«الأشهب» أهمها.. أسرار وخبايا أزياء سيناء
تحظى أزياء سيناء بالعديد من التفاصيل والأسرار والخبايا، إذ تعكف السيدات على صنع وتجميل الثياب بدقة متناهية وصبر، شابات وعجائز وبنات صغيرات جميعهن يتعلمن الحياكة، وتضعن فيها من روحهن الكثير، فهي لا تتدخل فيها أيدي مصممين الأزياء المعروفين، كما لا ترتبط بخطوط الموضة.. «باب مصر» يتعرف على أسرار أزياء سيناء.
أزياء سيناء
تقول الدكتورة أمينة سالم، أستاذة الأنثروبولوجيا والفلكلور بكلية الآداب جامعة حلوان والمتخصصة في الحرف والصناعات التقليدية لـ«باب مصر»: الزي السيناوي للمرأة هو المرشد للهوية السيناوية ويحمل ثقافتها، حيث يحوي بين طياته الكثير من التفاصيل التي لا يعرفها من هم خارج هذا المجتمع، فهو ليس مجرد ثوب ترتديه المرأة كما يحدث في أغلب الأماكن، بل يمكن من خلال الثوب السيناوي أن نتعرف على مكانة المرأة الاجتماعية والاقتصادية وعمرها.
وتتابع: لكل سيدة موتيفاتها الخاصة، وتختلف زخارف وألوان ثوب البنت عن السيدة المتزوجة أو الأرملة أو المسنة، فهو يعتبر مؤشر لطبيعة المرأة دون أن تصرح هي بذلك، فيمكن للثوب أن يشير إلى عمرها ومكانتها وحالتها الاجتماعية والاقتصادية بمجرد رؤيتها وهي تسير.
وتوضح سالم، كل امرأة سيناوية يعبر عنها زيها، وبالرغم من أن كافة الأثواب لونها أسود، إلا أن الزخارف هي ما تميز ثوب عن الآخر، فنجد زخارف وموتيفات ثوب الفتاة الصغيرة التي لم يسبق لها الزواج، يغلب عليه التطريز باللون الأزرق من تحت الصدر، وفي أطراف الثوب من الأمام والخلف يضاف اللون الأحمر والبرتقالي والأصفر لكن بنسب قليلة، أما المرأة الأرملة فيكون التطريز في ثوبها باللون الأزرق فقط، لأن اللون الأزرق يرمز إلى الحداد في المجتمع السيناوي، أما ثوب المناسبات فهو يمتاز بالزخارف المتعددة والتي يدخل فيها الكثير من الألوان وترتديه السيدة المتزوجة فقط.
أما التطريز أو التصميمات التي يشملها الزي السيناوي فتشير “سالم” إلى أنهم استخدموا ونقلوا تراثهم سواء في الرقصات أو مفردات البيئة إلى الزي الخاص بهم، وعلى سبيل المثال تتنوع الموتيفات أو التصميمات الزخرفية والغرز الخاصة بتطريز الثوب في الاسم والشكل، وقد تختلف في جنوب سيناء عن الشمال، والأهم في جميع التصميمات هي زخرفة “الحجاب” حيث لا يوجد ثوب لا يحتوي من الأسفل على زخرفة الحجاب فهو في اعتقادهم يحمي من الحسد، أيضًا زخرفة “الدحية” وهي رقصة شهيرة هناك، وزخرفة العرق وهي تحتوي على النباتات والحيوانات التي توجد في الطبيعة، مثل زخرفة الحيوانات وزخرفة الغزال وعرق السحلية، عرق الثعبان، وزخرفة النباتات، مثل زخرفة الترمسة، عرق نبات الجرجير، جنينة الورد، وعرق الشجر، فضلاً عن زخرفة الطيور، مثل العصفور أو الهدهد عرق الأجنحة وهي على شكل مثلثات ومربعات، إضافة إلى مجموعة متميزة من الزخارف الأخرى، مثل زخرفة العروسة، زخرفة الساعة، زخرفة المشط، وهكذا، ولكل زخرفة مصدر من البيئة السيناوية، وأشهر الغرز التي تستخدم في تطريز هذا الثوب هي غرزة الصليب التي تسمى “الماركة” والتي لا يخلو ثوب منها، وهناك غرزة “الكفافة” خاصة بتقفيل الثوب.
البرقع وثوب الزفاف
ثوب الزفاف يختلف في المجتمع السيناوي، فهو أهم ثوب في حياة البنت، ويسمى “الأشهب”، حيث تبدأ في عمله وتطريزه بمجرد أن يتجاوز عمرها 6 أو 7 سنوات فقط، وتقول الدكتورة أمينة: تبدأ الفتاة في تطريز ثوب زفافها منذ عمر السابعة ولا تتركه من يدها حتى وهي تقوم برعي الأغنام، وتضع فيه كل ما تتعلمه من مهارات وخبرات عبر سنوات عمرها وحتى زفافها، وبالطبع يختلف كل ثوب عن الآخر فلا يوجد ثوب يشبه الآخر، لأنه ببساطة من تصميم يد العروسة ويعبر عنها.
وتتابع: يضم ثوب الزفاف كافة الألوان والتصميمات التي تتعلمها الفتاة، ولا يترك فيه مكان خال يظهر القماش الأسود من تحته، إلا موضع الحزام فقط، أما باقي الفستان فهو يمتلئ بتصميمات وزخارف وألوان في كل قطعة نسيج، وتحرص الفتيات أن يكون سرًا لا يراه غيرها، وتلبسه الفتاة يوم زفافها، وبعد ذلك يمكنها أن تلبسه في حفلات الزفاف الأخرى أو في الأعياد والمناسبات الاجتماعية المختلفة، إلى أن تنجب طفلها الأول هنا يجب أن تتخلى الفتاة عن فستان زفافها وتحتفظ به لكن لا ترتديه بعد ذلك، فقد أصبحت أم.
أما البرقع أو “البرجع” بلغة أهل سيناء، فتكشف لنا “سالم” عن طبيعته، فهو كما تقول ملازم للفتيات والسيدات هناك، ويختلف شكله وتصميمه من قبيلة إلى أخرى، ولكل قبيلة برقع خاص بها يمكن أن يميز أهل سيناء من خلاله الفتاة أو السيدة التي ترتديه، وهو ما لا يلاحظه بالطبع الغرباء عن المجتمع السيناوي، كما أن البرقع أيضًا مؤشر للحالة الاجتماعية والاقتصادية لمن ترتديه، فهناك من يطعمه بالجنيهات الذهبية أو الفضية، ومؤخرًا تم إدخال قطع معدنية رخيصة لإضفاء الطابع الجمالي فقط.
وتكمل حديثها: أما الحزام في الزي السيناوي، فيعد من أهم القطع في ثوب المرأة السيناوية، ومن العيب هناك ألا ترتديه المرأة على ثوبها، فهو لا يقتصر على إضفاء الشكل الجمالي فقط، بل يؤدى بعض الوظائف الهامة، حيث يستخدم في حفظ النقود كونه يحتوي على جيوب من الداخل، وتستخدمه العجائز في شد الظهر، والسيدات في رفع منطقة الصدر وخاصة المتزوجات، كما أنه يستخدم في رفع الثوب عن الأرض إذا ما كان الثوب طويلًا، وكان الحزام قديما يصنع من الصوف، أما الآن فيصنع من القطن ويتم تطريزه.
العراقة والحداثة معًا
تحاول مصممة الأزياء السيناوية جيهان أبوالمجد، الحفاظ على التراث السيناوي وبالأخص الثوب السيناوي، من خلال إضفاء الزخارف السيناوية بأيدي سيدات وفتيات سيناء على بعض القطع العصرية من ملابس السيدات كي تتناسب مع سكان المدن والمحافظات الأخرى البعيدة عن المجتمع السيناوي ولا تلبس الثوب في حياتها اليومية.
وتقول أبوالمجد عن تلك التجربة: أعيش في جنوب سيناء وبالتحديد في منطقة رأس سدر منذ 25 عامًا، لكني في الأساس قاهرية من أصول صعيدية من محافظة أسيوط، وعندما انتقلت لجنوب سيناء مع زوجي، جذبني كثيرًا المجتمع السيناوي، وخاصة السيدات في عملهم ونشاطهم، وكنت أشاهدهن جميعا من بعيد وهم يمسكون قطع القماش وينكبون عليها فهناك من تغزل ثوب عرسها، وهناك من تغزل ثوب لابنتها أو لنفسها، ونادرًا ما ترى سيدة تجلس دون عمل أو غزل ثوب، ولكل قبيلة غرز وتصميمات خاصة بها لا تعلمها سيدات القبائل الأخرى، وقررت الدخول في هذا العالم الساحر، في البداية كان للتعرف عليهم، ثم تحول الأمر أن تعلمت منهم طرق التطريز، وأصبحت أرتدي أثواب مطرزة مثلهم، وقمت بإهداء العديد من القطع لأقاربي وأصدقائي في القاهرة.
تتابع أبوالمجد: ما يتناسب مع البيئة والسيدات في المجتمع السيناوي لا يتناسب كثيرا مع فتيات المدن الأخرى، وهو ما جعلني أفكر في نقل تلك الزخارف والتصميمات السيناوية إلى القطع العصرية، مثل الشال والبلوزة والبنطلون والجيبة وغيرها من القطع، وهو ما لاقى الكثير من الاستحسان والإعجاب، وقمت بتأسيس ورشة صغيرة في جنوب سيناء لعمل تلك التصميمات، ويعمل معي أكثر من 20 سيدة من سيدات سيناء وخاصة كبار السن ممن لديهم الخبرة، ونشارك الآن في العديد من المعارض داخل مصر وخارجها.
وعن الألوان داخل التصميمات، تقول: أحافظ على كافة الألوان التقليدية للتصميمات الأصلية السيناوية، فهي التي تعبر عن طبيعة المنطقة ويغلب عليها الألوان النارية الصاخبة، وجميعها تستخدم على الثوب الأسود، فلا يوجد في سيناء الأثواب الملونة وتكون كافة الزخارف والتطريزات على القماش الأسود، لكن عندما نقلت تلك التصميمات على قطع الأزياء الحديثة كان من الضروري تغيير الألوان الخاصة بقطعة الملابس، حيث استخدمت نفس الزخارف لكن على ألوان مختلفة غير الأسود.