«ذكريات مُعلقة».. رحلة تراثية يرويها فن الخيامية المصري

المنسوجات المُعلقة وأهميتها كجزء من التاريخ المصري ما زال متوارثا حتى الآن، كان سبب لإعادة إلقاء سيف الرشيدي الضوء عليها من خلال معرض «ذكريات مُعلقة» عن فنون الخيامية، في «جاليري أوبونتو»، والذي تزامن مع شهر رمضان لإعادة تذكير الجمهور بالقطع التقليدية لفنون الخيامية الشائع استخدامها في الشهر المبارك ومنها قطع تراثية مختارة.

ذكريات مُعلقة

ترجع فكرة المعرض إلى المؤرخ المعماري المصري سيف الرشيدي، مدير مؤسسة بركات لدعم الدارسين والمحافظين على التراث في العالم الإسلامي، وبحسب حديثه لـ«باب مصر»، فإن هذا المعرض ليس الخطوة الأولى له للاهتمام بفنون الخيامية، حيث تعاون مع د. سام بوكر في كتاب «صانعو الخيام في القاهرة» في عام 2018 عن حرفة الصناعة التطبيقية الحديثة في العصور الوسطى والحديثة في مصر، وهو نتاج سنوات عديدة من البحث الذي ما زال مستمرا.

يدرس الرشيدي الخيامية منذ خمس سنوات، جذبته فنون الخيامية وعمل الحرفيين بسبب عمله في منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة، ليبذل جهدا مستمر في محاولة نقل هذا الفن خارج الدرب الأحمر للعالم، ويقول: “قمت بتسجيل لقاءات مع الحرفيين لتوثيق عملهم المميز، وكذلك شاركت في تنظيم معارض في إنجلترا عن فنون النسيج المُعلق، وأتمنى رؤية هذا الفن في منزل كل مصري”.

التفكير المسبق عن إقامة معرض يضم هذه القطع الفريدة جمع الرشيدي وأحمد الضبع مالك «جاليري أوبونتو» عن إمكانية تنظيم حدث سنوي عن حرفة أو التراث المصري ومنه النسيج المصري وفنون المعلقات النسيجية، خاصة مع ارتباط أقمشة الخيامية بشهر رمضان وتداول بعض الأشكال منها ذو قماش رخيص الثمن، جعل الكثير غير مدرك لارتباط هذا الفن بالثقافة المصرية، “هي حرفة حية ما زالت تقدم منتجات معاصرة، وأردت من خلال المعرض إظهار أنها جزء من تاريخنا ومن الحاضر والمستقبل من خلال قطع رائعة مختلفة” كما قال لـ«باب مصر».

مُعلقات لا تُنسى

كانت تستخدم المنسوجات قديما في صنع الخيم وحاليا تستخدم في قطع فنية مُعلقة منها المستوحى من الفن الإسلامي والعربي والمصري، ومنها دمج للتراث المصري المتنوع، خاصة أنها أصبحت أيضا محل اهتمام فنانين ومصممين مصريين صمموا قطع بأيديهم، ومن أبرز القطع المعروضة بمعرض «ذكريات مُعلقة»مُعلقة للفنان معتز نصر الذي صمم مجموعة مُعلقات بعنوان «الظاهر والباطن» بفن الخيامية والتي تعبر عن فكرة الجمال الظاهر والخفي.

ومُعلقة أخرى من تصميم المهندس المعماري أحمد حامد وهي قطعة مستوحاة من قصر في الأندلس، وقطعة أخرى صممها ونفذها حرفيين من حي الحطابة، وهي مُعلقة عن الحي لإظهار ارتباطهم فيه، وقطعة عن الثورة ومُعلقة لمصمم فرنساوي عن السيدات في مصر وهي مُعلقة ذات طابع فرعوني.

فضلا عن قطع قديمة يتخطى عمرها 100 عاما أو أكثر، أكثرهم أهمية قطعتين الأولى منهم كُتب عليها «العدل أساس الملك» أثناء ثورة 1919 وهي تعبر عن الحركة السياسية في البلد، وعلى حد وصف الرشيدي فإنها توضح دور الفن غير المنقطع عن المجتمع وهذا ما يتمتع به فن الخيامية للتعبير عن الأفكار والمشاعر وتجسيده في عمل فني.

خطر الاندثار

فن الخيامية هو حرفة ينتج عنها منتج فني، البعض يذهب بالتصميم للحرفيين لتنفيذه أما الأغلب يقوم الحرفي بالتصميم والتنفيذ، “قبل التنفيذ يتناقش الحرفي مع صاحب التصميم عن إمكانية ترجمة الرسمة إلى مُعلقة خيامية”، ويواجه فن الخيامية حاليا خطر الاندثار بسبب اقتصار تنفيذه على الحرفيين الذين أصبحت أعدادهم قليلة وغالبا ما يتوارثه أبنائهم فقط عنهم.

«بعد رحلة التوثيق والدراسة.. هل فكرت في تسجيل هذا الفن في منظمة اليونسكو؟» أجاب المؤرخ المعماري قائلا: “لا، لأن رأيي الشخصي أن منظمة اليونسكو لا تعطي قيمة للفن نفسه، الأكثر أهمية هو توظيف الحرفة حتى تصبح فنونها شائعة في كل منزل مصري، فتسجيل اليونسكو لن يفيد الحرفة بقدر العمل على إيصال الحرفة للجميع”.

ويتابع أن العمل المستمر على أن يظل التراث حي في مصر من أولوياته، خاصة مع سفر خيامين لإقامة معارض خارج مصر، وفي مصر البعض يقدر أهمية المنسوجات المُعلقة اليدوية ويحرصون على شرائها برغم ثمنها الغالي، ولكن أصبح متاح منها بأسعار متفاوتة للعامة، مضيفا: “اعتمد الحرفيين في السنوات الماضية على إقامة معارض دولية ولكن بسبب جائحة كورونا توقفت المشاركة بشكل مؤقت”.

تعد هذه الحرفة من الفنون المتوارثة أبا عن جد لمدة ألف عام، ويظل السؤال المؤرق للمؤرخ المعماري: “هل سيتعلم جيل جديد هذه الحرفة أم لا، وهذا ما يدفعنا للتفكير في تدريب أجيال أخرى من غير أبناء الحرفيين”.

تاريخ الخيامية

يرجع تاريخ الخيامية والمنسوجات المعلقة في مصر إلى آلاف السنين، ومنها خيمة ذات جلود ملونة تجسد بداية الفكرة لحياكة خامة على خامة أخرى، حيث ورد في روايات العصور الوسطى أنها كانت جزءا أساسيا من احتفالات المصريين في شوارع القاهرة، وكانت تتزين بها الشوارع في كل احتفال أو مناسبة، بألوانها المختلفة على خامات عديدة مثل الأقطان والكتان والحرير.

أما بداية تنفيذها بفن الخيامية المعروف فيرجع إلى حوالي ألف عام حيث تروي المصادر التاريخية عن الخيامية وأهميتها بالنسبة إلى الخليفة أو السلطان المملوكي والولي العثماني، فكان لا بد أن يكون لكل منهم بصمة في المجتمع والتي تتم من خلال ممتلكاتهم.

روى عدد من المؤرخين ومنهم المقريزي عن استخدام الخيامية والمنسوجات في الاحتفالات، وكان يوصي السلطان في عصر المماليك بنصب خيمة في ميدان القلعة قبل الاحتفال بذكرى المولد النبوي بفترة كافية، وكانت تعبر الخيمة السلطانية والخليفية عن الحاكم والدولة، وعلى حد وصف الرشيدي كانت بمثابة رمز لهم مثل الأهرامات، فالخيمة الملكية كانت تتمتع بالعظمة نفسها في عصر الدولة الفاطمية والمماليك.

توارثت فكرة الاحتفال باستخدام المنسوجات عن مصر القديمة حتى يومنا هذا، ويقول المؤرخ المصري: “أصبح جزء من ثقافتنا وتراثنا تزيين المنطقة بأقمشة ملونة بألوان مختلفة أثناء الاحتفالات مثل الموالد والأفراح والعزاء ليصبح فكرة الاحتفال بالنسيج ذات حضور قوي حتى الآن”.

كسوة الكعبة

براعة المصريين في النسيج ذو الخامة العالية وجودة التصنيع جعلت فن الخيامية جزءا من التراث المصري، وفي مصر القديمة كانت هدايا السلطان عبارة عن قطعة ملابس مميزة لصاحب الرتبة الجديدة، وهذا يوضح أهمية سوق النسيج، والذي يرتبط أيضا بكسوة الكعبة لأن النسيج غير مقتصر على الملابس فقط.

وكانت تُنفذ كسوة الكعبة سنويا في مصر حتى الستينات ويتم إرسالها إلى بلاد الحجاز من خلال موكب مهيب، “هي جزء هام من تراثنا وقيم وكل الحرفيين القدماء الذين عملوا في فن الخيامية شاركوا في تنفيذ كسوة الكعبة وهذا تأكيد على ارتباطه بفكرة الاحتفال أيضا” كما قال، وفي القرن التاسع عشر كان يُصنع المحمل في مصر من خيوط الذهب والفضة مع استبداله خلال الرحلة بخيامية، وبعد الوصول إلى الكعبة تُستخدم ذات خيوط الذهب والفضة.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر