دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

مكوجي الرجل في «الفكرية»: قصة «مجدي عياد» مع مهنة لا تنطفئ

لم يكن صوت المكواة الحديدية الثقيلة وهي تنزلق على قطعة قماش صوفي مجرد صوت عمل، بل جزءا من ذاكرة حي كامل في مدينة الفكرية بالمنيا. داخل محل صغير تفوح منه رائحة الفحم القديم والملابس الدافئة، يجلس عم «مجدي عياد»، أحد آخر العاملين في مهنة «مكوجي الرجل»، يدندن أغاني الزمن الجميل بينما تتحرك يداه بمهارة حفظتها السنين هنا، في هذا الركن البسيط، تتداخل الحرفة مع الحكايات، ويتحول الكي بالقدم من مجرد مهنة إلى إرث عائلي.

من أقدم المهن 

“مكوجي ولهان.. تايه دوبان .. معرفش البدلة من الفستان”، هكذا يدندن العم عياد، المتمسك بمهنة الكي بالقدم رغم كل التحديات التي واجهتها في العصر الحديث.

داخل محله الصغير الذي لا تتجاوز مساحته بضعة أمتار، تتراص أكوام الجلاليب الصوفية وقطع الملابس المختلفة بانتظار كيها بقدمه أو ذراعه. وتعد هذه الطريقة في الكي من المهن القديمة التي لا تزال موجودة في بعض محافظات الصعيد. لما تتميز به من قدرة على فرد الأصواف والجلاليب البلدية بدرجة أفضل من المكواة الكهربائية الحديثة.

يبدأ عم “عياد” عمله في الثامنة صباحا ويستمر حتى الثامنة مساءً، رغم انحناء ظهره نتيجة مشكلات في الفقرات. ما اضطره للاعتماد على ذراعه ويده بدلاً من قدمه.

ذكرياته مع المهنة 

يقول العم مجدي: “ورثت المهنة عن والدي، وبدأت أعمل فيها منذ كان عمري سبع سنوات. تعلمت على يد والدي الذي ورثها بدوره عن جدي. كانت المكواة ثقيلة جدا، وزنها يتخطى 20 كيلو. وكنت أساعد والدي حتى أتقنت المهنة مع الوقت وأصبحت مكوجيا محترفا أعرف تفاصيلها وقواعدها”.

وعن الفرق بين المكواة زمان والآن يقول: “المكواة كانت قطعة حديد ثقيلة توضع على الفحم أو الرمل الساخن. ثم أصبحت تُسخن على وابور الجاز، والآن اسطوانة الغاز حتى تصل لدرجة الحرارة المناسبة”. بعد التسخين، تبدأ عملية الكي التي تستغرق من 10 إلى 12 دقيقة للجلباب الصوف، الذي يحتاج لحرارة عالية ومجهود أكبر.

أنواع المكواة قديمًا

يوضح العم عياد أن المكواة كانت قطعة معدنية ثقيلة على شكل مثلث، لها ذراع لا يقل طوله عن 50سم، ووزنها يترواح بين 20 و30 كيلو جراما. مع قطعة خشبية تفصل بين سطح المكواة وقدم العامل.

ويضيف: “كان فيه مكواة اسمها (الكاوي) تسخن على الفحم ومكواة (العلبة) اللي كان بيتحط جواها فحم أو رمل سخن علشان تفضل محتفظة بحرارتها أطول وقت”.

مهنة شاقة

يستخدم العم عياد فرنا لتسخين المكاوي، ويبدل بينها باستمرار حتى لا يتوقف عن العمل. ويقوم بتنظيفها باستخدام السنفرة. يقول: “زمان كنت باخد خمس قروش على الجلباب. دلوقتي الكي بيبدأ من 5 لـ10 جنيهات حسب نوع القطعة”.

رغم مشقة المهنة التي يستخدم فيها جسمه كله، يؤكد أنه لا يزال سيدا لأنه يحافظ على مهنة أبيه رغم انتشار المكواة الكهربائية والبخار. ويحتفظ بما يسميه “سر الصنعة” في حركة الكي وأسلوبه.

طريقة كي الملابس

يقول عم عياد: “بعد ما تسخن المكواة، بظبط حرارتها حسب نوعية القماش. فيه ملابس ماينفعش تتكوي بالمكواة الحديثة زي الجلاليب الصوف الصعيدي، لازم المكواة الرجل علشان وزنها يساعد على الفرد”.

ذكريات الستينات

يتذكر العم عياد: “المحل عمرة أكتر من 100 سنة، زمان كان بييجي الأعيان والعمد، لأن الجلباب البلدي كان الزي الرسمي. والسيدات كمان كانوا بييجوا بالحنطور ومعاهم فساتين حرير وستان علشان نكويها”.

زفة فساتين العروسة وبدلة العريس

“مواسم الأفراح كانت أهم وقت لينا. الستات كانوا بييجوا بفساتين العروسة على زفة وطبل وزغاريد”، يقول عياد. وكانت بدلة العريس أيضا تكوى وسط أجواء احتفالية بفرقة المزمار والطبول حتى يخرج العريس مرتديا بدلته.

وفي ليلة العيد، كانت السهرة تمتد حتى الصباح على أنغام “يا ليلة العيد”. مع انتظار الرجل والشباب كي جلاليبهم استعدادا لصلاة العيد.

مواصفات خاصة للمكوجي

يوضح عم عياد أن مهنة الكي بالقدم اختفت في كثير من المحافظات، خاصة في الوجه البحري. لكنها ما زالت موجودة في بعض قرى الصعيد. نظرا لاحتياج الرجال لفرد الجلاليب الصوف التي تتطلب هذا النوع من الكي.

ويؤكد أن العامل في هذه المهنة يحتاج إلى مواصفات بدنية خاصة، أهمها قوة البنيان والقدرة على تحمل رفع المكواة الثقيلة وسحبها من فوق النار واستخدامها في كي الملابس. كما يعتمد المكوجي على قدمه في تحريك المكواة، ويستعين بقوة الدفع من القدم والزراع معا للحصول على فرد مناسب للملابس.

كما يحتاج مكوجي الرجل إلى “بنك” أو ترابيزة كي منخفضة الارتفاع تختلف عن المستخدمة في الكي العادي، ما يجعله يعمل أغلب الوقت في وضعية انحناء، وهو ما يزيد من صعبة المهنة ومشقتها.

مميزات مكواة الرجل عن المكواة الحديثة

يقول عم عياد، إن مكواة الرجل يمكنها كي أي نوع من الأقمشة حتى الفساتين، وتحافظ على ملمس الأقمشة وشكلها، على عكس بعض أنواع المكاوي البخارية التي قد تتسبب في تلف القماش مع الاستخدام المتكرر.

ويضيف أن الجلباب العربي والصوف والعبايات الجوخ، تحتاج درجات حرارة عالية ووزنا ثقيلا للمكواة ليتم فردها بشكل صحيح، كما أن المكواة الحديدية القديمة ثابتة وقليلة الأعطال وغير مكلفة، وقد تظل صالحة لعشرات السنين إذا جرى الحفاظ عليها ومنع الصدأ عنها. أما المكاوي الحديثة فتعتمد على الكهرباء والبخار وتستهلك طاقة كبيرة، مما يرفع تكلفة الخدمة على الزبائن.

اقرأ أيضا:

من بين الأزرار والكُلف.. حكاية «ويصا» أقدم بائع خردوات في شارع الأفراح بالمنيا

«بحيرة البهنسا» الغامضة.. ظاهرة طبيعية أم خطر خفي؟

حسن ونعيمة وألمظ وعبده أفندي: «المنيا» تُحيي «المولد» بعرائس الحكايات الشعبية

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.