رسائل من مصر| ماذا قالت «لوسي دف جوردن» عن السيد يوسف الحجاجي؟
كتب – أبوالحسن
كان السيد يوسف الحجاجي الأقصري من أبرز الشخصيات التي تحدثت عنها السيدة لوسي دف جوردن بإسهاب، لتأثرها به تأثرا تاما في تفكيرها وسلوكها وأفعالها طيلة إقامتها في الأقصر.
من هو السيد يوسف الحجاجي “نبذة مختصرة”
يقول عبد الجواد عبدالفتاح الحجاجي، مدير الآثار الإسلامية والقبطية بالأقصر سابقا، أحد أحفاد السيد يوسف، إن الشيخ يوسف هو إمام الطريقة الخلوتية في صعيد مصر في آواخر النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري، ولد في 17 رجب 1257 هـ – 1842، حفظ القرآن الكريم وكثيرا من الأحاديث النبوية الشريفة في سن مبكرة جدا، وارتحل إلى القاهرة، حيث جاور في الأزهر الشريف فترة طويلة أخذ خلالها العلم على أيدي أفاضل علمائه ونبغ في علوم الشريعة وكان شافعي المذهب، وعاد إلى صعيد مصر والتقى السيدة الإنجليزية “لوسي دف جوردن”، والتي تتلمذت على يديه في علوم اللغة العربية والدين الإسلامي وظلت تلميذته طوال فترة وجودها من عام 1864 وحتى عام 1869 م، بني مسجد للسيد يوسف بمنطقة الكرنك وبه ضريح له.
من هي لوسي دف جوردن؟
يقول عبد الجواد عبدالفتاح، مدير الآثار الإسلامية والقبطية بالأقصر سابقا، نقلا عن “كتاب صفحات من تاريخ الأقصر في عصر إسماعيل باشا من إعداد محمد عبده الحجاجي”، الذي نقله بتصرف من كتاب رسائل من مصر، لليدي لوس دف جوردن، إن الليدي لوسي دف جوردن هي إنجليزية الأصل ولدت في لندن عام 1821 وتربت بين أحضان أسرة أرستقراطية كانت تسمى عند ولادتها لوسي استن، وحينما تزوجت سنة 1940 من السير ألكسندر دف جوردن متخذة لقب زوجها على عادة الإنجليز نشأت بين مهاد النعمة وظهرت دلائل هذه النعمة على كل جانب من جوانب حياتها، فقد كانت رشيقة القوام خمرية اللون ناضرة الوجه. أصيبت بعد ذلك بمرض السل الذي أخذ يتسرب شيئا فشيئا إلى جسدها حتى تمكن منها في الوقت الذي لم يكن الطب قد توصل إلى علاج ناجح، وقد نصحها الأطباء أن تترك جو مدينة لندن البارد وتذهب إلى جنوب أفريقيا للاستشفاء والعلاج، فذهبت إلى مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا لكنها لم تتقدم صحيا فعادت إلى لندن فنصحوها بالذهاب إلى صعيد مصر وبصفة خاصة إلى مدينة الأقصر ، فاتجهت من لندن إلى الإسكندرية على متن إحدى البواخر ومن الإسكندرية إلى القاهرة ثم ركبت النيل إلى الأقصر، واستقرت لوسي دف جوردن في مدينة الأقصر وكان ذلك في الفترة من عام 1864إلى عام 1869 في عهد إسماعيل باشا.
ويضيف: أن لوسي عاشت في بيت فرنسا بالأقصر وكان لها برنامج يومي معين حيث كانت تخرج كل صباح على حمارها الصغير تتجول على ساحل النهر ويمضي وراءها فتى صغير يتسابق هو والحمار ثم تعود بعد هذه الجولة إلى منزلها لتتناول طعام الإفطار؛ الذي كان عبارة عن لبن الناقة والخبز والقهوة ثم تعاود الخروج من المنزل وتمكث في الخارج حتى مغرب الشمس، أما في المساء فكان منزلها مقصدا للزائرين من الأصدقاء والجيران وقد أحبها أهل الصعيد حبا يفوق كل وصف والتفوا حولها فأنسوا فيها كل معاني النبل والإخلاص والمودة والمحبة، وكانت تشفق على الفقراء والمساكين وتداوي منهم المرضى.
ماذا قالت عن السيد يوسف الحجاجي؟
كتبت عنه تقول إنه كان من أسرة أبي الحجاج الأقصري، الذي أقيم ضريحه على قمة معبد الأقصر، ويبدو أن الشيخ يوسف كان دارسا في الأزهر الشريف، وقدم بعد دراسته ليعمل في مسقط رأسه كاتبا للقنصلية الإنجليزية وفقيها يشاوره القوم في علوم الشرع والدين للقرآن الكريم، لكنه وراء كل ذلك كان عالما متفتحا تأثر تأثرا شديدا بالشيخ الباجوري، وهو من أعلام العلماء والفقهاء في الأزهر الشريف في عصره.
التقت السيدة لوسي دف جوردن بالشيخ يوسف الحجاجي فاستقت عنه العقائد والآراء التي سلمت له دراساته، فكان له رأي في الفرق بين التوكل والتواكل في التسامح الديني؛ وفي أصول المعاملات الشرعية، وكان كل ذلك مما اتجه بها إلى التفكير الأصيل في العقائد الإسلامية وفي أصول الإسلام من حيث العبادات والمعاملات، ولم يمض شهر على وصولها الأقصر حتى كتبت عنه لزوجها تقول: “إنه رجل لم يبلغ الثلاثين يحفظ القرآن الكريم وأظن أنه أحلى مخلوق رأيته سواء من حيث الهيئة والأدب، وأنه بلغ الذروة من حيث الرقة والبساطة”.
وتقول في رسالة أخرى لوالدتها: “إن زوجته توفيت منذ ستة أشهر وقد تزوج بأخرى وله فتاة، وهو كغيره من العلماء يعرف في التوراة والإنجيل، ويعتبر أن الخلق جميعا لا فرق بين صاحب مذهب وصاحب مذهب آخر ولا بين دين ودين آخر”.
وفي رسالة أخرى أيضا لوالدتها قالت: “بودي لو ترين بعينك معلمي الشيخ يوسف لم أر في حياتي شخصا طيبا محبوبا مثله وهو إلى جانب ذلك حسن المنظر وأما ضحكاته فهي من أحلى الضحكات وأكثرها مرحا إلى جانب علو تربيته وجمال خلقه، وقد عرضت عليه أربعة جنيهات لقاء تعليمه إياي ثلاثة أشهر بغير انقطاع وحاولت محاولة عنيفة أن أرغمه على قبولها”.
