وعود خالد العناني في «اليونسكو»: الحفاظ على التراث وحرية التعبير وحماية حقوق الصحفيين

حصل «باب مصر» على نسخة ضوئية من خطابات المرشحين الثلاثة على منصب مدير عام منظمة اليونسكو، والذي سيتم الإعلان عن شاغله في أكتوبر المقبل، حيث ينافس المصري خالد العناني، وزير الآثار الأسبق، كلًا من المكسيكية جابرييلا راموس، المديرة العامة المساعدة للعلوم الاجتماعية والإنسانية في اليونسكو، والكونغولي فيرمين إدوارد ماتوكو، المدير العام المساعد لإدارة إفريقيا والعلاقات الخارجية في المنظمة
جاءت رؤية المرشح المصري خالد العناني تحت شعار «اليونسكو من أجل الناس»، حيث ركز برنامجه على جعل الإنسان في صدارة أولوليات عمل اليونسكو «دون تمييز أو تفرقة». كما يسعى إلى مكافحة البيروقراطية داخل المنظمة، ويقترح العديد من الآليات لتنويع مصادر تمويلها، مثل استكشاف فرص جديدة لجمع الأموال، بما في ذلك الشراكات الإعلامية والفعاليات الثقافية، إلى جانب إطلاق حملات لجمع التبرعات. وينوي أيضا تخصيص صندوق للطوارئ، مؤكدا على ضرورة أن تكون اليونسكو مستعدة من خلال هذا الصندوق التعامل مع أوقات الطوارئ مثل: الكوارث الطبيعية والصراعات والأزمات.
رغم ذلك، تشير بعض التقييمات إلى أن رؤية العناني تفتقر إلى تحديد أولويات واضحة للمبادرات الجديدة، إذ تغطي جميع جوانب عمل اليونسكو تقريبا، ما يجعلها تبدو كقائمة شاملة بما تفعله المنظمة بالفعل. ويلاحظ اعتماده المتكرر على مصطلح «الاستمرارية» أكثر من «التحول»، رغم تقديمه بعض المقترحات الجديدة. فقد استخدم عبارات مثل «ستواصل اليونسكو» أو «ستبقى اليونسكو ثابتة»، ما يفهم منه أنه يؤيد استمرار الدور الحالي للمنظمة، بدلا من اقتراح حلول جذرية لمؤسسة تواجه انتقادات متزايدة بسبب تعاملها البيروقراطي مع التحديات العالمية المتغيرة.
قيم المنظمة
من جانب آخر، تحتاج استراتيجيات جمع التبرعات التي يقترحها إلى دراسات متأنية، لا سيما وأن رؤيته تدعو إلى تنويع مصادر التمويل عبر شراكات إعلامية وفعاليات ثقافية مدعومة. ورغم أهمية الاستدامة المالية، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من المنظمة لخمس سنوات، وما تبعه من أزمة مالية، لم يوضح العناني آليات تنفيذ تلك التصورات؛ لذلك، فإن تنفيذ هذه الخطة دون إدارة دقيقة قد يؤدي إلى تضارب محتمل بين مصالح الممولين والقيم الأساسية التي تحميها المنظمة.
دعم السياسات الوطنية
فيما يتعلق بالتراث، وعد العناني بالحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي عبر تسخير العلوم والتقنيات الحديثة، هذا بجانب تدريب المعلمين وتعزيز الزيارات الميدانية لهذه الأماكن، بهدف ربط الطلاب من مختلف أنحاء العالم بتراثهم. كما وعد بأن تعمل المنظمة على حماية الممتلكات الثقافية خلال فترة النزاعات، ومكافحة الاتجار غير المشروع بها، وحماية التراث المغمور تحت الماء، والطبيعي، والتراث الثقافي المادي منه وغير المادي.
ورغم هذه الوعود، لم يقدم العناني أو غيره من المرشحين خطة منطقية تتيح التعامل مع مواقع التراث العالمي المهددة، وخاصة المهددة بسبب الصراعات المسلحة والتي دخلت فيها العديد من البلدان في الفترة الأخيرة ومنها الحرب الروسية الأوكرانية، والاعتداءات المتواصلة على التراث الفلسطيني، والسوداني، واليمني، والسوري.
التعاون مع الهيئات الاستشارية
لضمان تمثيل أفضل للدول في قوائم اليونسكو، وعد العناني بتوفير مساعدة مخصصة يتم تقديمها للدولة وهي تخص المساعدة في إجراءات التسجيل من خلال التعاون مع الهيئات الاستشارية داخل المنظمة، وبخاصة للبلدان الممثلة تمثيلًا ناقصًا. إذ سيتم إعطاء الأولوية للمواقع المهددة بالانقراض، والعمل على جذب الموارد المالية للحفاظ على التراث، وتعزيز فكرة السياحة المستدامة؛ وبالتالي ضمان حماية المواقع التراثية.
وتعهد أيضا بدعم السياسات الوطنية التي تحفز الصناعات الثقافية والإبداعية كقوة دافعة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وأن تواصل اليونسكو حماية حقوق وحريات الفنانين والمهنيين والعاملين في المجال الثقافي، ودعمهم خلال أوقات الأزمات. بجانب مواصلة المنظمة تنفيذ دورها المحوري فيما يتعلق بسلامة الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام وخاصة النساء، وحماية حرية الرأي والتعبير. مع تقديم الدعم لوسائل الإعلام المستقلة والحرة والمتعددة.
التعليم والتغير المناخي
ينوي العناني الالتزام بقوانين ولوائح اليونسكو، باعتبارها المرجعية لكل القرارات التي ستتخذها المنظمة. هذا بجانب دعم المعلمين والعلماء والباحثين والفنانين والصحفيين وكل فرد معني بنشر مهمة المنظمة، مع وعد بحماية حقوقهم كاملة.
وفي ملف التعليم، وعد بزيادة الاستثمار في البنية التحتية، مع إمكانية الوصول إلى الإنترنت، خاصة في المجالات المتعلقة بالسلام، وحقوق الإنسان، والتنمية المستدامة، والمواطنة العالمية. بما في ذلك أيضًا التعليم حول الإبادة الجماعية والماضي العنيف. بجانب تحديث المناهج الدراسية، والتركيز على التعلم الرقمي.
أما فيما يخص قضايا المناخ، فقد أكد أن اليونسكو ستستجيب لاحتياجات الدول في معالجة تأثير تغير المناخ، وهي الأمور التي ستتم من خلال الإعلام والتعليم، والتوعية. حيث ستواصل المنظمة جهودها في العمل المناخي، والتنوع البيولوجي، والنظم البيئية، والحفاظ على التنوع الجيولوجي، وأمن المياه، وإدارة المحيطات، والحد من مخاطر الكوارث. كما ستعزز المنظمة من البحوث التعاونية، والرصد البيئي داخل مواقع التراث العالمي.
تحديات القارة الإفريقية
أما بالنسبة لإفريقيا، فقد تعهد مرشح مصر بالاستجابة للأولوية العالمية لإفريقيا عبر دعم المجتمعات داخل القارة. وذلك بهدف معالجة تحديات القارة، حيث ستعمل المنظمة على تعزيز التعاون مع هذه البلدان، وكذلك الاتحاد الإفريقي والجهات الدولية.
كما وعد بتمكين الشباب من خلال تطوير مهارتهم، وتعزيز برامج التبادل الثقافي والأكاديمي، مع إشراكهم في عمليات صنع القرار. وقال في خطابه: «يجب أيضًا اتخاذ إجراءات لدعم الفئات الضعيفة بشكل فعال في أوقات الطوارئ مثل الكوارث الطبيعية، النزاعات، والأزمات؛ لذلك يجب أن تكون المنظمة مستعدة، من خلال تخصيص صندوق هدفه الوفاء بأدوار المؤسسة».
وفي نهاية خطابه، وصف العناني رؤيته بأنها يد ممدودة ونداء للعمل، من أجل منظمة قادرة على توحيد الناس عبر تعزيز الحوار، والثقة، والاحترام. يقول: «دعونا نتحد لبناء يونسكو من أجل الناس».

رؤية مرشحة المكسيك
على الجانب الآخر، جاءت رؤية تحت شعار: «تشكيل يونسكو أكثر شمولًا وقوة وابتكارًا للقرن الحادي والعشرين». استهلت راموس خطابها بالترويج للمناصب الدولية التي وصلت إليها في محاولة منها لإقناع الدول الأعضاء ببرنامجها. ومنها عملها كمديرة عامة مساعدة للعلوم الاجتماعية والإنسانية منذ عام 2020 داخل المنظمة.
أقرت راموس بتراجع الثقة بالنسبة لفكرة التعددية، وأكدت الحاجة الملحة إلى إصلاح داخلي لليونسكو. وأشارت لوجود التزامات دولية جرى الاتفاق عليها في الماضي. لكنها في المقابل ترى أن هناك فشل في سد الفجوات عدم المساواة التي تؤدي إلى تآكل المجتمعات والديمقراطيات على حد سواء.
رغم هذه الإخفاقات، تراهن راموس على أن اليونسكو لا تزال حتى اليوم علامة تجارية قوية تحظى باحترام في جميع أنحاء العالم وأن لديها القدرة لمعالجة هذه القضايا. لكن في المقابل شددت على ضرورة وفاء المنظمة بوعودها، لتقديم خدماتها بطريقة أكثر فعالية ووضوحًا.
ودعت إلى تبني استراتيجية متكاملة تجمع بين العلوم والتكنولوجيا، والسياسات الاجتماعية، والتعليم، لتحقيق التكامل الذي يؤدي إلى النجاح. وأكدت أيضًا على أهمية غرس المزيد من الإنسانيات في الأجندة التعليمية الدولية، مع إضافة الفنون والفلسفة والأخلاق إلى مناهج العلوم الدقيقة والرياضيات. حيث أشارت إلى أن هذا التوجه سوف يسلط الضوء على أهمية التفكير النقدي في سياق التعليم الحديث.
صعوبات في رؤيتها
رغم وضوح المحاور الاستراتيجية، إلا أن رؤية راموس تعاني من عمومية بعض المقترحات، ما يضعف قابليتها للتنفيذ العملي، فمثلا، دعوتها لتنفيذ «خارطة طريق كاملة» تبقى دون تفاصيل دقيقة، مما يجعل من الصعب تحويلها إلى خطة تطبيقية ملموسة.
كذلك، رغم حديثها عن الإصلاح الداخلي للمنظمة، فإن حلولها لم تكن مفصلة. فقد تحدثت عن المشاكل التي تسببها البيروقراطية والثقل. كما غاب عن خطابها الإشارة لمصادر تمويل جديدة ومستدامة. وعلى الرغم من الحديث عن الحاجة إلى «تمويل» في سياق الذكاء الاصطناعي، لكن لا يقدم البيان خطة شاملة ومبتكرة لتنويع مصادر التمويل للمنظمة ككل، وهو تحدي كبير تواجهه المنظمات الدولية».
وفي نهاية خطابها قالت راموس: “سأظل ملتزمة لقيادة اليونسكو إلى مستقبل جيد”.

رؤية مرشح الكونغو
أما المرشح الثالث، الكونغولي فيرمين إدوارد ماتوكو، فحمل شعاره عنوان: «اليونسكو.. مفهوم في خدمة السلام، مساحة خاصة للحوار والتضامن». حيث ركزت رؤيته على الأساس الفلسفي العميق لليونسكو. مؤكدا أن المنظمة يجب أن تظل منظمة الحوار والسلام بين المجتمعات. كما يرى أن التعددية ستظل هي الإطار الأمثل لإيجاد حلول دائمة للأزمات المتعددة التي تهدد بالاستقرار العالمي.
حلول خلاقة
يرى ماتوكو أن اليونسكو بمثابة «مختبر للأفكار»، إذ يشير لدورها المهم في التفكير المستقبلي عبر تقديم حلول مبتكرة. حيث أوضح أن هذا التصور يعزز من مكانة المنظمة كمركز للابتكار الفكري والبحث عن حلول خلاقة للتحديات العالمية.
وتركزت رؤيته على إفريقيا، وتحديدًا قضية المساواة بين الجنسين، كما ركز أيضًا على تخصيص العديد من الموارد لإفريقيا وهذا ما يتماشى مع أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي.
تحديات داخلية
وفيما يخص النفقات ناقش المرشح الكونغولي مشكلة النفقات الإدارية. حيث ذكر بوضوح أن نفقات الإدارة تستهلك أكثر من نصف ميزانية المنظمة. لذلك دعا إلى تحكم أكثر صرامة وذلك لضمان توازن مناسب «الأمر يتطلب شجاعة في مواجهة التحديات الداخلية الرئيسية».
لكن رغم قوة الطرح الفلسفي، فإن رؤيته تفتقر تحديد الإجراءات الملموسة والخطوات التنفيذية لتحقيق الأهداف النبيلة المطروحة. وتنفيذها على أرض خاصة أنه لم يضع آليات واضحة لتطبيق أفكار. كذلك، يلاحظ أيضًا نقص التفاصيل حول «الآليات المالية الجديدة» على الرغم من تشخيصه الدقيق لمشكلة النفقات الإدارية. فإن مقترحاته لـ«آليات مالية جديدة» تفتقر إلى التحديد، ما يترك تساؤلات حول كيفية تحقيق هذا الإصلاح المالي.
وعلى غرار العناني، يلاحظ التركيز على «الاستمرارية» في بعض المجالات دون التركيز على الابتكار. حيث يستخدم ماتوكو عبارات مثل «سنواصل تعزيز العمل». مما يوحي بالاستمرارية على حساب الابتكار الجذري أو إدخال مقاربات جديدة تماما.
كسر الحواجز
في نهاية خطابه قال مرشح الكونغو إنه ملتزم بالحفاظ على الوحدة الأساسية بين إدارات اليونسكو. كما أوضح أنه لا توجد حواجز أسوأ أمام سلام الشعوب وهو مطلب نبيل يحاول الجميع السعي إليه.
وأضاف: اليونسكو لديها القدرة على كسر هذه الحواجز في عقول رجال ونساء هذا الكوكب. لذلك أؤمن أنه من الممكن جعل منظمتنا أقوى، وأكثر التزامًا بتعزيز السلام مع الحفاظ على القيم العالمية التي تدعم السلام والتنمية، وتضمن مستقبلًا مستدامًا للأجيال القادمة.
اقرأ أيضا:
بعد أزمة دير سانت كاترين.. هل خسر «خالد العناني» معركة اليونسكو؟