دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

«منامات» سيد درويش الآن

مات سيد درويش في 15 سبتمبر 1923 في منزل شقيقته بمحرم بك. مات وفي فؤاده تلال الرؤى والمنامات. فما زال يذكر أغنيته: “باردون يا ونجت.. بلادنا خربت”، كلمات من رصاص لصدر المندوب السامي البريطاني. ويذكر في ثورة 1919 يوم أن ركب حنطوراً بصحبة بديع خيري ونجيب الريحاني وحسن فايق. يومها صعد سيد درويش فوق كرسي العربجي في ميدان عابدين وغنى: “يا مصر ما تخافيش.. دي أمورهم دي تهويش.. إزاي يقولوا مفيش حرية ولا استقلال”.

***

لقد عرف سيد درويش عيادة الدكتور علي حسن بالباب الجديد، حيث كانت مقرا للاجتماعات الوطنية لتنظيم المظاهرات والاضطرابات أثناء ثورة 1919 واستهل نشاطه بتلحين عدد من الأناشيد الوطنية. وسافر إلى الشام، هاجرا الأحبة وعاد ليغني في مقاهي الكورنيش، ويدرسَّ الموسيقى للهواة في نادي الموسيقى الشرقية. كما عرف الشيخ مفرح محمود، مؤذنا ومقرئا بمسجد علي البدوي بكوم الدكة، حيث قام بتحفيظ القرآن لسيد درويش، ثم اصطحبه لمدرسة “حسن حلاوة”.

آنذاك، لمع سيد درويش في حصة الأناشيد، وهو الذي أسَّر ذات يوم: “أنا أقدر ألحن الجورنال”. وهو الذي لحن: “يا ما شاء الله على التحفجية.. أهل اللطافة والمفهومية”، ويلحن مشهداً تمثيلياً، يصور بعض الكتبة العموميين على قارعة الطريق، وقد وفد إليهم بعض الفلاحين يستكتبونهم خطاباً لإدارة الجهادية، ويساومون الكاتب العمومي على الأجر. ما زال سيد درويش يذكر الإسكندرية، حيث سحره الموج وغواة شط الإسكندرية وأحب جليلة وظل طائراً وسط البلابل.

***

ولأن الليل طويل.. طويل فقد غنى: “على قد الليل ما يطول”، ليل العشاق وليل الاحتلال، وتحرر من “أمان أمان يا للي”، و”التنكيت والترللي”، فعاش مع بديع خيري، فكان ريشة على الوتر تجري، وعلى الورق أيضا.

لقد غنى سيد درويش مع عمال القنال: “يا عزيز عيني أنا نفسي أروح بلدي”. ونبذ الذين مضوا للقنال ليخلعوا الهلاهيل وليلبسوا “البالطو” في “الكامبو”، لأن المصري لا بد وأن ينهض، لأن الوطن يناديه، وأن الحلوة قامت تعجن من الفجرية، ورزقنا على المولى. ففي سيرتك المستعادة، نعلم يا عم سيد أن حزنك مقيم.. مقيم، لأنك تُحاصر دائماً. فيجرون تعقيماً على الألحان مما يفسد معانيها، فينهون عن: “شفتي بتاكلني أنا في عرضك”، “وبلا أمريكا بلا أوروبا”، و”خير بلادنا مش بإيدنا”، لتصير شيئا آخر.

فقد غاب الصهبجية، وغابت الجمعيات الأهلية التي بيدها العناية بتراثك، وذوي من أنصت جيداً لجروحك. فهل لديك حق في اللوم علينا؟ تلوم ومقدراتنا ليست بأيدينا. ولم تعد كوم الدكة التي عرفتها سوى مقهى عتيق وبنايات شاهقة تحيل الأزقة والشوارع الضيقة. وتلاشى مهرجان الموسيقى الذي كانت تنظمه إدارة الثقافة الرسمية في ذكراك، حيث أنشد الأهالي “زروني كل سنة مرة”، و”أنا هويت وانتهيت”.

اقرأ أيضا:

الأخيلة المهدرة

حين هبطت النساء السوق.. دائما

فراديس الناس اللي تحت

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.