في مثل هذا اليوم.. ميلاد نجيب محفوظ
“قصر الشوق” و”السكرية” و”ميرامار” و”اللص والكلاب”.. الخ الروايات التي خلدت اسم الأديب العالمي نجيب محفوظ، وجعلت منه أعظم روائيي القرن العشرين، ليس في الوطن العربي وحده بل في العالم أجمع، ليحوز في ثمانينيات القرن الماضي جائزة نوبل في الآداب.
وفي مثل هذا اليوم الإثنين، الموافق 11 ديسمبر 1911، ولد نجيب محفوظ، ومن الغريب أن يتوافق تاريخ اليوم مع تاريخ ميلاده منذ 116 عاما.
حي الحسين
نترك محفوظ يتحدث عن نشأته، التي سردها في مذكراته، التي عرضها وعلق عليها رجاء النقاش في كتابه “صفحات من مذكرات نجيب محفوظ”، حيث يشير “محفوظ” إلى أنه ولد في حي الحسين، وأن أكبر متعة كان يحظى بها هي زيارة ضريح الحسين، ويصف “محفوظ” ارتباطه بالحي بحنين العشاق الذي يصل لحد الألم، ويلفت إلى أن ذلك الألم لم يهدأ إلا بعدما كتب عن الحي، وحتى بعد أن اضطرت الأسرة للرحيل إلى حي العباسية، يؤكد محفوظ أن متعته الروحية كانت في زيارة الحسين، ولعل سبب تعلقه بالحسين نابع من والدته، التي وصفها الأديب العالمي بأنها سيدة أمية ولكنها كانت مخزنا للثقافة الشعبية، وكانت تعشق سيدنا الحسين وتكثر من زيارته، أما والده فيقول عنه: أنه كان (سميعا) لأغاني المنيلاوى وصالح عبد الحي، وكان من أنصار حزب الوفد ويعتقد “محفوظ” أنه ورث حب الوفد من أبيه.
كان ترتيب نجيب محفوظ بين أخوته الأخير، وكان أصغر أشقائه أكبر منه بـ15 عاما، ولذلك يقول محفوظ في مذكراته أنه كان يعاني حرمان الأخ بالرغم من تعدد أخوته، ويعتقد الدكتور محمد عبيد الله في دراسته النقدية حول محفوظ أن شعور الحرمان الذي عاناه محفوظ في طفولته انعكس في شخصية كمال في الثلاثية.
الفلسفة والأدب
التحق محفوظ بجامعة القاهرة لدراسة الفلسفة في عام 1930، وفي عام 1932 ظهر اسمه لأول مرة على غلاف كتاب مترجم بعنوان “مصر القديمة” الذي ألفه الانجليزي جيمس بيكي، إذ إنه في تلك الفترة كان شغف محفوظ أن يسجل تاريخ مصر في شكل قصصي، لذلك -وكما يعتقد الناقد الدكتور عبيد الله- كانت باكورة إنتاجه الأدبي تتعلق بتاريخ مصر ليكتب تباعا “عبث الأقدار” في 1939 و”رادوبيس” في 1943، و”كفاح طيبه” في 1944، وكان “محفوظ” يسعى لإعداد رسالة الماجستير في الفلسفة، إلا أن حبه للأدب جعله يكتفي بالوظيفة الحكومية ليعين في وزارة الأوقاف ومنها وزارة الثقافة، ليتفرغ لمشروعه الأدبي الكبير، الذي كان – على حد وصف النقاد – منصبا على مصر، راصدا لتاريخها وثقافتها، متنقلا ما بين التاريخ القديم والحديث والمعاصر، راصدا للمتغيرات وتأثيراتها على الشخصية المصرية في معظم رواياته التي تميزت بدقة تصوير ورسم الشخوص، كما أنها أظهرت عمق ثقافته التي ارتبطت بنشأته في قلب الحارة المصرية.
الواقعية السحرية
وينتقل “محفوظ” من مرحلة التركيز على بناء الشخصيات إلى المكان، ليتحول المكان إلى بطل الرواية الذي يؤثر في تطور الشخصيات ويخلق صراعا دراميا بينهم، ويتجلى ذلك في روايته “زقاق المدق”، الذي كان زقاقا ضيقا يكاد يكون معزولا عن العالم ولكن في داخله حياة كاملة تخرج من بوتقة الصراع الدائر بين الشخوص وتتأثر بالمؤثرات الخارجية، ليتحول الزقاق إلى حالة إنسانية نابضة بالحياة كأن سحرا قد مسه، وكما يعلق الدكتور عبيد الله في دراسته النقدية عن محفوظ قائلا “إن الرواية حولت القاهرة إلى مدينة عالمية تمتلك سحرا خاصا يضاف إلى سحرها المتجدد”.
أولاد حارتنا و”نوبل”
وقد نال محفوظ في عام 1988 جائزة نوبل عن أربع روايات، كان من ضمنها رواية “أولاد حارتنا” التي كانت استكمالا لمشروعه الروائي الذي سجل في تاريخ الفتوات، في “ملحمة الحرافيش”، غير أن “أولاد حارتنا” تحديدا أثارت صخبا وضجة حين نشرت، خصوصا وأن “نجيب” في وقتها كان منقطعا عن الكتابة الروائية لمدة 5 سنوات متصلة بعد ثورة يوليو، وقد اتجه خلالها إلى كتابة السيناريو، ويلفت محفوظ في مذكراته إلى أن حمدي الجمال أقنعه بنشر الرواية في حلقات بجريدة الأهرام، لتقوم الدنيا ولا تقعد، بعد نشر خبر بجريدة الجمهورية يطالب فيه أدباء بمنع نشر القصة وتقديم محفوظ للمحاكمة، ليتصدى “هيكل” للدفاع عن محفوظ ويصر على نشر الرواية كاملة، وتتجدد الأزمة من جديد في عام 1988 حين يحصل محفوظ على “نوبل” ولكن هذه المرة بشكل أعنف، إذ يعلن عمر عبد الرحمن، السلفي المتطرف، إهدار دم نجيب محفوظ بدعوى أنه تجاوز في حق الذات الإلهية، وأساء إلى أنبيائه، متهما إياه بالخروج عن الدين الإسلامي، وكان من نتائج ذلك أن تعرض محفوظ لمحاولة اغتيال فاشلة كادت أن تودي بحياته في عام 1995، ويعتقد الدكتور عبيد الله أن رواية أولاد حارتنا كانت نوعا من “التقية السياسية” التي استخدمها محفوظ بعد صمت طويل عقب قيام الثورة محاولا أن يطرح سؤالا على رجال الثورة ما إذا كانوا يريدون السير في طريق الفتوات أم ستتحول الثورة إلى نظام مدني مؤسسي.
وفاته
توفي نجيب محفوظ في 29 أغسطس عام 2006، أثر أزمة صحية مزمنة، وقد ترك ميراثا أدبيا يزيد عن 70 عملا، تتنوع ما بين الروايات والمجموعات القصصية والسيناريوهات، وترجم عددا من رواياته إلى اللغات الأجنبية بعد حصوله على “نوبل” وكان أبرزها رواية “زقاق المدق” التي ترجمت إلى اللغة الفرنسية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع وأسانيد:
1- صفحات من مذكرات نجيب محفوظ (بي دي إف)، رجاء النقاش، مكتبة بغداد، دار الشروق.
2- نجيب محفوظ: الرواية: شعر النيا الحديثة (دراسة نقدية بي دي إف)، تأليف الدكتور محمد عبيد الله.