حمام كرانيس بالفيوم.. تاريخ يحتاج إنقاذ عاجل

تقع مدينة كرانيس على جانب طريق القاهرة – الفيوم، وبالتحديد عند الكيلو 70 في منطقة كوم أوشيم، التي تبعد نحو 33 كيلو مترا عن مدينة الفيوم.

أطلال بيوت، وتقسيمات عمرانية، تحويها المدينة التي تشير إلى مدى التقدم الحضاري الذي عاشه المصري في تلك الفترة، باعتبارها إحدى المدن الرومانية التى تأسست في عصر بطليموس الثاني “فلادلفيوس” واستمرت حتى العصر المسيحي.

تخطيط مدينة كرانيس

حظيت كرانيس باهتمام أثري منذ فترة طويلة، حيث بدأت الحفائر بها منذ عام 1895 وحتى فترة قريبة، وأسفرت عن أعداد كبيرة وهائلة من التوابيت والأواني الفخارية وتماثيل لعدد من الآلهة وأواني منزلية وأدوات برونزية كالإبر وآلات الثقب، كما تم الكشف عن العديد من المنشآت التي ترجع للعصرين اليوناني والروماني.

تقول الدكتورة منال أبوالقاسم محمد، أستاذ ورئيس قسم الآثار اليونانية والرومانية بكلية الآثار جامعة الفيوم، المدينة البالغ مساحتها 1.6500م (أي ما يقرب من كليلو متر ونصف) طولا و800م عرضا كانت تتبع التخطيط الشبكي.

إحدى الغرف بحمامات مدينة كرانيس بالفيوم.. تصوير: منال محمود
إحدى الغرف بحمامات مدينة كرانيس بالفيوم

وهو عبارة عن شارعين رئيسيين هما الشارع الطولي ويمتد من شمال إلي جنوب المدينة، ويقطعه الشارع العرضي ويمتد من الشرق إلى الغرب ويتوازي مع كلا الشارعين عدد آخر من الشوارع الفرعية الأصغر في المساحة، وهو تخطيط عرف في كل من العمارة اليونانية والرومانية، بل إنه كان التخطيط المفضل لديهم بداية من القرن الرابع ق.م، وتتبع مدينة الإسكندرية القديمة هذا التخطيط، لكن الملاحظ أن تلك الشوارع في مدينة كرانيس لم تكن منتظمة التخطيط بل إن بعضها كان متعرجًا.

الحمامات الرومانية الشعبية

حسب العديد من الدراسات، يعود تاريخ أول مكان خصص للاستحمام بشكل عام بعيدا عن الموجودة داخل المنازل إلى الإغريق، حيث ارتبط وجود أماكن الاستحمام بوجود المنشآت الرياضية التى كان يستخدمها الرياضيين في الاغتسال بعد ممارسة الرياضة.

وقلد الرومان الإغريق في بناء الحمامات، وأضافوا عليها أسلوبهم الروماني الخاص الذي امتاز بالرفاهية وبعض التسلية، وأصبحت الحمامات توجد في كافة المدن الرومانية سواء الكبيرة أو الصغيرة ومنها مدينة كرانيس بالفيوم، والتي كان يستخدمها عامة الشعب.

الحمامات الشعبية كانت مكونا هاما من مكونات الحياة الخاصة للشعب الروماني، حيث كانت تقام بها العديد من الأنشطة الأخرى مثل، الاجتماعات الخاصة بالمعاملات التجارية، القراءة، كما كانت الحمامات دليل على اهتمامهم بالرياضة والنظافة الصحية والنفسية، وكان الذهاب إليها يتم بعد الظهيرة وبعد الانتهاء من الأعمال الشاقة واليومية.

منشآت عمومية

الحمام الموجود في مدينة كرانيس بالفيوم، عبارة عن منشآت عمومية، تتضمن عدة وظائف يستمتع بها الشخص نظير رسم دخول بسيط، وهناك حمامات كان الدخول إليها بالمجان، إضافة إلي حمامات بها قسم مخصص للرجال وآخر مخصص للنساء مثل حمام كرانيس.

كما انقسمت إلى الحمامات الشتوية، وأخرى صيفية ويتم بناؤها وتصميمها بعناية، فكانت القاعات الشتوية تتجه نحو الجنوب، أما الصيفية فتتجه نحو الشمال، وكان يتم اختيار المكان بالقرب من مدخل المدينة أو قريبا من ساحة وسوق المدينة.

وهناك النوع الأخير من الحمامات وهي الحمامات الجمنازية، التي كانت توجد بالقرب من الساحات الرياضية، كي يستحم فيها الزائرين بعد انتهاء تمارينهم الرياضية، ويرجع أصلها إلى الإغريق.

مميزات حمامات كرانيس

تعاود أبوالقاسم، حديثها، قائلة إن مدينة كرانيس ضمت حمامين أحدهما ينتمي للطراز المستقيم “أو كما يعرف بالطراز المتتابع axial row.

واستخدم في بناء الحمام نظام المتتابعة، وهو أن حجرات الحمام تكون بالترتيب الآتي: حجرة ماء بارد وتضم حمام سباحة يليها حجرة ماء دافئ، ثم حجرة الماء الساخن وتضم عادة مغطس أو أكثر، وتتميز عادة بسقف مقبب حتى يسمح بدوران الهواء الساخن في الحجرة وتحتفظ بالحرارة أكبر وقت ممكن ويليها حجرة إنزال العرق، وتلك الحجرة غير موجودة بحمام كرانيس.

يؤرخ الحمام بالقرن الأول الميلادي، وقد أعيد بناء الحمام مرة أخرى خلال القرن الرابع الميلادي، ومازال الحمام في حالة جيدة من الحفظ.

وتبلغ مساحة حمام كرانيس 100م، يتجه الحمام من الجنوب إلى الشمال، يؤدى المدخل إلى حجرة خلع الملابس ومنها نصل إلى حجرة الماء البارد المتخذة الشكل المستطيل، وتضم حوض للسباحة يقع في الجانب الغربي من الحجرة ويليها حجرة الماء الدافئ، ثم حجرة الماء الساخن التي تضم مغطس مستطيل الشكل ذو جانبين مقوسين، ويضم الحمام مرحاض عام ويقع في الجانب الشرقي من حجرة الماء الدافئ.

غياب الباليستر

من الغريب أيضا أن تلك الحمامات التي كانت توجد قبل آلاف الأعوام مثلها مثل قاعات الساونا أوالـ”سبا” الحديثة الآن الموجودة في أرقى النوادي الصحية، وما كان يميز الحمامات اليونانية هو وجود الماء الساخن داخل قاعات الحمامات، حيث كان الحمام ينقسم إلى غرف صغيرة محددة الوظائف، فهناك القاعات الباردة والقاعات الدافئة وقاعات التهوية والقاعات الساخنة، قاعات البخار، بالإضافة لقاعات تغيير الملابس، وامتازت الأرضيات وبعض الحوائط بتغطيتها بالفسيفساء الملونة.

وبحسب أبوالقاسم، فيلاحظ في حمام كرانيس وهو ما يجعله مختلفا بعض الشيء عن باقي الحمامات الرومانية في المناطق الأخرى، غياب العديد من العناصر الأساسية في الحمام الروماني مثل “الباليستر”، وهو عبارة عن مكان مفتوح كان يمارس فيه الرومان الرياضة سواء كانوا رجال أو نساء، كما يلاحظ في حمام كرانيس غياب حجرة إنزال العرق “حجرة البخار”، وذلك نظرا لطبيعة المناخ بإقليم الفيوم الحار نوعًا ما، والذي لم يستدع وجود مثل تلك الحجرات، بالإضافة للموقع، حيث أقيم الحمام في منطقة سكنية وسط المدينة، وبالتالي فالمساحة المتاحة كانت أصغر من طرز الحمامات الأخرى كالطراز الإمبراطوري كحمام كوم الدكة بالإسكندرية.

كما أن حمام كرانيس ينتمي لنوع من الحمامات المعروفة باسم Baleneum أي أنه من الحمامات الصغيرة مقارنة للحمامات المعروفة باسم الـ Thermae، كما أنه من الحمامات المملوكة لأفراد والتي كانت تستقبل الجمهور مقابل رسوم.

بقايا زخارف وموزايكو  

يلفت الانتباه وأنت تتفقد حمام كرانيس، وجود رسم صغير لورقة وعنقود عنب على أحد  الحوائط لأحد أحواض الاستحمام، تخبرنا كيف كان شكل الحائط قديما.

وامتازت الحمامات الرومانية بزخارفها الغنية حيث كان الموزايكو أهم  العناصر الزخرفية تداولا في زخارف الحمامات خلال القرن الأول، وهو ما نري مثالاً له في بقايا الموزايكو الموجودة في حمام  كرانيس، ومما لا شك فيه أن تلك الزخارف المستخدمة كانت زخارف كلاسيكية الطراز.

قد يتبادر لأذهان من يزور المدينة ويشاهد حمام كرانيس، كيف كان يتم تسخين المياه وآلية توصيله إلى حجرات الحمام؟، حيث لا يزال أثر الدخان الأسود على بقايا بعض الجدران باقيًا إلى الآن.

وهنا توضح الدكتورة منال، استخدام الطريقة التقليدية في حمام كرانيس لتسخين المياه، وهي عن طريق وضع المواقد خلف جدار الحجرة من الخارج الذي يقع خلفها مباشرة حوض الاستحمام ليمده بالمياه الساخنة، أما البخار المتصاعد من عملية التسخين فيجد طريقه إلى داخل الحجرة عن طريق فتحات في الجزء العلوي من جدارها فيقوم بتسخين هوائها فيما يشبه الساونا.

وعلي الرغم من أهمية المدينة من الناحية الأثرية والسياحية، فالمدينة تعاني من الاهمال الشديد، حيث إن مثل تلك المناطق الأثرية من الممكن أن تكون متحف مفتوح وذلك ضمن سياحة اليوم الواحد نظرا لقربها من العاصمة، لكن ينقصها العديد من الخدمات التي تمكن من وضعها على الخريطة السياحية لمصر.

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر