خطوة للأمام.. ولكن: «وش وضهر» الاهتمام بذوي الهمم!

شيء جميل أن تبدأ الدراما العربية في الاهتمام الواعي والممنهج لتقديم بعض أنواع “المهمشين” على الشاشة. ومن يشاهد الأعمال الحديثة التي عرضت على منصتي Shahid و Watch It مثل “وش وضهر” و”إلا أنا”. فلابد أن يستوقفه عدد شخصيات ذوي الهمم والأمراض العقلية ومساحات الدراما المخصصة عن حياتهم وهمومهم. والأكثر من ذلك الاستعانة بممثلين من ذوي الهمم بالفعل.

وكل ذلك جميل، بالرغم من حقيقة أن هذا الاهتمام له أسباب إنتاجية. حيث تتعاون المنصات وشركات مع المؤسسات والجمعيات الدولية التي تخصص جزءا كبيرا من ميزانياتها لدعم الأعمال الدرامية التي تساهم في التوعية بأهدافها، بدلا من الإعلانات ووسائل الدعاية المباشرة التي غالبا ما يكون تأثيرها محدودا.

**

جميل أن تهتم الدراما العربية بوعي ومنهجية ببعض أنواع المهمشين في المجتمع. وهو اهتمام لا يقتصرعلى مؤسسات الترفيه وجهات الإنتاج العربية، لكنه جزء من اهتمام عالمي يمكن ملاحظته في كثير مما ينتج ويعرض هذه الأيام. شيء جميل، غير أنه يجب وضع بعض النقاط تحت وفوق بعض الحروف لنتمكن من قراءة المشهد بشكل أوضح.

الاهتمام بالمهمشين بأنواعهم، لأسباب جندرية أوطبقية أو عرقية أو دينية أو جسمانية..إلخ. هو واحد من قضيتين تشغلان عصرنا أكثر من أي قضية سياسية أو فكرية أو اجتماعية أخرى. القضية الثانية هي مشاكل البيئة ومحاولة إنقاذ الكوكب من الدمار.

والاهتمام بالمهمشين، مثل الاهتمام بالبيئة ومستقبل الكوكب، ليس حكرا على المؤسسات والجمعيات المتخصصة. ولكنه موضوع يشغل بال الأجيال الشابة. ويشكل وجهة نظرهم في العالم وفي الدور الذي ينبغي أن يلعبه هؤلاء الشباب كهدف لحياتهم.

مسلسل إلا أنا حكاية حلم حياتي
مسلسل إلا أنا حكاية حلم حياتي
**

ولكن بالطبع هناك أنواع ودرجات من الاهتمام، مثلما نجد في كل القضايا السياسية والاجتماعية. وهناك من الاستغلال والادعاء بقدر ما نجد من الإخلاص والإيمان الصادق، وربما أكثر.

ومثلما نجد أعمالا فنية رائعة تفيض بالجدية والصدق والفن الراقي. نجد أحيانا أعمالا تفوح منها رائحة الانتهازية والفجاجة وضعف الموهبة. ولكن هذا الاستغلال والادعاء من طبائع الحياة والسلوك البشري ولا ينبغي أن يكون سببا لرفض القضية نفسها.

ذوي الهمم من أكثر الناس استحقاقا للاهتمام، لأنهم يتعرضون للتنمر والأذى والاستبعاد مثل غيرهم من المهمشين. فوق معاناتهم البدنية والنفسية والعقلية التي بلتهم بها الطبيعة وقوانين الوراثة أو الحوادث والظروف السيئة.

وللأسف يجب أن نعترف أن الدراما والسينما المصريين طالما تعاملا مع ذوي الهمم بسخرية وعدوانية وسطحية (إذا استثنينا بعض الأعمال القليلة مثل “الخرساء” و”الصرخة”. اللذين يلعب بطولتهما سميرة أحمد ونور الشريف في دور أخرسين. أو “توت توت” الذي تلعب فيه نبيلة عبيد دور فتاة معاقة ذهنيا، على سبيل المثال).

**

ولكن سعادتنا بالاهتمام الوليد بتمثيل ذوي الهمم في الدراما والسينما لا يجب أن تلهينا عن المبدأ الأصلي. وهو نبذ التعصب والعنصرية والتنمر ضد كل المهمشين، بأنواعهم.

أما التركيز على ذوي الهمم فقط فيحمل في طياته استبعاد لمناقشة هموم مهمشين آخرين يضج بهم وطننا العربي الكبير من كل عرق وجنس ولون ودين. ولا يجب أن يكون الاهتمام بذوي الهمم مبررا أو غطاءا لمنع تقديم مهمشين آخرين. ففي هذه الحالة يكون الاهتمام بهم شكل أسوأ وأحقر من الاضطهاد والعنصرية.

وبالطبع يفهم المرء أن الاهتمام بذوي الهمم لا يمس الحساسيات نفسها التي يمكن أن يستفزها ويثير جنونها الاهتمام بالمثليين أو بالمحرومين من الجنسية والمواطنة أو حتى بحقوق النساء. ولكن على المرء أن يفهم أيضا أن من حق المبدعين أن يهتموا بهؤلاء المهمشين. وأن يتفهم ويفهم دوافع وسياق هذا الاهتمام بدلا من كيل الاتهامات لهؤلاء المبدعين.

**

على “شاهد” و”ووتش ات” سيلاحظ المشاهد الاهتمام الواعي والممنهج بذوي الهمم. وغالبا سيبدي رضاه وتأييده ودعمه لهذا الاهتمام. وفي الأفلام والمسلسلات الأمريكية والأوربية ربما يلاحظ المشاهد الاهتمام الواعي والممنهج بتقديم الملونين والأعراق المختلفة ويبدي رضاه وحماسه وتأييده لهذا الاهتمام.

ولكن هذا المشاهد نفسه سوف يغضب ويسب ويلعن إذا شاهد أعمالا مشغولة بهموم الفقراء والمختلفين دينيا في بلده. أو بهموم المختلفين جنسيا في بلده أو أي بلد آخر.

وهؤلاء لديهم من الجمل الآلية المحفوظة ما يرددونه كالببغاوات حتى يتجنبوا التفكير بجدية وموضوعية في انحيازاتهم وحساسياتهم المرضية ضد أنواع كثيرة من المهمشين والمختلفين.

ولا يفكر هؤلاء للحظة أن هناك أناس يؤيدون ويسعدون بتقديم المختلفين جنسيا ودينيا وسياسيا؟ مثلما يؤيد هو ويسعد بتقديم ذوي الهمم على شاشات “شاهد” و”ووتش ات”!

ولكل لذلك يؤسفني القول أن الاهتمام بذوي الهمم في الدراما العربية قد يحمل في طياته هروبا واحتيالا، غير مقصودين غالبا، لتجنب واستبعاد مناقشة قضايا أخرى لا تقل أهمية، ومن ناحية ثانية ربما يكون الاهتمام بذوي الهمم مجرد بداية جيدة ومحمودة لتدريب العقل العربي على تعلم وقبول الاختلاف.

اقرأ أيضا

حمام سخن من أجل كيرة والجن: سينما للعرض العام وأخرى للعوام!

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر