“الرغاطة”.. عندما يتجمع الأهل للغناء والعمل في البادية
كتب: مجيد الصنقري
“الرغاطة” جمع رغاط وهو من يمد يد المساعدة عند البادية قديمًا، في الأعمال مثل: “الحصاد، والجلامة، وزراعة الغلال”، ولكن في السنوات الآخيرة ومع انتهاء الألفية الثانية بدأت “الرغاطة” تنتهي تدريجيًا مع تغلب المادة على تعاملات المجتمع البدوي الحديث.
ولكن تبقى الرغاطة لها رونق خاص وذكريات لا تُنسى عند أهل البادية، فكل مناسبة أو موسم تكون بمثابة الفرصة لإلقاء الشعر والشتاوى التحفيزية أثناء العمل، يقول أبوسيف عوض الشتوري، الرغاطة هي مساعدة القريب أو الجار في العمل، خصوصًا العمل الذي يتطلب أكبر عدد من الأفراد، لكي يتمكنوا من إنجازه في وقت قصير، ومن بين هذه الأعمال “الجلامة، والحصاد، وزراعة الغلال”.
وكانوا قديمًا يعتمدون على الرغاطة بشكل كبير؛ لانعدام العمالة في ذلك الوقت، ويتراوح عدد الرغاطة ما بين 10 إلى 15 فردًا حسب كمية العمل، كما يجرى التنسيق فيما بينهم على العمل أو الرغاطة عند كل فرد منهم وبالدور على أن يُحدد يوم العمل، إذ يقومون بترتيب وإخبار جميع الرغاطة قبل العمل بيوم أو يومين، والرغاطة غالبًا ما تكون مجموعات “شباب، ورجال، ونساء” ففي حالة الرغاطة بين العائلات تقوم العائلات بالذهاب بإطفالها للعائلة التي يقومون بمساعدتها.
ويضيف أبوسيف الرغاطة لا يطلبها أحد بل تأتي بمبادرة من مجموعة معينة تتفق على مساعدة الشخص الذي يوجد عنده العمل وليس باستطاعتة إنجازه بمفرده، فيقومون بإخبار هذا الشخص سواء كان جار أو صديق أو ابن عم، وهي عبارة عن سلف يقوم بسداده كل منهم حسب طبيعة العمل.
أما عن أمبيوة الصنقري، يقول تعتبر الرغاطة رفع معاناة الجار من عمله، وبالعمل الجماعي يسهل كل صعب أي إن كان طبيعة العمل، وفى البادية كانوا يقدمون يد المساعدة في الحصاد أكثر شئ، ومن بعدها الجلامة والزراعة، ولكن تبقى عملية الحصاد هي التي تتطلب أكثر عدد ممكن من العمال أو الرغاطة؛ لأن الزراعات تكون على مساحات كبيرة قد تزيد فترة الحصاد عن الشهر في حال عدم وجود رغاطة، لذا كانت البادية تفضل العمل الجماعي ودون مقابل شريطة رد المساعد أو رد الرغاطة، وهذا يستفيد منه الجميع، والرغاطة تشعل الحماس لدى الجميع مع ترديد البعض عبارات محفزة للرغاطة، مثل: “يازرع إنجل جاك المنجل” مخاطبًا الزرع بأن ينحصد بسهولة لأن آلة القص جائتك.
شتاوى
ويتابع ونيس أبوشيحة العوامي، دائمًا ما يتعلق العمل الجماعي في البادية بتناول أبيات الشعر والشتاوى والطرب، ومن بين هذه الشتاوى: “يازرع الصابا جوك طرابة”، هُنا يخاطب الشتاى الزرع قائلاً: “يا زرع الخير الرغاطة جائو فرحين لحصادك”، كما يستطرد أحدهم عند مشاهدة الرغاطة في الحصاد من الأمام قائلاً: “طبسة وسكوت أرقاب الحوت” أي أن الرغاطة رقابهم في الاتجاه الأسفل مشبه إياهم بالحوت، والرغاط في البادية لا يعمل بكسل ولا يهاب النبات في الزرع، ويقول أحدهم: “يازرع الشوك أهلك شالوك” يخاطب الحصاد الزرع الذي به الشوك قائلاً : “أهلك حصدوك أو رفعوك”.
أما عن أم محمد فتقول: “لا تقتصر الرغاطة على الرجال في المجتمع البدوي، بل أن المرأة أيضًا تقوم بمساعدة بعضها البعض، فالمرأة تساعد في جمع الحطب قديمًا وفي صناعة الحاف والنسيج، إضافة إلى صناعة الخيمة البدوية، والتي لا يقدر الرجل على صناعتها، كما أن المراة البدوية تقوم بمساعدة بعضها في الحصاد، وتكون الرغاطة بين العائلات، وكذلك الجلامة تقوم النساء بالمساعدة في طهي الطعام للجلامة، ولكن الآن انعدمت الرغاطة شبه كليًا سواء بين النساء أو الرجال؛ بسبب تغلب المادة على حياة المجتمع البدوي”.
تعليق واحد