آدم حنين: الرحيل نحو الأبدية

برحيله، يفقد الفن المصري واحدا من أسطواته الكبار، الفنان والنحات آدم حنين (1929 -2020) الذي غيبه الموت تاركا إرثا فنيا متعددا.. “باب مصر” يفتح على تجربته الفنية.

حكاية آدم حنين

تبدأ حكاية آدم حنين مع الفن منذ أول رحلة مدرسية إلى المتحف المصري، لم يكن قد تجاوز الثامنة وقتها، هناك وقف طويلا أمام التماثيل الفرعونية تحديدا تمثال «أخناتون» احتفظ الطفل بقطعة الصلصال التي منحها له مدرس الرسم في جيبه، وعندما وصل إلى فصله الدرسي صنع من الصلصال صورة مصغرة للتمثال الذي شاهده.

كانت البداية مجرد لعب أطفال، لكن ظلت التجربة كامنة في وعيه: «ما زال هذا الطفل كامنا في داخلي، ما زالت الدهشة قائمة، وهي أحد عناصر الخبرة التي أبحث عنها حتى اليوم.. أذكر أن والدي، وكان يعمل صائغا، فرح جدا بتمثالي، لدرجة أنه وضعه بفاترينة في واجهة المحل، وكان يتباهى به أمام أصدقائه والزائرين للمحل» كما قال حنين في أحد حواراته.

واستمر اللعب يتطور، نضجت البداية شيئا فشيئا، تتشعب الأسئلة في رأس الفنان، ولكن كان أهم سؤال مطروح عليه “ماذا سيضيف؟”، لقد أنهى الفنان المصري القديم كل ما يتعلق بالفن، والنحت، وجاء محمود مختار ليمزج بين الفن المصري القديم، والمعاصرة الأوروبية، وإن كان مختار – حسب حنين: «بلور لنا أفكارا مهمة في الفن والنحت، وفتح أعيننا على الروح المصرية، لكنه ذهب أكثر إلى أوروبا، بخاصة الفن الروماني».

كان قرار حنين ألا يسلم نفسه للنمط المصري القديم، أو أن يقع في فخ مختار، بدأ في استلهام تراث الفن الشعبي المصري: من التراث القبطي والإسلامي، ولا تزال شواهده حية، في الجوامع والكنائس والقصور الملكية، وفي القلاع والحصون، وأيضا في التراث الأدبي السردي، وبخاصة الملاحم والسير الشعبية، قال لنفسه: «ما دام لدي هذا التراث الخصب، لماذا ألجأ إلى الغرب؟».

الغرب

لظروف خاصة اضطر إلى اللجوء إلى الغرب ربع قرن كاملة متنقلا بين باريس وروما وميونخ، رحلة طويلة كانت محصلتها: «برهان على صدق ميزاني الفني النابع من بيئتي وتراثي الحضاري العريق».

في ألمانيا حيث درس، وبعدها في باريس حيث عاش: «هناك اعتنق آدم حنين فكرة الفن الذي يمثل قوة تتجاوز العابر في المحيط الزمني، ويسمو نحو الأبدية، ولذلك ركز في فنه على الأساسي والجوهري والباقي، وهو ما نلاحظه في تماثيله التي تميزت بالتماسك في كتلتها بين الأجزاء، وتميزت كذلك بالصفاء وباستبعاد العناصر العرضية أما التفاصيل في تماثيله فكادت أن تظهر مجرد تلميحات فائقة التبسيط، وكانت دائما تظهر الصفة المميزة للموضوع سائدة ومكثفة، بشكل يستحوذ على وجدان المشاهد»، حسب وصف الناقد محسن عطية.

عندما عاد حنين من رحلته الطويلة، بدأ رحلة أخرى لتأسيس متحفه وأيضا تأسيس سمبوزيوم النحت في أسوان وهو ملتقى فني للمصريين والأجانب يُقام كل عام في 25 يناير حتى 15 مارس، وكان يهدف من خلاله إلى إحياء فن النحت القديم ومعايشته بالحديث، واحتكاك الفن المصري بالأجنبي.

واختار أسوان مكانا دائما للسمبوزيوم ليس فقط بسبب ما تحتويه من جبال جرانيتية، ولكن لأنها المدينة التي تلقي فيها درسه الأهم في الفن، الخفة التي لا تتعارض مع الرسوخ، كما فتحت عينيه على معجزة الفن المصري القديم وسحره، الذي يبدو ثقيلا وضخما لكنه في الوقت نفسه يتميز بالخفة كما قال.

في النوبة بأسوان أقام حنين طوال عقد الستينيات، بعد أن تزوج حبيبته، هناك اعتبر أنه ولد من جديد فاختار لنفسه اسم آدم بدلا من صمويل هنري، هناك كانت فترة البناء على أسس الأصالة والتراث الفني الحديث في مصر.

سيرة

آدم حنين: ولد في 1929 بالقاهرة باسم صمويل هنري، تخرج في كلية الفنون الجميلة عام 1953، والتحق بمرسم الفنون الجميلة بالأقصر 1954-1955، ثم سافر إلى ألمانيا الغربية لدراسة النحت، وعندما عاد عمل كرسام في مجلة صباح الخير 1961، وقد التقى في تلك التجربة بالشاعر صلاح جاهين، ورسم له رباعياته الشهيرة التي صدرت فيما بعد في كتاب برسوم وإخراج حنين.

حصل على منحة تفرغ قضاها في أسوان والنوبة، وفي بداية السبعينيات سافر إلى باريس حيث أقام لمدة عشرين عاما وعاد لمصر عام 1996 ليؤسس سيمبوزيوم النحت الدولي في أسوان، فقد أطلق قبل 5 سنوات جائزة تحمل اسمه تقدم لشباب النحاتين في مصر والعالم العربي، الأقل من 35 عام.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر