أهمها الرعاية الصحية والإجازات.. حقوق العمال في مصر القديمة
اهتمت الحضارة المصرية القديمة بتأمين حقوق العمال ماديا واجتماعيا وصحيا، بحسب من أورده بيتري في كتابه “الحياة الاجتماعية في مصر القديمة”، والذي أوضح فيه أن طبقة العمال الفنيين كانت أسعد حظا من الفلاحين في خضوعها لنظام توظيفي تحكمه قواعد ثابتة تشمل الراتب العيني والمسكن والرعاية الصحية.
مدينة العمال
يشير الطيب عبدالله، مرشد سياحي، إلى أن أطلال مدينة العمال الملحقة بمقابر دير المدينة بالبر الغربي بالأقصر والتي تعود لعصر الدولة الحديثة (1550 -1077 ق.م) أكبر دليل على تمتع العمال البنائين والنحاتين والراسمين بميزة الإقامة المريحة في دور صغيرة متراصة ومتقابلة، لافتا إلى أن النصوص تشير إلى أن كل مجموعة عمل كانت تتكون من 12 عاملا لهم رئيس مستقل، كما دلت النقوش على أنه كان يصرف لهم يوميا أرغفة الخبز وشراب الجعة “بوظة الشعير”، وكانوا في نهاية كل أسبوع يحصلون على أجرهم العيني وكان عبارة عن الغلال والأطعمة.
ويوضح عبدالله، أنه حتى الفلاحين كان يتاح لهم أن يعملوا في فترة الفيضان في أعمال الرفع والجر وكانوا يتقاضون أجرا لذلك، نافيا أن يكون الملوك القدامى قد عمدوا إلى السخرة بل كانت طريقة عملية لتوظيف الفلاحين لمدة فترة الفيضان حيث تتوقف الحقول فيتاح للفلاحين العمل والكسب، ولفت أنه من المهم أن نفرق بين العامل العادي والذي يعمل في الأعمال البدنية الشاقة والعامل الفني مثل البنائين والنحاتين.
رعاية صحية
يعرض الكاتب برنوا اليو في كتابه “الطب في زمن الفراعنة” كيف واجهت الإدارة المصرية القديمة مخاطر المهن الصحية ووضعت لها حلولا إدارية تمثلت في تأمين أماكن العمل بحيث لا تشكل خطورة على حياة العامل وحلولا صحية تمثلت في توظيف أطباء في بعض ميادين العمل- خصوصا الخطرة – لمباشرة الرعاية الصحية للعمال والتعامل مع الأزمات الصحية الطارئة.
الصياد والتمساح
ويورد “اليو” أن الصيادين كانوا من أكثر المهن تعرضا للأخطار بحكم عملهم في النيل وتعرضهم للغرق وسط المستنقعات أو عضة التماسيح، لذلك فقد لجأت الدولة إلى عمل مصائد عمومية كبيرة تعتمد على شباك كبيرة لتجنيب الصياد استخدام الصنارة، كما عمدت إلى تنظيم حملات لصيد وقتل التماسيح لحماية حياة الصيادين بجانب توافر الدواء في حالة عضة التمساح طبقا لعدد من البرديات الطبية.
إجازة مرضية
“قاطع الأحجار يقطع كل أنواع الحجارة الصلبة باستخدام أزميل، وعندما ينتهي من عمله تكون ذراعاه قد تكسرتا، ويكون قد أنهك تماما، وعندما يجلس في الغسق، تتييس ركبتاه وظهره من الألم”، هكذا عبر الكاتب المصري عن حال قاطع الأحجار واصفا المتاعب الصحية الناجمة عن عمله، بحسب اليو، ملمحا إلى أن مدونات مباشرة العمل دلت على إعطاء بعض العمال راحة إجبارية لمرضهم وتعرضهم لإصابات العمل، معتقدا أن ذلك يمثل أولى صور الإجازة المرضية للعامل في التاريخ.
طبيب العمل
كما ينوه”اليو” في كتابه “الطب في زمن الفراعنة” بأن نقوش دير المدينة تدل على أنه كان هناك طبيبان مخصصان لرعاية العمال صحيا وتظهر بعض المناظر الطبيبان وهما يقومان بعملهما داخل مواقع العمل كما تظهر صور حوادث العمل التقليدية، فنرى أحدهما وهو ينزع شيئا قد دخل في عين أحد العمال، بينما الآخر يقوم بعلاج كوع مخلوع ويظهر بجواره مساعده وهو يعد جبيرة لتثبيت الكوع، لافتا إلى أنه من الإصابات الشائعة في مواقع العمل إصابات الرأس والتي كانت تستلزم عناية سريعة وفائقة للتأكد أنها إصابات حميدة يمكن علاجها بالطرق العادية من تضميد للجروح وخياطتها أو إصابات بالغة في الرأس والتي كانت تقتضي فحص المصاب فحصا إكلينيكيا دقيقا لمعرفة مؤشرات جسمه الحيوية واستجابته للعوامل الخارجية فيتم فحص عينيه وضغط دمه ونبض قلبه، مشيرا إلى أن بردية “أدوين سميث الطبية” ذكرت أن الطبيب المصري رصد حالات إصابة العمال بالتيتانوس جراء تلوث الجروح، كما أشارت البردية إلى تعيين طبيب مختص في علاج لدغات العقارب والثعابين والتي كان يتعرض لها العمال بشكل متكرر.
هوامش
- الحياة الاجتماعية في مصر القديمة (ب دي إف)– فلندرز بيتري- ترجمة:حسن محمد جوهر وعبدالمنعم عبدالحليم –الهيئة العامة للكتاب 1975 – من ص 64 إلى 72.
- الطب في زمن الفراعنة (ب دي إف) برنوا اليو _ ترجمة: كمال السيد –المجلس الأعلى للثقافة 2004 – من ص 139 إلى ص 160.
- جميع الصور الواردة بالموضوع من موقع ويكيبيديا برخصة المشاع الإبداعي.
21 تعليقات