في معرض «باب مصر» عن حسن الشرق.. فنانون: تجربته تستحق مدرسة فنية خاصة
تحت عنوان «الفن الفطري: قراءة في تجربة حسن الشرق»، ناقش فنانون مسيرة الفنان الراحل حسن الشرق ضمن معرض «أساطير حسن الشرق» المستمر حتى 18 يناير الجاري ببيت السناري. المعرض من تنظيم موقع «باب مصر» التابع لشركة ولاد البلد للخدمات الإعلامية، وشارك فيه كل من د. محمد عرابي، عميد كلية الفنون الجميلة في الجامعة المصرية الروسية، والفنان مهاب عبدالغفار، وأدار اللقاء الفنان طارق مأمون.
بداية الرحلة
في البداية، استرجع د. محمد عرابي، ذكرياته الأولى مع الفنان حسن الشرق، وقال: “في عام 1985، بدأت تجربتي الشخصية مع المنيا وتركزت حول حسن الشرق، الفنان المبدع. كانت البداية عندما بدأ التفكير في إنشاء كلية للفنون الجميلة في المنيا، وكنت شاهدًا على فترة معينة من تلك الفترة التي كانت لها أبعاد عديدة، ومحورها الفنان حسن الشرق”.
وتابع: التقيت حسن في قسم الدراسات الحرة، حيث كان لدي تلميذ يدعى محمد عبدالمنعم في الدفعة الأولى. وقد قدم لي فنانًا فطريا يرغب في الدراسة معنا. التقيت بحسن واستمعت إلى عمله، وعلى الرغم من صغر سننا وعدم خبرتنا، إلا أن أعماله وطاقته التعبيرية أثرت علي بشكل شخصي وفكري.
كان هناك أستاذ يدعى صبري منصور، ويتذكر أن حسن قد طلب منه أن يعلمه. وقال له عرابي إنه يجب أن يكون في مسار نطمح للوصول إليه، أي أنه سيلتحق بالدراسة في إطار الأكاديمية ونظل ملتزمين بها، ومهما حدث، سنحاول أن نستمر فيها.
ويضيف عرابي: “لم يوافقني حسن على رأيي، وقلت له إنني سأتواصل مع الدكتور صبري منصور، وتركت القرار له. والحقيقة أن صبري انبهر بعمل حسن بشكل كبير”.
في ذلك الوقت، كان هناك اهتمام عالمي بالفنون الفطرية، وذكر له اسم الفنانة الألمانية أورسولا، التي قدمت إلى القرية لمشاهدة أعمال حسن الشرق، وكانت بوابته لعرض أعماله وبيعها خارج مصر. كما كان هناك اهتمام بالفنون الأصلية، وهي فنون الشعوب. وكانت أورسولا تشغل منصب مديرة صالة حسن رجب في الجيزة.
ويستكمل: “عقد الدكتور صبري اجتماعًا معنا في شبرا، ومنذ ذلك الحين بدأت مسيرة حسن تأخذ مسارها العالمي، أصبح حسن الشرق جزءًا من حياتنا، وكان يحظى بدعم واحترام حاتمي وحماية. أثناء رسمه للمناظر الخارجية، كان الأهالي يشكون وجود الفتيات معه، وهذا يبرز دور حسن الشرق في المجتمع واعتقاده بثقافته ومجتمعه”.
الفنان المقيم
ويردف أستاذ الفنون الجميلة: ثم جاءت حالة الجذب التي لا يمكن لأحد أن يكررها. وفي وقت ما، اقترحت فكرة تنفيذ مشروع الفنان المقيم، وأنا كنت صاحب الفكرة الأصلية، وأكد الدكتور حمدي عبدالله على هذه الفكرة. وذلك لأنه كان هناك حاجة إلى مساحات لممارسة وتعلم الفنون في المناطق المهمشة في مصر، التي لا تزال تحمل الطابع المصري الأصيل.
وعلى حد وصفه يجب أن يتواجد فنانون وأن يتم تعزيز التنمية الثقافية من خلال التفاعل والتبادل بين المبدع ومحيطه، لأنه لا يوجد فنان مصري لم يسعَ عن أصل التجربة الفنية. ويعد حسن الشرق الأساس في هذه التداعيات، فهو ليس مجرد شخص واحد، بل هو نظام ثقافي محلي يعشق مصر.
ويقول: “أنا أؤمن بأن الفن الإلهي يوقظ فينا رغبات ومسارات جديدة، وحسن الشرق هو قيمة مصرية نحتاج إلى إحيائها، لأرى فيها نظرة جديدة، ومن خلالها نتمسك بتراثنا وندرك من خلالها من نحن. في بداية القرن، كان هناك بحث عن الهوية المصرية وقد غير ذلك مسار الحركة الفنية والثقافية”.
وتساءل الفنان التشكيلي طارق مأمون قائلا: “هل الحضارة التي نحياها الآن حضارتنا بالفعل أم هي انعكاس رؤية الغرب لحضارتنا؟”.
رمزية حسن الشرق
وتحدث الفنان مهاب عبدالغفار عن إحدى القصص التي سردها حسن الشرق في وقت سابق. وتتعلق هذه القصة بدعوته للتدريس في جامعة في الولايات المتحدة مع مجموعة من الطلاب. حيث طُلب منهم رسم عارضة عارية. وقد برع الطلاب في تطبيق المفاهيم الأكاديمية وتقنيات الرسم الدقيقة في لوحاتهم. ولكن مفاجأة الجميع كانت عندما قدم حسن رؤيته المختلفة للمرأة.
في لوحته، قسم حسن جسد العارضة إلى ثلاثة أجزاء، ورسم الجزء الثاني والثالث بشكل يشبه شجرة تنمو من جسدها، وتتدلى الثمار منها بجوار الجزء الثاني، ولم يرسم العارضة عارية كما هي، بل وضع أوراق شجر تغطي مناطق العورة. وعندما سألوه عن سبب رسم الفتاة بهذه الطريقة، أجاب قائلا: “أنتِ مصدر الكون والحياة، ولذا قررت سترك”.
تأتي هذه الفكرة الفنية من خلال الوعي المكتسب عبر طبقات مختلفة من الوعي وروح المكان الذي نشأ فيه الفنان في زاوية سلطان بالمنيا. إن هذا المكان متنوع للغاية من حيث المباني والتراث التاريخي، ويعتقد الفنان أنه استحضر هذا التراث المعرفي طوال الوقت في أعماله، كما لو أنه تراكم معرفي غير مقصود، وظهر ذلك تلقائيًا كروح عمله.
وشدد عبدالغفار على أهمية الجانب الإبداعي في عمل الفنان، حيث تتميز صياغته الفنية بأسلوب فريد ومختلف عن زملائه الذين اعتمدوا على التوجه الشعبي.
يقول: “تتميز هذه الصياغة الفنية بخصوصيتها الفريدة سواء في اللون أو الشكل، وتتطلب منا تحليل أعمال الفنان واستكشاف الجماليات البصرية المتنوعة والتأمل فيها، مما يضيف قيمة إضافية للتجربة الفنية. ولا يقتصر المقصود هنا على الجانب الثقافي فحسب، بل يتعلق أيضًا بالجانب البصري، حيث نحتاج إلى فهمه”.
الاستلهام من الرواية
أعطى مهاب وجهة نظر جمالية جديدة تختلف عن الفن الأكاديمي، حيث ترتبط بحالة المكان والتقاليد. كما يتعلق الأمر أيضًا بكيفية استلهام الشكل من الرواية.
ويقول: “جزء من عمله يستلهم الرواية والرسم عن طريق الرواة، مثل رواة السيرة الذاتية وغيرهم، وينقل الرواية من الحالة الصوتية إلى الحالة البصرية. من الصعب التعبير عن هذه الفكرة بشكل أكثر مصداقية مما رسمه حسن الشرق، الذي يجمع بين الشكل والعلاقة بالحالة الصوفية. بفضل هذا الأسلوب، يمكن من خلاله نقل الحالة الصوتية إلى الحالة البصرية، وهذا ما جعل أعماله فريدة وحيوية، وتتضمن كل عمل حركة دون الحاجة إلى دراسة أكاديمية متخصصة”.
ويصف أعماله بأنها في حالة ديناميكية واضحة في كل لوحة من لوحات حسن الشرق. استخدم الفنان الألوان بحذر، دون بزخ أو تفاوت كبير، مما يشير إلى حالة الزهد. كما اختار ألوانًا هادئة وغير صارخة، تعكس هدوءًا وتجنبا للإفراط في اللمعان الزائد والصاخب. ونتيجة لذلك، يمكننا أن نجد في أعماله جوًا نقيًا برأيي الشخصي.
حسن الشرق بين الفطرية والشعبية والأكاديمية
أثار فنان جنوب الوادي عادل كميلة، العديد من التساؤلات حول نجاح حسن الشرق وإبداعه. إذ يواجه مشكلة حقيقية في المصطلح أو التصنيف الصحيح لأعمال الفنان الراحل حسن الشرق، وهو ما يؤدي إلى تكوين تصورات مختلفة.
وبدأ بالنقاش حول مفهوم “حسن الشرق” وكيف اشتهر بهذا اللقب ومن أين جاء. إذ نشأ هذا المصطلح في ألمانيا من بعض المعجبين بالتجمعات الثقافية الشرقية، وهو ما أثار صراعًا حقيقيًا بين الشرق والغرب.
ويوضح كميلة، أن التصنيف بين “الشعبي” و”الفطري” هو تصنيف خاطئ لأعماله. فالفن الشعبي يتبع قوانين صارمة، ولكن الفنان الإبداعي لم يلتزم بهذه القوانين بل تجاوزها. وأحد الأمثلة على ذلك هو بيكاسو الذي اعتمد على فنون إفريقية في أعماله، حيث استوحى المضمون وليس فقط الأشكال. وهذا ما فعله حسن الشرق، حيث لم يقتصر على استيعاب أشكال الفن الشعبي. بل استطاع استغلال مضامينه وتوظيفها لإنتاج أعمال فنية متميزة وفريدة من نوعها.
الفطرة والمعرفة الحياتية
واستكمل الفنان عادل كميلة حديثه حول مفهوم الفطرة والمعرفة الحياتية. مشيرا إلى أن الفطرة أو الفطرية تعبر عن المعرفة التي يكتسبها الإنسان من خلال تجاربه وأعماله في الحياة. وتتناقض في بعض الأحيان مع المعرفة الأكاديمية.
وأوضح كميلة أن الصراع بين المعرفة الأكاديمية والمعرفة الحياتية يشكل جزءًا من عمله الفني. حيث يستلهم الإلهام من الرواية والفنون الجميلة، ويعبّر عن الحس الصوفي من خلال أعماله. وأشار إلى أنه يتركز على مواضيع الخير والحب والجمال والصدق في أعماله، ويركز على القيم الحقيقية التي تكمن وراء الظاهر.
وتحدث كميلة أيضًا عن تجسيد المرأة في أعماله الفنية، وذكر أنه استجاب لطلب برسم القيمة التي تمثلها المرأة. وأضاف أن هذا الأمر يمثل التركيز الحقيقي على المفردات الحياتية للمرأة، مثل البجعة والبطة والإوزة والقطة. وأوضح أن شخوص أعماله مليئة بالمعرفة الحياتية والتعلم الذاتي، واستلهم هذه العناصر عند رسم سلسلة لرحلة المسيح.
من جانبه تحدث د. محمد عرابي عن هذه الإشكالية، وقال: “إذا قلنا فنان شعبي، فإن الفن الشعبي له أنماطه الخاصة في الفطرة والموضوعات وغيرها. وإذا وصفناه بأنه فنان فطري، فهذا الوصف غير صحيح، لأننا نرى أنه حصل على تعليم، ولكنه تعلم بنفسه. ومع ذلك، يوجد توافق كبير بين أسس عناصره وعلاقاتها ورؤيته، والتي اكتسبها من الثقافات التي تعامل معها”.
ويضيف: “لقد عشنا “ليل القرية” الملهم الذي لم يعد موجودًا الآن، والذي يجعلنا نرى الأشياء كما يراها حسن ويجسدها في لوحاته”.
فيما قال الفنان مهاب عبدالغفار: “يوجد جانب خاص يتعلق بعملية الرسم الشعبي. حيث يستحضر الفنان حالة الطفولة أو البساطة. ومع ذلك، هناك فرق كبير بين الاستحضار والتعلم والتدريبات الأكاديمية، وبين أن الفنان يعبر بروحه عن الموضوع والشكل. ونرى العديد من تجارب الفنانين الشباب التي تستحضر حالة الطفولة والتعبير التلقائي. ومع ذلك، هذه التجارب قد تواجه بعض التحديات وتفتقر إلى النقاء وتصبح مصطنعة.
ومن الممكن أن نستفيد من تجربة حسن الشرق، حيث يتميز بالصدق والواقعية واستحضار حالة من روحه. مثل الحالة الصوفية، حيث يتميز بالصفاء التام قبل التعامل مع الشكل. وهنا يتعلم الفنانون أن التعبير التلقائي هو ما يجلب النقاء والأصالة للعمل الفني”.
اقرأ أيضا:
اليوم.. افتتاح معرض «أساطير» حسن الشرق.. وندوة عن الفن الفطري