مبنى السلطان حسين بالإسكندرية.. من مقر تاجر قطن إلى مركز للعرض الفني والمتحفي

وسط شوارع الإسكندرية العتيقة، وتحديدًا في شارع السلطان حسين، ينهض مبنى تراثي فريد من نوعه، هو قصر رجل الأعمال الإنجليزي «أوزولد ڤيني»، ليبدأ فصلًا جديدًا من تاريخه.

وقد أعلنت وزارة الثقافة المصرية عن تحويل المبنى إلى مركز فني ومتحفي تحت إشراف قطاع الفنون التشكيلية، بالتعاون مع البنك الأهلي، مالك العقار، الذي حرص على الحفاظ عليه وترميمه بما يليق بقيمته المعمارية والتاريخية.

ڤيني.. التاجر الذي نقش اسمه على جدران المدينة

يوضح الدكتور علي سعيد، مدير عام المراكز الفنية بقطاع الفنون التشكيلية والمشرف على المشروع بالإسكندرية، أن المبنى سيكون أحد المراكز التابعة لقطاع الفنون التشكيلية. إلا أن المشروع لا يزال في طور الإعداد، ولم يتم تشكيل إدارة فنية من القطاع مسؤولة عن إدارة المبنى.

وأشار إلى أن قطاع الفنون التشكيلية يضم نوعين من العرض؛ متاحف وقاعات العرض. فالمتاحف تُعنى بالعروض الدائمة. بينما قاعات العرض تستضيف معارض مؤقتة لفنان أو أكثر ولمدة زمنية محددة. وأضاف أن فكرة العرض في هذا المبنى ستكون مختلفة. إذ سيستقبل عروضا متحفية مؤقتة، بمعنى قد يقام به معرض تصل مدتها الزمنية إلى عام، لذا من الضروري التجهيز له جيدا ليعرض بشكل مختلف نطلق عليه “متحف نوعي لفترة مؤقتة”.

وتابع: “نعمل حاليا على تجهيز عرض فني بحثي يجسد مدينة الإسكندرية الكوزموبوليتية خلال الفترة التاريخية التي عاش فيها “فيني”. ويشمل لوحات فنية، تماثيل، صورا فوتوغرافية والبعد التاريخي، نحكي من خلالها حدوتة الإسكندرية في فترة من أهم فتراتها التاريخية.

من الإقامة إلى العرض.. تحول وظيفي يحترم الهوية

يقول الدكتور إسلام عاصم، نقيب المرشدين السياحيين السابق وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، إن تحويل قصر “ڤيني” لمركز عرض فني وتاريخي خطوة مهمة جدا وإضافة ثقافية لمدينة الإسكندرية.

ويضيف عاصم في تصريحات لـ”باب مصر – بحري” أن أهمية هذا المبنى تكمن في تعبيره عن ملامح العمارة الكوزموبوليتية في هذه الفترة من تاريخ الإسكندرية. فالقصر يصور كيف كانت مدينة الإسكندرية القديمة متعددة الأعراق. تضم ثقافات وجنسيات مختلفة يتعايشون في تآلف وانسجام مع بعضهم البعض.

ويؤكد أن القصر يعود تاريخيا لأحد أبرز وأهم تجار القطن في مصر. إن لم يكن أكبرهم، وهو “أوزلد فيني” الإنجليزي الجنسية. وقد اتخذ من القصر مقرا لإقامته، وتعد الزخارف الموجودة بداخله من أجمل ما تكون، بداية من الأرضيات التي اختار لها حجارة من مختلف أنحاء العالم،.ومرورًا بالأسقف الرائعة أو الجدران الخشبية، وصولا إلى التماثيل التي لها طابعا يونانيا ورومانيا داخل المبنى. فالعقار عبارة عن أربعة طوابق والسطح الذي تم تصميمه بشكل رائع.

ويدعو “عاصم” المؤسسات الأخرى إلى اتباع نفس النهج. فعندما وجد البنك الأهلي نفسه يمتلك هذه الجوهرة الثمينة، آثر أن يتعاون مع وزارة الثقافة المصرية لكي يحوله إلى مركز عرض ثقافي فني بمدينة الإسكندرية.

بين الزخارف والرخام.. تحفة معمارية من الداخل

يرى د. إسلام عاصم، الذي يشارك في وضع التصور التاريخي للمشروع، أن هذا المبنى سيكون مركزا ثقافيا جديدا يعكس الشقين الفني والتاريخي للمدينة. مضيفا أن المركز سيتضمن عرضا لجميع المدارس الفنية التي مرت على مدينة الإسكندرية منذ نشأتها.

ويؤكد أن جزءا من المعرض عن تاريخ شخصية رجل الأعمال البارز “أزولد فيني” نفسه. وتاريخ المبنى أيضا وما كان شاهدًا عليه من أحداث على مر السنين. وسيتضمن المركز فعاليات ولقاءات وندوات ثقافية.

ويضيف: “نحن حاليا في طور الإعدادات الأولية للمشروع، وأتوقع أنه سيكون لهذا المشروع تأثير مهم على السياحة الداخلية والخارجية. يبرز الوجه التاريخي والثقافي لمدينة الإسكندرية، ولشخصية الإنجليزي “ڤيني” البارزة على مدار تاريخ المدينة. كما أن “ڤيني” ترك أثراً أيضا في تاريخ عمارة القاهرة”.

ويصف عاصم الوضع الحالي للقصر قائلا: “حالة المبنى حاليا من أفضل ما تكون، ومالكه الحالي أنفق الكثير سعيا منه للحفاظ على كل جزء في المبنى وترميمه على أعلى مستوى. وذلك لإدراكه الجيد بأهمية وقيمة القصر تاريخيًا ومعماريًا”.

وعن التوقيت الزمني للانتهاء من دراسة المشروع، وموعد افتتاح القصر كمركز للعرض الفني والمتحفي لاستقبال الجمهور. صرح “عاصم” بأن جميع الجهات المتعاونة بالمشروع تعمل بنشاط وجهد دؤوب. وحاليا يجري العمل على المرحلة التنسيقية التي ستحدد على أساسها الخطة الزمنية للمشروع؛ ما سيتم عرضه للجمهور، ومسارات الزيارات داخل القصر، وطبيعة ومواعيد الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية المختلفة.

قصر “أزولد ڤيني”.. التجربة تستحق التكرار

يقول المهندس مجدي صباغ، المتخصص في التراث المعماري، إن قصر “ڤيني” يقع في أحد الشوارع المتفرعة من شارع السلطان حسين في قلب مدينة الإسكندرية. وقد صممه المعماري الفرنسي الشهير “جان ساين” عام 1907. ويُعد من المباني التراثية المهمة في تاريخ مدينة الإسكندرية والمسجل في مجلد التراث، المختص بالحفاظ على المباني ذات القيمة المعمارية والتاريخية بالمحافظة.

يضيف: كان “أزولد فيني” من أغنى رجال الأعمال في مصر، وأكبر تجار القطن. وشغل منصب الملحق التجاري البريطاني بمصر وإفريقيا، كما كان مديرا لبورصة القطن. وقد أقام في هذا القصر، الذي يتميز بتصميمه الداخلي أكثر من التصميم الخارجي. ويضم الطابق الأرضي حمام سباحة حوله المالك الحالي للمبنى لاستخدام مختلف.

ويتابع: “الغرف الموجودة في الطوابق العليا للقصر كان لكل منها تصميم مختلف. وتم استخدام في كل منها أنواع مختلفة من الرخام تم تجميعه من أماكن متفرقة من جميع أنحاء العالم. فالقصر من الداخل يُعد تحفة معمارية بحد ذاته. هذا بخلاف محتوياته القيّمة العظيمة”.

ويشير إلى أن القصر كان يوجد به مجموعة من التماثيل. وبرج مراقبة أنشأه “فيني” بهدف مراقبة البواخر التجارية التابعة له وهي تدخل وتخرج من ميناء الإسكندرية.

نحو مركز ثقافي بمواصفات عالمية

يطالب المهندس مجدي صباغ، بعد تحويل قصر “ڤيني” إلى مقر للعرض المتحفي والفني. بضرورة تطبيق نفس النموذج على أماكن أخرى عديدة جميلة وتاريخية في مدينة الإسكندرية. يمكن تحويلها لأماكن ثقافية وتاريخية أيضا، بدلا من إغلاقها وإهمالها. واصفًا هذه التجربة بأنها فريدة ولائقة بمدينة الإسكندرية.

وأشار إلى أنه بجوار مبنى السلطان حسين، أنشأ “أزولد فيني” أيضا العمارتين المجاورتين، لتكونا مقرا للمكاتب الخاصة بشركاته. وهاتان العمارتان مسجلتان أيضا ضمن قائمة المباني التراثية للمدينة. ولكن من الملاحظ أن الملاك الحاليين لهذين العقارين لم يحافظوا على ترميم هذه العقارات التراثية بما يحفظ شكلها الجمالي والتاريخي. مثلما فعل ملاك قصر “ڤيني”.

اقرأ أيضا:

«في حضرة المقام».. مشروع بحثي لتوثيق ذاكرة منطقة بحيرة مريوط

معرض «الابتسامة الذهبية».. حين تصير الهشاشة فنًا والمقاومة ملامح

14 عاما من الصمت.. متى يرى «متحف الموزاييك» بالإسكندرية النور؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.