متحف«سيد درويش» في الإسكندرية.. وعود كاذبة تتجدد كل عام

رغم مرور أكثر من قرن على رحيل فنان الشعب سيد درويش، إلا أن الإسكندرية – مسقط رأسه – ما زالت بلا متحف يضم مقتنياته ويخلد إرثه الفني. وعلى مدار سنوات، ترددت وعود متكررة بإقامة متحف للفنان في منطقة كوم الدكة، لكنها لم تتجاوز التصريحات والاجتهادات الفردية، لتظل مقتنياته النادرة حبيسة منازل العائلة بين القاهرة والإسكندرية.
ولقي قرار وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، بتحديد يوم 15 سبتمبر من كل عام يوما للموسيقى المصرية، صدى واسعا. إذ يوافق هذا التاريخ ذكرى وفاة سيد درويش. وشهدت الإسكندرية فعاليات متعددة بهذه المناسبة، أبرزها في متحف محمود سعيد، ومركز الحرية للإبداع، وأتيليه الإسكندرية، ومركز ثقافة الشاطبي، ودار أوبرا الإسكندرية (مسرح سيد درويش). إلى جانب المهرجان الشعبي في منطقة كوم الدكة، والصالونات الثقافية الأخرى.
سيد درويش.. عُمر صغير وإرث فني كبير
قال الدكتور حسن وصفي، نقيب الفنانين التشكيليين بالإسكندرية، في تصريح خاص لـ«باب مصر»، إن الفنان سيد درويش غيّر الموسيقى في الوطن العربي كله. إذ جعلها تعبر عن جميع فئات الشعب، لذلك استحق لقب “فنان الشعب”. وعلى الرغم من قصر عمره، فإنه ترك إرثا فنيا عظيما. واهتم كثيرا بالأعمال الوطنية ومناصرته لثورة 1919 ولسعد زغلول. لكنه رحل قبل عودته من المنفى.
وأضاف “وصفي” أن سيد درويش كان مضطهدا من الإنجليز بسبب أعماله الوطنية وتفكيره المستمر في نهضة مصر. ومع ذلك ترك بمة واضحة أثرت في الموسيقى اللاحقة له.
وأشاد بقرار تخصيص يوم للموسيقى في ذكرى وفاته، لكنه طالب بمزيد من الجهود لتخليد ذكراه عبر فعاليات أقوى. كتوحيد جهود الجهات الرسمية وتنظيم أسبوع كامل لعروض مسرحياته وأوبيريتاته وتقديم ألحانه. مؤكدا: “الفكرة ليست في لقاء عابر، ولكننا بحاجة إلى إظهار أعماله الروائية والغنائية والدرامية”.
فنان الشعب.. لقب عن جدارة
أشاد الموسيقار الدكتور هاني الحمزاوي في حديثه لـ«باب مصر» بارتباط اليوم المصري للموسيقى باسم سيد درويش، قائلاً: “رغم زخم التاريخ الموسيقي بفنانين كبار، إلا أن هذا اليوم لا يليق إلا بفنان الشعب. فقد كان له الفضل في ترسيخ الهوية الموسيقية المصرية. ونقلها من تأثيرات الاستعمار العثماني إلى موسيقى مصرية خالصة”.
وتحدث “الحمزاوي” عن أبرز محطات حياته، بدءا من نشأته وطفولته في كوم الدكة الشعبية والكفاح ضد الاستعمار. وتأثره بالعروض العالمية في أوبرا الإسكندرية. مرورا بسفره إلى الشام واطلاعه على الفنون الحلبية، وصولا إلى انتقاله للقاهرة. حيث عمل مع فرق مسرحية شهيرة مثل أولاد عكاشة وعلي الكسار وجورج الأبيض ونجيب الريحاني، وهو ما ساعده على إحداث ثورة في الموسيقى المصرية.
أثر فن سيد درويش تخطى سعد زغلول على الثورة
أكد “حمزاوي” أن تأثير فن سيد درويش على ثورة 1919 فاق أثر خطب سعد زغلول. إذ كان الملهم الحقيقي للجماهير، مثلما كان عبد الله النديم خطيب الثورة العرابية. وأشار إلى أن هناك أقاويل عديدة ترجح أن وفاته لم تكن طبيعية بل كانت نتيجة اغتيال من قبل الاحتلال البريطاني الذي اعتبره خطرا.
واختتم بقوله إن سيد درويش يمثل الخط الفاصل بين الموسيقى قبل عصره وما بعده. إذ تميزت موسيقاه بالمصرية الخالصة والوطنية الجارفة التي ربما كلفته حياته. وطالب بأن تعاد الألحان التراثية بروحها الأصلية دون تغيير. محذرا من أن تعديل ولو بسيط قد يغير هويتها بمرور الزمن.

الاحتفاء بورثة سيد درويش في قصر ثقافة الشاطبي
حظيت عائلة فنان الشعب سيد درويش باحتفاء كبير من الجمهور خلال حضورهم إحدى الفعاليات المقامة في قصر ثقافة الشاطبي بالإسكندرية. وألقى خالد البحر درويش كلمة الموسيقار عمر خيرت بهذه المناسبة. فيما لقيت والدة الفنان ترحابا خاصا من الحضور لندرة ظهورها في المناسبات العامة.
وعبر “درويش” عن سعادته باختيار وزير الثقافة لذكرى سيد درويش، مؤكدا أن العائلة لم تسع وراء هذا القرار، لكنها استقبلته بفرح كبير. موضحا أن مطلب العائلة الدائم كان يتمحور حول إنشاء متحف لعرض مقتنيات فنان الشعب، والموجودة جميعها لدى العائلة حتى اليوم في منزلي القاهرة والإسكندرية. مثل العصا والعود والأسطوانات والنوت الموسيقية ونصوص المسرحيات الكاملة.
اجتهادات فردية ووعود كاذبة
أشار درويش إلى أن ما أُعلن مؤخرا عن إقامة متحف على أرض المنزل الذي عاش فيه سيد درويش بمنطقة كوم الدكة لا أساس له من الصحة تماما. فهذه كلها مجرد اجتهادات فردية لم تعرض على العائلة. وأن حدثا بهذا الحجم يجب أن يتم عبر جهات رسمية مثل وزارة الثقافة، لا بقرارات فردية.
واستطرد موضحا أن فكرة إنشاء متحف لمقتنيات سيد درويش مطروحة منذ عام 2010 ضمن خطة تطوير ورفع كفاءة منطقة كوم الدكة بالكامل من خلال وزارتي الثقافة والآثار. حيث اطلع بنفسه على رسومات للمشروع الذي توقف لاحقا. وأضاف: “سأسعى حاليا لعرض مقترح إنشاء هذا المتحف داخل مسرح سيد درويش (أوبرا الإسكندرية). لأن إنشاءه على أرض منزل الفنان لم يعد مناسبا. فهذا الحدث إن لم يكن على مستوى يليق بقيمة سيد درويش. فالأفضل ألا يقام من الأساس”.
اقرأ أيضا:
إنشاء متحف «سيد درويش» في كوم الدكة: هنا تتعرّف على فنان الشعب
دعم «المهرجانات السينمائية».. أزمة تبحث عن حل
عودة «بينالي الإسكندرية» بعد انقطاع دام أكثر من 12 عاما.. كيف سيكون شكله؟