عرض لرواية| حرب الكلب الثانية.. لإبراهيم نصر الله

كتب – مارك أمجد

رواية حرب الكلب الثانية للروائي الأردني الفلسطيني إبراهيم نصر الله هي عبارة عن عالم تخيلي بأكملها. فهي تسرد واقعا مكبوتا ينهزم تحت مؤسسة تحكمه تعرف باسم القلعة يرأسها مدير ولها حراس وأعين وقوانين تحكمها. الأمر الذي يحيلنا بطبيعة الحال للرواية الشهيرة 1984 لمؤلفها جورج أورويل التي كانت تدور حول مجتمع يحكمه “الأخ الكبير” وجميع المواطنين مراقبون دوما حتى في بيوتهم بواسطة ما تعرف بـ”شاشات الرصد”، بل إنهم كانوا ممنوعين من ممارسة غرائزهم الطبيعية ومن ضمنها الجنس.
ربما تبدو حرب الكلب الثانية في قراءتها الأولى سهلة الاكتشاف، لكن مع مرور الصفحات والانخراط أكثر في عالمها نكتشف أنها صعبة البناء، خاصة وأن المؤلف تعمد اللجوء لمستقبل تخيلي يشتري فيه الناس تليفزيونات رباعية الأبعاد، وتتحقق أصعب مطالبهم بالبصمة الصوتية، وتصبح هناك إمكانية منتشرة لعمليات الاستنساخ التي تكسب فلانا هيئة علان بمنتهى المرونة وبتكلفة شبه معقولة. بل الأنكى أن مثل هذه العمليات تصبح في متناول البشر العاديين وليس فقط الرؤساء الموضوعين على قائمة الاغتيالات. ومثل هذا المستقبل الذكي يحيلنا بدوره لأعمال سينمائية غربية تناولت الخيال العلمي من ضمنها مثلا الفيلم الشهير من إخراج ستيفن سبيلبرج A.I. Artificial Intelligence 2001 وهذا طبيعي جدا نظرا لثقافة إبراهيم نصر الله السينمائية الطاغية على النص طوال فصوله.
تدور الرواية حول أربع شخصيات رئيسية هم راشد (سجين سياسي سابق تعرض للتعذيب في سجون القلعة)، وزوجته التي لا تضاهيها امرأة في جمالها، وأخيها الضابط الذي أشرف على تعذيب راشد يوما ما، وأخيرا سكرتيرة مكتب راشد التي يخون زوجته معها، رغم تعلقه بالأولى لدرجة تدفعه أن يجري عملية استنساخ للسكرتيرة بحيث تصير مماثلة لزوجته تماما، كي لا تفارق عينيه أينما ذهب، حتى وهو يخونها. الأمر الذي يساعده أيضا على مسايرة نزواته دون أن يكتشفها أخو زوجته الذي يترصد حركاته دوما.
ونلاحظ أن الكاتب لا يهتم بالعلاقات الإنسانية بين شخصياته بقدر ما يستخدمها لتكميل عالمه الكابوسي السوداوي. ولا يهتم أيضا بالمسميات فنجده يلجأ للمجرد منها مثل: القلعة، المدير، الضابط، الحراس… إلخ. واستكمالا لبناء عالمه الخاص يبتدع مصطلحات خاصة به فنجده يخترع وحدة بصر جديدة في هذا المجتمع الذي يراقب بعضه بعضا، وهذه الوحدة تقدر باسم “البوم” مثل أن نقول هذا الشخص قوة نظره 6 بوم.
أما حرب الكلب الثانية فهي حرب فعلا تنشأ بسبب خلاف على عملية بيع كلب، والتزاما بالخط الوثائقي الذي التزمه المؤلف طيلة العمل يكشف لنا عن حرب قامت بنفس الاسم فعلا بين اليونان وبلغاريا عام 1925 مؤكدا أن التاريخ لا يعيد نفسه بل البشر هم الذين يكررون الأخطاء عينها.
في رأيي أن الرواية ليست قيمتها في نفسها، ولم تأخذ جائزة البوكر في دورتها الأخيرة اعتباطا، بل لأنها تعكس توجهات الأدب في الشرق الأوسط إبان الفترة الأخيرة، وهو أدب خاضع للاتجاه الكابوسي التشاؤمي (أو ما يعرف بالديستوبيا) بشكل لا مناص منه (راجع رواية عطارد للكاتب المصري محمد ربيع والتي رُشحت للبوكر هي أيضا الدورة قبل الأخيرة).
إبراهيم نصر الله شاعر وروائي فلسطيني مولود عام 1954 في عمان، لكنه عاش طفولته في مخيمات اللاجئين بالأردن. بدأ حياته المهنية كمعلم ثم تفرغ للكتابة عام 2006. من أشهر أعماله: زمن الخيول البيضاء وقناديل ملك الجليل وطيور الحذر، ويعد ثاني فلسطيني يحصد البوكر بعد ربعي المدهون عن روايته مصائر. وقد علقت لجنة التحكيم يوم منحت نصر الله جائزتها بأن روايته تناولت تشوهات المجتمع بأسلوب غرائبي عجيب.
الرواية صادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون طبعة أولى 2016 في 345 صفحة.
مقتطف من الرواية
كانت البلد قد استسلمت لتلك القاعدة التي يمكن وصفها بالفاشية، من ليس معي فهو ضدي، لا بعبقريتها، وإنما باعتبارها جزءا من هذا العالم المحيط بها، العالم الذي غدا أشبه بقربة، لا بقرية، كلما تم إغلاق أحد ثقوبها، انفتح اثنان غيره.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر