نحاتان من الأقصر يؤسسان أول مدرسة ومعرض لإحياء فن النحت الفرعوني

في مبادرة فريدة تهدف إلى إحياء التراث الفرعوني وتعليم أجيال جديدة فنون النحت القديمة، أطلق الفنانان بركات حمزة ومحمود ياسين، وهما من أبناء غرب الأقصر، أول مدرسة ومعرض متخصص لتعليم فن النحت الفرعوني المُقلد، وذلك في قرية حسن فتحي التاريخية بمنطقة القرنة. وتُعد القرية مكانًا مثاليًا لهذا المشروع، إذ تشتهر ببيوتها الطينية المميزة التي صممها المعماري الكبير حسن فتحي لتكون نموذجًا للعمارة الأصيلة، مما يمنح المدرسة بعدًا تراثيًا وحضورًا بصريًا متناسقًا مع روح النحت الفرعوني.

ولادة فكرة المشروع

يقول بركات حمزة، مؤسس المدرسة، إن الفكرة جاءت نتيجة شغف طويل بفن النحت. وإحساس عميق بالمسؤولية تجاه هذا الفن العريق، الذي ظل لسنوات طويلة حكرًا على الحرفيين التقليديين أو العاملين في مصانع الألباستر. دون وجود منهج علمي حقيقي لتدريسه.

وأضاف: “قررنا تقديم فن النحت مجانًا لفترة مؤقتة، لإتاحة الفرصة لكل من يرغب في التعلم. سواء من الجمهور المحلي أو الأجانب المهتمين بالحضارة المصرية، ثم بعد ذلك سنبدأ تقديمه بأسعار رمزية”.

وأوضح أن المدرسة تقدم تعليمًا لفنون النحت الفرعوني. إلى جانب النحت الإسلامي والمعماري، مع التركيز على بناء قاعدة علمية وعملية للمتدربين. تشمل شرح مبادئ النسب والتشريح، وفهم الرموز الهيروغليفية، والتعامل مع أنواع مختلفة من الأحجار. وأشار إلى أن مدة التعلم تختلف بحسب قدرات المتدرب، لكنها غالبا ما تتراوح بين أسبوعين وشهر.

معرض دائم وإحياء للسياحة

يضيف بركات: “المشروع يتضمن أيضًا معرضًا دائمًا لعرض الأعمال المنتجة داخل المدرسة، سواء من قبل المؤسسين أو المتدربين، وتتاح هذه الأعمال للجمهور والسياح بأسعار مناسبة، بما يضمن دخلًا إضافيًا للمتدربين ويحفزهم على الاستمرار”.

ويرى أن وجود معرض حيّ داخل القرية يسهم في تعزيز الحركة السياحية، إذ يجد السائح تجربة حية للتعرف على كيفية صناعة التماثيل، بدلا من الاكتفاء بمشاهدتها في المعابد والمتاحف.

سد فجوة فنية وتعليمية

من جانبه، يقول الفنان محمود ياسين، شريك بركات في تأسيس المدرسة والمعرض، إن الهدف الأسمى من المشروع هو سد الفجوة بين الرغبة الكبيرة لدى الشباب في تعلم النحت، وغياب المؤسسات التي تقدمه بشكل مدروس في مدينة تزخر بكنوز النحت الفرعوني مثل الأقصر.

وأضاف: “كثيرون ممن يعملون في النحت يكتفون بالتقليد دون فهم حقيقي، لا يعرفون لماذا نُحتت هذه التماثيل بهذه الهيئة، أو ما تعنيه الرموز المنقوشة عليها. نحن نحاول أن نعيد لهذا الفن روحه الحقيقية، ونبني جيلًا جديدًا من النحاتين الواعين”.

ويتابع: “مدارس النحت في مصر شبه معدومة، ولا توجد مؤسسة واحدة تهتم بتدريس النحت الفرعوني بشكل علمي في الأقصر، رغم أنها من أكبر مدن العالم التي تضم منحوتات وتماثيل فرعونية. لذلك قررنا أن تكون البداية من هنا”.

آراء المتدربين

يقول أحمد عرفة، أحد المتدربين: “كنت دائمًا أحب التماثيل والمنحوتات القديمة، وكنت أتمنى أن أتعلم كيف يتم نحتها، لكن لم أكن أعرف من أين أبدأ. عندما سمعت عن المدرسة، التحقت بها فورًا، والآن لديّ أعمال معروضة ضمن ركن المتدربين. التجربة غيرت رؤيتي للفن، وجعلتني أطمح لاحترافه”.

كما تروي إحدى الفتيات من القرنة، تجربتها قائلة: “النحت بالنسبة لي لم يكن مجرد مهارة، بل وسيلة للتعبير عن نفسي. وجدت في المدرسة فرصة نادرة، خصوصًا أننا كفتيات لا نجد غالبًا من يشجعنا على دخول مجالات كهذه”.

أهمية اقتصادية وثقافية

يشير محمود ياسين إلى أن المبادرة لا تقتصر على الجانب الفني، بل تحمل بُعدًا اقتصاديًا، إذ يمكن للمتدربين بيع أعمالهم للزوار، ما يفتح بابًا جديدًا للدخل. كما أن وجود ورش عمل حية يمكن أن يكون عامل جذب قويا للسياحة التعليمية والفنية، وهي أنماط سياحية جديدة تحتاجها الأقصر بجانب السياحة الأثرية التقليدية.

سياحة تعليمية وحرفية

من جانب آخر، يقول محمد عثمان، خبير سياحي ورئيس لجنة تسويق السياحة الثقافية بالأقصر: “مثل هذه المشاريع تعطي دفعة قوية لصورة المدينة عالميًا. لأنها تقدم للسياح تجربة مختلفة تتجاوز الجولات التقليدية في المعابد والمتاحف. السائح اليوم يبحث عن تجربة تفاعلية يعيش من خلالها روح المكان، ويريد أن يلمس بيديه ما يراه على الجدران أو التماثيل”.

وأضاف: “عندما يشارك السائح في ورشة نحت، أو يشاهد كيف تُصنع التماثيل بأسلوب يشبه ما فعله الفراعنة قبل آلاف السنين. فإن ذلك يترك لديه انطباعًا لا يُنسى، ويجعله يشارك تجربته مع الآخرين. مما يعزز صورة الأقصر كوجهة ثقافية متجددة”.

وأشار إلى أن هذه المبادرات يمكن أن تفتح المجال أمام سياحة تعليمية وحرفية. حيث يأتي الزوار خصيصًا لتعلم فنون مصر القديمة. ما يرفع من قيمة السياحة الثقافية ويضيف تنوعًا إلى الأنشطة السياحية التقليدية. كما أن المشاريع القائمة على التراث الحيّ تعكس صورة إيجابية عن المجتمع المحلي. وتمنح الحرفيين فرصة للتفاعل المباشر مع السائح. ما يعزز العوائد الاقتصادية.

من أعمال المتدربين
من أعمال المتدربين
خطط المستقبل

يكشف بركات حمزة عن خطط مستقبلية للمشروع تشمل تنظيم دورات متقدمة بالتعاون مع كليات الفنون الجميلة. وربما إرسال منحوتات موقعة بأسماء المتدربين للمشاركة في معارض دولية. ويقول: “نحلم بأن نصنع اسمًا عالميًا للنحت المصري الحديث المستلهم من روح الفراعنة”.

اقرأ أيضا:

«مزرعة الملك فاروق» بطفنيس.. إرث زراعي يتحول إلى كنز إنتاجي في الصعيد

«نخطو سويًا».. عندما يرقص الأطفال والجدّات معًا في الأقصر

قضية آثار الأقصر تعيد الجدل: مّن يملك الكلمة الفصل في التمييز بين الأصيل والمزوَّر؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.