حوار| الفنان التشكيلي محسن أبوالعزم: وزارة الثقافة لا تلبى طموحات الفنانين
فنان ذو طابع خاص، عاشق لكل ما هو شعبي، عشقه للحارة والحياة الشعبية جعلها هدفا لأعماله، ينقل تفاصيلها وعاداتها وطقوسها، تماما كما فعل نجيب محفوظ فى بعض رواياته. وصف البعض أعماله بأنه تنتمي إلى الواقعية الشعبية، وهو لا ينفي ذلك بل يؤكد تأثره بالواقعية الفرنسية، تحديدا لدى الفنان الفرنسي ” أونوريه دومييه ” الذى يعتبره كنزه الخاص، وإن كان يطعم أعماله ببعض السخرية التى تقربه من فن الكاريكاتير.
الفنان التشكيلي محسن أبوالعزم، أحد أهم الفنانين التشكيليين في مصر، ابن محافظة الفيوم، من مواليد عام 1958، خريج كلية الفنون الجميلة قسم التصوير جامعة حلوان عام 1981، كان لـ”باب مصر” معه هذا الحوار.
كيف كانت نشأة الفنان محسن أبوالعزم وبداية ظهور موهبتك؟
ولدت في حي شعبي لأسرة متوسطة بمدينة الفيوم، هذه المحافظة الرائعة التي جمعت كل البيئات في بيئة واحدة تعتبر مصر الصغرى، الأرض الخصبة، ومهد الحضارات والفنون، بالطبع الموهبة من الله، شجعتني أسرتي كثيرًا، وخاصة والدتي فقد كان أحد أقاربنا رسامًا، وكان قدوتي، حتى أن والدتي كانت تشجعني منذ أن كنت في المرحلة الابتدائية على دخول كلية الفنون الجميلة، كي أدرس الفن بصورة صحيحة، وبالفعل أصبح هذا هدفي.
كان لنشأتي في منطقة شعبية أثر كبير على تكوين شخصيتي الفنية، فأنا عاشق لكل ما هو شعبي، وجدت نفسي منذ صغري أعشق الاحتفالات والأعياد والموالد، كنت اختزن تفاصيلها في ذاكرتي وأنظر إليها بعين الفنان دون أن أخطط لذلك أو أدري، فقط كنت أشعر بالسعادة وأنا أذهب إلى منطقة الروبي بالفيوم لمشاهدة مظاهر الاحتفال بليلة النصف من شعبان لأشاهد الأراجوز وحلقات الذكر والبائعين، ولاعب الثلاثة ورقات، كنت أذهب لصانعي السواقي من النجارين، ومنطقة النحاسين، النجارين الشعبيين، حلقات الزار، والأسواق، وكنت أعشق فرقة حسب الله، والموسيقى العسكرية التي كانت تجوب شوارع الفيوم في المناسبات القومية، لم أشعر بنفسي وأنا أراقب الحياة اليومية من حولي بتفاصيلها داخل المنزل وخارجه حتى خناقات الجيران، والعادات الشعبية اليومية بكل مفرداتها، لم أمر عليها مرور الكرام، بل كانت تستحوذ على اهتمامي طوال الوقت.
بعد أن حققت هدفك وأمنيتك في دخول كلية الفنون الجميلة هل أفادتك الدراسة بها؟
لم أتوقف عن الرسم طيلة حياتي، ودخولي كلية الفنون الجميلة عام 1976م البداية الحقيقة للاحتراف، فقد جذبتني منذ اليوم الأول الذي ذهبت فيه لتقديم أوراقي لوحة كبيرة كانت بجوار باب حجرة عميد الكلية، وطيلة فترة دراستي كنت أقف أمامها لأوقات كثيرة، فقد كانت عبارة عن تصوير لحفلة زار قديمة للفنان صبري منصور، جعلتني أعشق الحياة الشعبية، كانت أهم المواد الدراسية عندي هي مادة المناظر والتي كنا نقوم خلالها بتصميم اسكتشات من مناطق نقوم بزيارتها وكانت في الأغلب مناطق شعبية وهو ما كنت أعشقه.
في بداية دراستي بكلية الفنون الجميلة كنت أقوم بنقل ورسم اللوحات العالمية، حتى شاهدني أحد أساتذتي في الكلية، ونصحني بألا انجرف إلى تقليد فنانين آخرين وأقلد الطبيعة من حولي فقط، وغيرت تلك النصيحة مسار حياتي الفنية، فبدأت أصور الطبيعة من حولي ولأني أعشق كل ما هو شعبي ومصري، ركزت على الحارة والشخصيات المصرية، وكان مشروع التخرج من كلية الفنون الجميلة عبارة عن لوحات تصور الحياة الشعبية، فقد رسمت لوحة لجزء من مقهى، لوحة أخرى للخاطبة، ولوحة لـقارئة الفنجان، ولوحة للحلاق الشعبي.
متى قررت أن يكون الأسلوب العام للوحاتك الأقرب للكاريكاتير؟
خلال فترة الجامعة كنت أقضي الكثير من الوقت بمكتبة الجامعة، ووجدت غايتي، فقد عثرت على كنزي المفقود وهو الفنان الفرنسي ” أونوريه دومييه “، والذي كان يمثل المدرسة الواقعية في القرن التاسع عشر، كان هذا الفنان يمتاز بتصوير الواقع لكن بشكل أقرب للكاريكاتير، أحببت هذا الفنان وأحببت أعماله واستفدت منه كثيرًا، ما أثر في وجعلني أميل لهذا الأسلوب، لكني قمت بتصوير واقعنا المصري والشعبي من وجهة نظري، فهناك على سبيل المثال لوحة شهيرة لـ”دومييه” تسمى الدرجة الثالثة، تصور عربة مجموعة من الركاب من الطبقة الفقيرة داخل عربة قطار، نفذت أنا أيضًا لوحة لعربة قطار من عربات الدرجة الثالثة المصرية، صورت خلالها كافة التفاصيل، وتطلب ذلك قيامي برحلة في القطار من الفيوم إلى الإسكندرية بالدرجة الثالثة كي أرصد ما بداخلها من تفاصيل بواقعية شديدة، فأنا أنزل الأسواق والحواري وأجلس بين الناس لتصوير كافة التفاصيل.
وهل يغضبك وصف أعمالك بأنها رسومات كاريكاتيرية؟
قد يراها البعض كذلك، لكني لم أتعمد ذلك، فقد ظهر هذا الأسلوب بشكل تلقائي على رسوماتي لم أخطط له، وكما ذكرت قد يكون السبب تأثرا برسومات “دومييه”، وأنا أراه أقرب للشكل الكوميدي، فأنا أحب أن أضيف على لوحاتي دائما الطابع الفكهاهي وهو الأقرب للشعب المصري، فأنا استخدم المبالغة والكوميديا في كافة لوحاتي.
فترة الجامعة انتقلت خلالها إلى القاهرة كيف كانت تجربتك هناك؟ وهل زرت مناطقها الشعبية؟
عشقت القاهرة القديمة وشوارعها، وتنقلت في العديد من الأحياء الشعبية، تجولت كثيرا في السيدة زينب، وباب الشعرية، والحسين، وزقاق المدق، والجمالية، وغيرها من الحواري، حتى أني حفظت مداخلها ومخارجها وأصبح لدي خريطة كاملة المعالم والتفاصيل.
إضافة إلى أنني عشقت أدب نجيب محفوظ وكتاباته عن الحارة المصرية، فقد قرأت كافة أعماله، واستفدت كثيرًا منه ومن أدب يوسف السباعي أيضًا، رصد كلاهما في أعماله الحياة في المناطق الشعبية، فعرفت من روايات محفوظ حي الجمالية وبيت القاضي وزقاق المدق والنحاسين، وقصر الشوق والسكرية، وتجولت في هذه المنطقة وشاهدتها بعين الفنان.
سجلت في بعض لوحاتك بعض المشاهد من أفلام سينمائية معروفة.. لماذا؟
أنا من عشاق السينما وخاصة الأفلام العربية القديمة، فهي مليئة بالصور والعناصر الفنية والتي ساعدتني كثيرا في لوحاتي، ومن خلال السينما استلهمت العديد من أفكار لوحاتي، فقد تأثرت كثيرًا ببعض الأفلام مثل، باب الحديد والزوجة الثانية وبداية ونهاية وغيرها، حتى أني أحببت المغنيين الشعبيين في تلك الفترة كثيرا.
لماذا تنطق لوحاتك بالكثير من التفاصيل بداخلها والعناصر الكثيرة؟
بالفعل اهتم كثيرًا بالتفاصيل حتى الصغيرة منها، فأنا لا أهتم فقط بتصوير الأشخاص لكن بكل ما يحيط بهم من عناصر أخرى، فعندما أشرع في تصميم لوحة جديدة، أتخيل المكان واستدعي ما في ذاكرتي حول المكان، والتفاصيل الصغيرة التي لا يهتم بها أحد مثل، شرخ في حائط، أطباق على الأرض، تفاصيل الملابس وأشكالها، فأنا مفتون بالأقمشة خاصة الخيامية بألوانها المميزة وزخارفها الكثيرة، لذلك توجد كثيرًا في لوحاتي.
هل الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة هو السبب في تصوير انفعالات الأشخاص داخل لوحاتك؟
الانفعالات البشرية هي أيضًا جزء مهم من تفاصيل لوحاتي الخاصة، فهي بطلة المشهد وتتغير بتغير نوعيته، حيث إن الانفعالات على الوجوه أثناء الخناقات أو المشادات، تختلف عن انفعالات جلسات السمر أو الأفراح وهكذا، وأنا أراقب هذا جيدًا وعن كثب، وأقوم بتخزينها في ذاكرتي.
كيف تختار مواضيع لوحاتك وما هي طقوسك الخاصة عند الرسم؟
لوحاتي جميعها تأخذ الطابع الشعبي وتنتمي في أغلبها للطبقة الوسطى، في بداية أي أعمل أفكر فيه جيدا، اختار أحد المناظر، ثم أبدأ في تذكر المشهد واستدعاءه من ذاكرتي، وقد اتجه لتغذية فكرتي ببعض من المشاهد السينمائية من الأفلام القديمة، لكن لا أنقل المشهد حرفيا، بل أنفذ المشهد برؤيتي وفكرتي الخاصة، وبعد أن تختمر الفكرة وعناصرها في مخيلتي، أقوم بوضعها على اسكتش بعيدا عن اللوحة حتى يتثني لي فرصة التعديل أو الحذف لبعض العناصر، وأنا دائما أبدل وأغير حتى أصل للشكل والتصميم الذي يرضيني، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الرسم على اللوحة.
طوال فترة عملي باللوحة، لا اتوقف عن التفكير، لذا تستهلكني كل لوحة ذهنيًا وجسمانيًا، وعند بدء العمل انفصل عن العالم المحيط بي، وأتعمق تمامًا في اللوحة مع خلفية لسماع بعض الأغاني القديمة.
متى كان أول معرض خاص لك؟
كان أول معرض خاص عام 1990م، وكان في نقابة الفنون التشكيلية بالقاهرة، ثم تلاه معرضي الثاني عام 1994، وقد لاقت المعارض نجاح وقبول كبيرين، وبعدها انطلقت في المشاركة في العديد من المعارض المشتركة والمعارض الخاصة، وقد أقمت عشرة معارض خاصة، فضلاً عن العديد من المشاركات.
كيف ترى دور وزارة الثقافة في دعم الفن والفنانين؟
كانت الحركة الفنية في الستينيات والسبعينيات قوية للغاية، ثم حدث لها هبوطا كبيرا فترة الثمانينات، أعقبه ارتفاع تدريجي في التسعينات لكن بحذر، والآن الحركة الفنية منتعشة بعض الشيء ويرجع السبب من وجهة نظري لوجود عدد من الجاليريهات الخاصة وقاعات العرض، التي تمنح العديد من الفنانين فرصة عظيمة لعرض أعمالهم.
أما عن وزارة الثقافة، فهي مسؤولة عن تقديم الكثير من الفنانين، من دعم ودعاية وتسويق، لذلك الرعاية من قبل وزارة الثقافة ليست بالشكل الذي يلبي طموحات التشكيليين، واقترح أن تهتم الدولة بالفعاليات الدولية وتوفير رعاية شاملة للفنانين واهتمام أكبر بتسويق أعمالهم.
تعليق واحد