«هدى سلطان».. صوت الغربية الدافئ الذي لم يغًب

من بيتٍ كبير بقرية «كفر أبو جندي» التابعة لمركز «قطور» بمحافظة الغربية، إلى قصرٍ أكبر في قاهرة المعز، من شدوها الخفي في حمام منزلها وتمثيلها أمام المرآة، إلى نجمة تصدح بصوتها عاليًا بـ«لاموني» وغيرها. إنها الفنانة «هدى سلطان» التي رحلت عن عالمنا في مثل هذا اليوم، الخامس من يونيو عام 2006، ابنة الغربية التي تربت على الكفاح بصوتها، وعلى بساطة ظهرت في تمثيلها وقوة شخصيتها، وعلى ثورية تمردت بها على الأفكار والتقاليد وعاشت للفن.

نجومية هدى سلطان

لم يكن الفن بالنسبة لهدى سلطان رفاهية، بل امتدادا طبيعيا لما عاشت عليه في بلدها كفر أبو جندي. حيث كانت تستمع لحكايات مختلفة في الدوار. ويتشارك إخوتها حب الفن، حتى لو بشكل مستتر. كان إحساس هدى سلطان عالٍ، تمامًا كما كان دومًا في بلدتها، فقد ولدت في عام 1925 لعائلة إقطاعية، لأبٍ كان فلاحًا، وأمٍ لم لا تعمل، حسب قولها في حوارها مع مجلة “الكواكب.”

وذلك الإحساس هو ما أبقى حب الريف في قلبها، رغم انتقالها إلى العاصمة، ورغم نجوميتها في السينما والدراما. إلا أنها لا زالت تتمتع بنغمة حياة الريف الصادقة حتى رحيلها. وعاش حب الغناء في قلبها حتى بعد اعتزاله.

نشأة هدى سلطان

تربت هدى سلطان على سماع التواشيح والمواويل الشعبية في مولد السيد البدوي في طنطا. وكانت تقلد المداحين بعد عودتها من الموالد، وهذا ما أثرى صوتها وجعلها تكتشف جماله.

نشأت في بيتٍ محافظ، يلتزم بتعاليم الدين وتقاليد العُرف، ولم يسمح لها بممارسة الغناء إلا خفية. أما شقيقها الفنان محمد فوزي. فقد سبقها وتمرد على عالم الخفاء والمحافظة، وراح يمارس هوايته في الغناء بعيدًا. إلى أن أختار اللجوء للعاصمة.

«كان أبي محافظًا جدًا، حريصًا على تعليمنا أمور ديننا. حتى إنني حفظت القرآن الكريم كاملًا في كتَّاب بقرية أبو جندي»، هكذا قالت هدى سلطان في حوارها مع المجلة.

وفي حوارها مع الصحفية فاطمة شعراوي في عدد “الأهرام” الصادر في 24 مايو عام 1997، قالت هدى سلطان إنها لم تشعر بلحظة ندم واحدة على خوضها معركة ضد التقاليد. التي تربت عليها في بيتها في طنطا ولا على اتجاهها للفن في العموم. وأضافت أنها، على النقيض تمامًا تشعر دائمًا بأنها لا تستطيع العيش دون الفن. هذا لأنها هاوية وليست مجرد محترفة. فقد التحقت بالفن، وأنفقت من مالها وأرضها عليه. لأنها أحبته وتحملت الكثير حتى تصل لهدفها الذي طالما تمنته.

الفنانة هدى سلطان
الفنانة هدى سلطان
كيف التقطها الفن من قلب بيتها المحافظ؟

في حفلة من حفلات مدرستها بطنطا، تجرأت بهيجة عبد العال “هدى سلطان” بالبوح بموهبتها الغنائية في رائعة أم كلثوم «أنت فاكراني ولا ناسياني»، وكان هذا سببًا كافيًا لتزويجها دون الرابعة عشر عامًا.

ولم يعلم أبيها أن زواجها من محمد نجيب سيساعدها في الحصول على فرصتها للجوء للعاصمة. حيث اكتشفها نجوم الفن والطرب. وغيرت اسمها من بهيجة عبد العال إلى هدى سلطان. واعتمدت بالإذاعة المصرية رسميًا كمطربة عام 1949.

كان صوتها مميزًا دافئًا، فيه شجن معبِّر عن نقائها وإخلاصها لما تفعل. عبر عن ذلك أول أغنياتها بالإذاعة «حبيبي ملقيتش مثاله»، وهي من تأليف علي سليمان، وألحان أحمد عبد القادر.

لماذا منع محمد فوزي شقيته هدى سلطان من الغناء؟

في لقاءٍ لها على قناة “ماسبيرو زمان”، أكدت هدى أن غناءها لم يكن على هوى زوجها فتم تطليقها. ولم يكن أيضا على هوى شقيقها محمد فوزي، والسبب في ذلك أنها فتاة، وأنها ابنة الريف والبيت المحافظ.

«كان خايف عليا، البنت غير الولد، وطنطا غير مصر، والفن له تضحيات». هكذا بررت سلطان سبب منع محمد فوزي لها من الغناء. مؤكدة أن تمردها هذا لم يكن إلا له، لأن أهلها في طنطا لم يعرفوا شيئًا عنها تقريبًا بعد موت الأب والأم.

واختلف فوزي وهدى خمسة أعوام بسبب الغناء وأيضًا التمثيل. ثم ارتضت حديثه في الوقت الذي مرض فيه بشدة، ودعتها زوجته مديحة يسري إلى بيته لزيارته. وهناك اعترف بها محمد فوزي حينها بين أحضانه، ولحن لها العديد من الأغاني بعدها.

وجوه الريف في ملامح أدوارها

قبعت ملامح الريف في تكوين هدى سلطان الفني، وظهر هذا جليًا في لعبها أدوارا عديدة، من الأم الحنون والمحكمة في مسلسل «الوتد». والأم التي تخاف على ابنيها حق الخوف في مسلسل «أرابيسك». والأنثى اللعوب في «امرأة في الطريق»، وكذا بنت البلد الجدعة، والمرأة المكافحة،

وكأن كل الشخصيات التي مثلتها ساكنة بداخلها، رأتها بعينها في بيئتها الريفية البسيطة قبل أن تنتقل من طنطا. هي وجوهٌ مكررة ولكن لم يعلم أحد عنها شيء إلا بإخراج سلطان لها من ثنايا روحها وتمثيلها بشغف.

أكدت في حواراتها الصحفية المختلفة أن دور الأم متنوع في جميع أدوارها. فهي مثلت الأم الأرستقراطية والشعبية والريفية والحنون. وكل هذا متأصل في شخصيتها ونشأتها في ريف طنطا.

أحبت هدى سلطان التفصيل والخياطة منذ طفولتها، نما هذا الشيء معها في كل مرة تمثل فيلمًا جديدًا. فكانت تخيط أزياء هذا الفيلم بنفسها، حتى فساتين زفافها وزفاف بناتها حاكتها بنفسها. ما يفسر ارتباطها الشديد بالبيئة التي خرجت منها وسكنت فيها.

الفنانة هدى سلطان
الفنانة هدى سلطان
هدى سلطان بين الفن والحجاب

ارتدت هدي سلطان الحجاب في منتصف حياتها المهنية، ولم تتوقف عن الفن ولا اعتزاله، لأنها بذلك رأت أن الفن يمنعها. أكدت على أن الفن هو روحها وأنها لن تعتزله، لكنها تنتقي أدوارًا مناسبة للحجاب، مشيرة إلى أن كل السيدات مررن بمرحلة التباهي بأجسادهن وصباهن.

في النهاية؛ يمكننا القول إن هدى سلطان حملت طنطا في صوتها، في هدوئها الحالم، في قوتها وشجاعتها، وبهجتها المفرحة. لم تغادرها أبدًا، وفي دورها كفنانة، أيقنت أن الفن الحقيقي لا يصنعه الاستوديو وحده؛ بل الجذور.

اقرأ أيضا:

«القضية 68»: هل يمكننا تخطي الهزيمة؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.