفوي (1286- 1347) يذكر في كتابه الطالع السعيد (أحد أهم الكتب التي أرخت لعلماء الصعيد) أن الكندي كان إماما عالما فقيها أصوليا زاهدا ورعا، ولد سنة خمس عشرة وستمائة بدشنا من صعيد مصر، وسمع الحديث من الفقيه بهاء الدين ابن الجميزي، والحافظ عبدالعظيم المنذري، والشيخ مجد الدين القشيري، والشيخ عز الدين بن عبد السلام.
يتابع الأدفوي: تفقه وتأصل وقرأ الأصول على الشيخ شمس الدين الأصفهاني، شارح المحصول، حين كان حاكما بقوص، وقرأ النحو على الشيخ شرف الدين المرسي، وانتهت إليه رياسة المذهب الشافعي بمدينة قوص.
تبحّر الكندي في علوم الدين، والنحو واللغة، وعلوم القرآن والتفسير، وينسب له شعر لطيف، متوسط الجودة، فلم يكن عالمنا شاعرًا، بل كان من الذين كرسوا حياتهم لعلوم الدين.
يا لائمي كف عن ملامي / عن انعزالي عن الأنامِ
إن نذيري الذي نهاني / يخبر حالي على التمامِ
رأى مشيبي ووهن عظمي / قد أدنياني من الحِمامِ
رأى العلماء أن الكندي من الأبدال، لشدة ورعه وتقواه، و”الأبدال” كما يعرفها قاموس المعجم الوسيط: أنهم قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم، فإذا مات واحد أبدل الله مكانه آخر.
ويذكر الأدفوي أن الشيخ جلال الدين توفي ودفن بقوص سنة 677 هـ، وكان يوافق يوم إثنين في مستهل شهر رمضان، ودفن بالقرب من شيخه القشيري خارج المقابر.
وبحسب ما يذكره الأدفوي فإن المدفون بالضريح الحالي بدشنا الأرجح أن يكون ابنه تاج الدين محمد، الذي كان من تلامذته أيضًا، منهم الأدفوي نفسه صاحب كتاب الطالع السعيد.
سيدي جلال حاضر
حسين زغلول، خادم ضريح الشيخ جلال أن أكبر كرامات الشيخ هذا المولد هو حضوره معنا ، بحسب قوله.
الضريح لم تجر له أية تجديدات منذ أكثر من 35 عامًا، وفجأة بدأ الجميع يتسابق للتبرع من أجل إحلال وتجديده، وخلال فترة قياسية لم تزد عن شهرين تزين الضريح وتجمل استعدادا للمولد.
يروي زغلول واقعة حدثت في الثمانينيات، حين تسلل لصوص إلى الضريح وسرقوا مراوح السقف وباعوها، وعندما جربها المشتري في منزله لم تعمل، فاستدعى “كهربائي”، فأكد له الأخير أن المراوح كلها في حالة جيدة، وجربها أمامه، وما إن غادر “الكهربائي” حتى تعطلت المراوح مرة أخرى.
بعد عدة مرات استدعى فيها الرجل “الكهربائي” قرر أن يعيد “المراوح” ويسترد نقوده، يتابع زغلول: بعد فترة رأيت هؤلاء الأشقياء يهذون في الطرقات بتفاصيل السرقة، وبعضهم كان يجري بالشارع بنصف ملابسه، فافتضح أمرهم.
علي عطيتو، نقيب ضريح الشيخ جلال، يقول إن حضور الشيخ جلال الأبرز يكون أثناء انعقاد حلقات الذكر، إذ تأتي إشارات من بعض الدراويش أنهم شاهدوا الشيخ جلال حاضرا داخل حلقة الذكر، بحسب ظنه.
ويروي محمد عبد الدايم، صوفي، أن صندوق النذور الخاص بالضريح تعرض لأكثر من مرة للانتهاك والكسر، وفي كل مرة نجد القفل مكسورا، والنقود كما هي دون لم ينقص منها شيء، معتقدًا أن اللصوص تنتابهم حالة رعب من صاحب المقام فيولوا هاربين.
الحقني يا سيدي جلال
محمود محمد، متصوف رفاعي، يقول إن جلال الكندي معروف بين بأنه “صاحب البلد”، لأنه لو تعرض أحد إلى أي ضائقة ونادى على الشيخ جلال “أدركه اللطف”، بحسب قوله.
ويسرد محمد تفاصيل كرامة حدثت معه في الستينيات حين كان عمره لا يتجاوز الثانية عشرة وكان عائدا في ساعة متأخرة من الليل وأحس أنا شخصا ما يطارده، فنظر خلفه فإذا هي امرأة كريهة المنظر، وتنادي عليه بصوت مرعب.
يتابع: أدركت أنها شيطانة فصحت بـ”علو صوتي”: الحقني يا سيدي جلال، فجأة رأيت شخصًا طويل القامة يرتدي بذلة كاملة لونها أزرق، ويشير بيده قائلًا: لا تخف، هكذا يروي محمد قصته مع القطب الغوث.
*روايات الأهالي عن الشيخ كثيرة، ويعتقدون أنه القطب الغوث، وأنه حاضر معهم.
اعتمدنا في ترجمة الشيخ جلال الدين الكندي على:
1-كتاب الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد- للإمام لأدفوي- من ص 80 إلى ص 85 .
كتاب طبقات الشافعية الكبرى-للإمام السبكي- الفصل 1047
تعليق واحد