خبراء ترميم عن فك مآذن قاهرة المعز: ما يحدث جريمة

تشهد مآذن قاهرة المعز تغييرات مستمرة، في ظل تنفيذ مشروع تطوير محور صلاح سالم. إذ تم هدم بعض المباني التاريخية التي تحيط بالمنطقة وفك مجموعة من المآذن القديمة، حتى طالت عملية الفك منارتي التربة السلطانية وخانقاه قوصون، التي تعد من أعظم المنارات المملوكية على مستوى العالم. وقد أثار هذا القرار جدلاً واسعًا وتساؤلات حول مصير التراث الثقافي والأثري للمدينة.

مآذن السيوطي

تكتظ جبانة الإمام السيوطي بالعديد من المباني الإسلامية، من بينها جامع مدرسة السلطان حسن، مئذنة جامع مسيح باشا المعروف بجامع المسبح باشا، مئذنة مسجد السلطان الغوري بعرب اليسار، مئذنة التربة السلطانية، وهي تربة خوند أردوكين ابنة نوغية السلاح دار الططرى، التربة السلطانية، ومئذنة قوصون، وغيرها من المنشآت. وشهدت ثلاث مآذن منها ومنارتان عمليات فك، ضمن مشروع ترميم غير مُعلن تفاصيله. وهي مآذن مسجد الغوري والمسبح باشا والسيدة عائشة ومنارتي التربة السلطانية وجامع قوصون.

تحدث د.عبدالفتاح السعيد البنا، أستاذ ترميم الآثار بكلية الآثار جامعة القاهرة، عن خروج المآذن عن مشهد القاهرة القديمة حال حدوث أي تغير بها بعد تركيبها مجددا. ويقول لـ«باب مصر»: “مسجد المسبح باشا مُسجل أثر وبالتالي يستحيل إزالته، وتم تصميم المسجد على الطراز العثماني ويغلب عليه الطابع البيزنطي”. أما المآذن فقد تم تصميمها بشكل اسطواني ورفيع، مع استخدام المشربيات في المساجد المُعتاد استخدامها في الطراز العثماني.

وعن تداعيات عمليات فك وترميم هذه المآذن، يوضح: “للأسف ما يحدث الآن عمل مشين غير مسؤول، أثمن ما في هذه الأمة هو تاريخها و شواهده الأثرية متمثلة في المباني التاريخية والتراثية التي خلفها الأجداد وحافظت عليه الأجيال المتعاقبة وما يحدث من محو وإزالة لهذه الشواهد بمثابة جريمة. لأنه يتم دون الوضع في الاعتبار منظور تخطيط المدن والعواصم القديمة”.

صورة مقربة لقسم من المئذنتين قوصون والسلطانية للدكتور محمد أبوالعمايم
صورة مقربة لقسم من المئذنتين قوصون والسلطانية للدكتور محمد أبوالعمايم
أسباب إزالة وفك المآذن

من جانبه كشف الدكتور عبدالله سعد، مدير عام مناطق آثار شرق القاهرة، حقيقة هدم هذه المعالم الأثرية، وقال: “لن يتم هدم وإزالة لتلك المعالم الأثرية أبدا، وهناك مشاريع ترميم لتلك الآثار تعمل منذ فترة طويلة ومقدم لها دراسات هندسية متخصصة واستشاري يقوم على هذا المشروع”.

ويوضح سبب فك المآذن: “كل ما يتم هو فك للمآذن لوجود ميول بها بعد أعمال التوثيق الكامل والترقيم وعلى أن يتم إعادة تركيبها مرة أخرى مع أعمال ترميم وإعادة تأهيل للمساجد الأثرية. وبما يتماشى مع أعمال التطوير الجارية بالميدان وبتنسيق كامل مع كافة الأجهزة المعنية القائمة على مشروع التطوير”.

يفسر د. محمد أبوالعمايم، استشاري ترميم الآثار الإسلامية الأسباب التي تستدعي إزالة مئذنة أو فكها، ويقول لـ«باب مصر»: “ما يستدعي فك مئذنة هو تعرضها لخطر شديد يهدد سلامتها مثل ميل شديد طرأ عليها، أو تصدعات”.

لكن هل عملية الترميم أو فك المئذنة تؤدي إلى تخريبها؟ أجاب موضحا: “لا يتم تخريبها تحت مسمى ترميم. بل ما يجري الآن في منارات السيدة عائشة من أعمال هدم من أجل مشروع توسيع طريق صلاح سالم وعمل ميدان بجوار تلك الآثار”

مراحل فك المآذن

وتابع أبوالعمايم: تمر عملية فك المآذن بالكثير من المراحل. حيث تتم أعمال فك المآذن، بأن يتم تسجيلها بأعمال رفع معماري ومساحي دقيقة، تسجل فيها جميع التفاصيل. وكذلك أعمال تصوير فوتوغرافي وڤيديو لكل تفاصيل المنارة.

وأضاف: يتم استكمال فكها عبر ترقيم أحجار المنارة. ثم تبدأ أعمال الفك بدقة وعناية حتى لا تتخرب الأحجار، وتنقل وتشون في مكان قريب بنظام وعناية فائقة.

في سياق متصل عبر الكثير من محبي الآثار الإسلامية عن مخاوفهم من أعمال فك مآذن السيوطي والتربة السلطانية، المعروفة باسم “منارة السلطانية”. وعن هذه المخاطر أوضح استشاري ترميم الآثار الإسلامية: “لا تؤثر أعمال فك المنارة على العمر الافتراضي للمسجد، لأن أساساتها مختلفة عن أساسات المسجد”.

ويقول: “تمر ترميم المآذن بشكل عام، بعدة مراحل وهي ترميم معماري يراعي فيه قوانين وقواعد ترميم المباني الأثرية بشكل عام. ويتطلب دراسة للمنارة ورفع معماري دقيق لها. وتحديد الأحجار المطلوب استبدالها وذلك في أضيق الحدود، واستكمال الناقص أو التالف من الأحجار بعناية ودقة فائقة. واستخدام مون محكمة وأحجار ممتازة، منحوتة نحتا ممتازا مثل القديم. ويقوم بالأعمال بنائين مهرة متخصصين وتحت رعاية المهندسين المتخصصين والفنيين الممتازين”.

جبانة السيوطي وتظهر مآذن قوصون والتربة السلطانية.. من أرشيف مصر 1975
جبانة السيوطي وتظهر مآذن قوصون والتربة السلطانية.. من أرشيف مصر 1975
إزالة المآذن وتغيير القاهرة القديمة

«تؤثر خطط إزالة المآذن على المشهد التاريخي للقاهرة الإسلامية» هذا ما أكد عليه دكتور أبوالعمايم، مشيرا إلى أن هدم أو فك هذه المنارات جريمة كبرى لا تغتفر. ويقول: “العجيب أن أساتذة الآثار ومنهم من رسالته عن القرافة.. ولم يتصدوا للدفاع عن هذه الآثار الجليلة التي كانت معلم من معالم القاهرة وملتقى كل الأجانب والمصورين منذ القرن التاسع عشر”.

وعن الأسباب العلمية لعملية الفك، أوضح استشاري ترميم الآثار الإسلامية:  لا يوجد أي سبب لإزالتها سوى المشروع المذكور. هم يدّعون أن بها ميل أو ما شابه، وكلها افتراءات، وهناك مآذن كثيرة بها درجة ميل بسيط وثابت على مر السنين لا تستدعي أبدا الفك”.

منارتا التربة السلطانية وخانقاه قوصون

يذكر أبوالعمايم، أن منارة التربة السلطانية ومنارة خانقاه قوصون من أعظم وأجمل المنارات المملوكية على مستوى العالم. وهي متصلة بالقباب التابعة لها لو أجريت حفائر ستظهر الجدران القديمة بين الترب. فقد كانت مساجد كبيرة وعظيمة، ونقلها يعتبر جريمة كبرى في حق الآثار الإسلامية، وليس بها خلل. بل قويت في عهد الخديو عباس بمعرفة مهندس الآثار الأشهر هرتس باشا، وأعمال التقوية بالحديد موجودة بأسفل المنارات.

ويضيف: “يجب التريث في مسألة فك ونقل مئذنة قوصون ومئذنة التربة السلطانية وهما من مفاخر العمارة الإسلامية المصرية. ويجب التراجع عن فك هذين الأثرين الجليلين. لا يمكن فك وهدم هذه الآثار العظيمة لأي سبب. بل ينتقل الميدان أو الطريق بعيدا عن الآثار للحفاظ على آثار الدولة قبل كل شيء وعدم التفريط فيها من أجل مشروع يمكن تعديله. نتمنى أن تقوم الحكومة المصرية بتعديل مشروع الميدان والطريق لتفادي هدم هذين الأثرين العظيمين”.

وتابع: “بهدمهما تفقد مصر أهم معالمها الأثرية في مدينة القاهرة. ومهما قيل من فك ونقل، فهذه المنارات متينة ومحكمة البناء وفكها سيدمر أحجارها ويشوهها. كما أن هناك مسألة مهمة وهي أن هذه المنارات عبارة عن أجزاء من منشآت كبيرة عبارة عن جوامع في القرافة. وبين المنارات والقباب الباقية التابعة لها الآن توجد جدران تحت سطح الأرض. كان من المنتظر عمل حفائر أثرية لكشفها، ولم تعمل نظرا لانتشار القبور هناك”.

أعمال فك المآذن
أعمال فك المآذن
موقعها

عن موقعها، تقع مئذنة التربة السلطانية (ق 8 ه/ ق 14 م)، بشارع سيدي جلال المتفرع من شارع صلاح سالم بقرافة السيوطي. وهي مسجلة أثر برقم 289، وأنشئها السلطان الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون.

بحسب دراسة «المآذن الباقية لآثار مندثرة بمدينة القاهرة»، للدكتورة هبة محسن. تتكون العمارة الخارجية لهذه المئذنة من قاعدة مربعة ذات مستويين متشابهين كلاهما مصمت خال من الزخارف. ويتوج أولهما بإفريز حجري بارز.

وبه في الأركان العلوية أربع مناطق انتقال تتكون كل منها من مثلث مقلوب. زينت المساحة الواقعة بين كل مثلثين منها بأشكال هندسية تتكون من مستطيل ذي عقد مدبب منكسر. وعلى كل جانب زخارف نباتية بارزة من الأوراق وأنصاف المراوح النخيلية، وتنتهي بشريط كتابي بخط النسخ المملوكي البارز وهو مندثر.

تاريخ «باب القرافة»

تتسم هذه المنطقة بتاريخ طويل، وهي منطقة باب القرافة أو قرافة سيدي جلال بالسيدة عائشة. وبحسب دراسة للدكتور محمد أبوالعمايم، نشرت في الحوليات الإسلامية للمعهد الفرنسي بعنوان «المئذنة القبلية وما حولها من الآثار». يقع بالمنطقة نفسها أيضا قبر الأمير أحمد بن طولون.

كانت المنطقة الواقعة جنوبي ميدان السيدة عائشة الحالي تعرف في السابق بمنطقة “باب القرافة” لوقوعها خارج باب القرافة. أحد أبواب الور الذي بناه بهاء الدين قراقوش حول الحواضر: القاهرة، لفسطاط والعسكر والقطائع، وسُميت بهذا الاسم لأنه يخرج منه إلى القرافة. وهي القرافة الكبرى أو قرافة الفسطاط التي كانت تمتد من الفسطاط غربا إلى سفح جبل المقطم شرقا.

وقال العلامة أحمد تيمور باشا: “كان المعروف باسم القرافة من الجبانات المصرية اثنتين الكبرى والصغرى سميتا بذلك الاسم لأنهما كانتا في الأصل خطتين لقوم من اليمن. يقال أنهم بنو قرافة فلما حدثت المقابر بينهما بقيتا معروفتين بهذا الاسم ثم سُميت كل جبانة بمصر قرافة بعد ذلك.

أعمال فك المآذن
أعمال فك المآذن
القرافة الكبرى

أما القرافة الكبرى فحدثت منذ الفتح الإسلامي وكانت شرقي مدينة الفسطاط بجوار المساكن. ثم لما بنى الملك الكامل الأيوبي القبة على مقام الإمام الشافعي ودفن ابنه بجواره سنة 608 هجريا. أقبل أناس على البناء فيما حول هذا المقام وأنشئوا هناك الترب فعرفت بالقرافة الصغرى وقرافة الإمام الشافعي.

وقد عُمرت منطقة باب القرافة في عصر السلطان الناصر محمد بن قلاوون. قال المقريزي في كاب السلوك لمعرفة دول الملوك: “وعمرت في أيامه أيضا القطعة التي فيما بين قبة الإمام الشافعي إلى باب القرافة. بعد ما كانت فضاء لسباق خيل الأمراء والأجناد والخُدام، فتحصل به اجتماعات جليلة للتفرج عليها. إلى أن أنشئ السلطان ترب الأمير بيبغا التركماني. فعمر ذلك كله تربا وخوانك حتى صارت العمائر متصلة من باب القرافة إلى بركة الحبش، لا يوجد بها قدر ذراع بغير عمارة”.



للاشتراك في خدمة باب مصر البريدية اضغط على الرابط التالي:

Babmsr Newsletter

النشرة الإخبارية الشهرية
النشرة الإخبارية newsletter



اقرأ أيضا:

صور| وقائع سرقة شواهد مقابر القاهرة التاريخية

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر