دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

سافر عبر 5 دول.. كيف وصل تمثال مصري بقيمة 6 ملايين دولار إلى مطار أمريكي؟

سلك تمثال مصري قديم طريقه على متن طرد بريدي عابر للقارات، من بانكوك إلى أنكوراج بألاسكا، مرفقا بوصف تجاري: «هذا الطرد يتضمن تمثال زينة للحديقة»، مع بيانات تشير إلى أن قيمته لا تتجاوز 1200 دولار. غير أن ما لم يتم تدوينه هو أن هذا التمثال الحجري يعود لعصر الأسرة الخامسة الفرعونية، ويزيد عمره عن 4500 عام، بينما تقدر قيمته الحقيقية بستة ملايين دولار، وقد خرج من مصر برق غير شرعية.

انفرد «باب مصر» بنشر تحقيق حول هذه القطع الأثرية الأربع عشرة قبل إعلان نتائج التحقيق الرسمية. ونستكمل هنا خيوط قضية تهريب التمثال، التي بدأت من شك موظف في أحد المطارات الأمريكية، لتكشف عن شبكة دولية لتهريب الآثار المصرية، تتوزع أطرافها بين تايلاند وكندا وألمانيا وإسرائيل، متورط فيها تجار آثار معرفون، من بينهم تاجر آثار معروف سبق له بيع قطع مشابهة عبر الإنترنت، مستخدمين منصات رقمية وشركات شحن كبرى لإعادة بيع المسروقات عبر السوق السوداء.

تهريب آثار عبر 5 مطارات

في 29 سبتمبر الماضي، حصلت حكومة الأمريكية على حكم غيابي من المحكمة الجزئية في مقاطعة ميريلاند، يقضي بمصادرة 14 قطعة أثرية مصرية قديمة. تم تهريبها بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة.

ووفقا لـبيان رسمي صادر عن مكتب المدعي العام بمقاطعة ماريلاند. جاء الحكم بعد مرور خمس سنوات على بدء التحقيقات التي انطلقت في أغسطس 2020. وأسفرت عن ضبط العديد من القطع المُهربة حتى إبريل 2021.

وخلال هذه الفترة، حددت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية القطع الأثرية الأربع عشرة أثناء فحص الطرود الواردة من شركات شحن أجنبية لهواة جمع التحف. ولم تمر جميعها عبر منفذ واحد. بل جرى ضبطها أثناء شحنها عبر مطارات أنكوراج (ألاسكا)، وسينسيناتي (أوهايو)، ومدينة نيويورك.

من هو مشتري التمثال المسروق؟

كشف التحقيق أن التمثال كان في طريقه إلى جامع آثار يقيم في بلدة “إدجووتر” بولاية ماريلاند. وتقدر قيمته بحوالي 6 ملايين دولار.

وبحسب مذكرة التحقيق: “طلب شراء هذه القطعة مواطن أمريكي يقيم في إدجووتر بولاية ماريلاند عبر موقع eBay. من سيدة تدعى سيلفيا باريرا في يوليو 2020، وتم شحنه بواسطة شركة (فادا للتجارة)”.

التمثال المصري تقدر قيمته بستة ملايين دولار - بيان ماريلاند
التمثال المصري تقدر قيمته بستة ملايين دولار – بيان ماريلاند
عمر التمثال المسروق

التمثال المضبوط واحد من 14 قطعة أثرية مصرية تم اعتراضها ضمن شحنة مشبوهة. وللتأكد من أصالتها، استعانت الجمارك بخبير متخصص في الفن المصري القديم. فأكد أن التمثال أصلي، ويرجع إلى إحدى الفترتين المزدهرتين في تاريخ مصر الفرعونية: الأسرة الرابعة أو الخامسة. أي منذ نحو 4500 عام.

وأشار الخبير إلى وجود تماثيل مشابهة له في مواقع أثرية شهيرة مثل سقارة والجيزة، قرب مدينة ممفيس، العاصمة القديمة لمصر.

آلية تهريب الآثار عبر العالم

بحسب التحقيقات، اتُبعت طرق معقدة في تهريب التمثال. إذ أرسل ضمن شحنة من شركة في بانكوك (تايلاند) إلى أحد الأشخاص عبر شركة الشحن “فيديكس”، مرورا بمطار أنكوراج في ألاسكا.

بدأت القصة في 15 يوليو 2020، عندما اشتبهت سلطات الجمارك في شحنة موصوفة رسميًا بأنها “تمثال حجري لحديقة المنزل” بقيمة 1200 دولار فقط. غير أن الفحص الدقيق أثار الشكوك. إذ أتضح أن التمثال، الذي يصوّر رجلًا جالسًا، ليس مجرد قطعة ديكور عادية.

فاتورة وهمية لشحن آثار بواسطة شرق آسيا والمحيط الهادئ بوصفه تمثال نسخة طبق الأصل
فاتورة وهمية لشحن آثار بواسطة شرق آسيا والمحيط الهادئ بوصفه تمثال نسخة طبق الأصل
متى خرج التمثال من مصر؟

السؤال الأهم هو: متى خرج هذا التمثال من مصر؟ تشير مذكرة التحقيق التي اطلع عليها «باب مصر» إلى أن المفاجأة جاءت حين تمكّن المحققون من مطابقة التمثال مع صور ثابتة من مقطع فيديو متداول بين مهربي آثار في دبي وألمانيا عام 2012. كانت قد اعترضته سلطات أجنبية في إطار تحقيق دولي.

وأظهر التحليل البصري أن التمثال المضبوط هو نفسه الذي ظهر في الفيديو قبل سنوات.ما يعني أنه ظل يتنقل في السوق السوداء لفترة طويلة قبل محاولة إدخاله للولايات المتحدة.

وقدّر الخبراء قيمته بنحو 6 ملايين دولار. أي أكثر بآلاف المرات من المبلغ المعلن في أوراق الشحن. وتشير الوثائق أيضا إلى أن هذه ليست الشحنة الأولى من نوعها. إذ جرى رصد شحنات مماثلة متجهة إلى كندا.

مراسلات مزيفة وفواتير مضللة

كشفت المراسلات بين المشتري وسلطات الجمارك الأمريكية عن محاولات للتلاعب في مصدر التمثال وقيمته. ففي 29 يوليو 2020، تلقّت الجمارك بريدا إلكترونيا من المشتري ردا على استفسار حول الشحنة. أرفق فيه وثيقتين: “تأكيد شراء” بتاريخ 28 يوليو، وفاتورة مؤرخة في 10 يونيو 2020″.

لكن المثير أن الوثيقتين لم تصدرا عن الشركة المرسلة الأصلية “Fada Trading” في تايلاند. بل كانتا تحملان شعار شركة أخرى هي “Asia Pacific (HK) Ltd”. ومقرها هونغ كونغ، والتي لم يرد ذكرها في الشحنة الأصلية.

إحدى الوثائق وصفت التمثال بأنه “نسخة طبق الأصل”، في تناقض مباشر مع تقييم الخبير الرسمي الذي أكد أصالته وارتباطه بالعصور الفرعونية القديمة. وفي 31 يوليو، قدم المشتري رواية جديدة، قال فيها إنه اشترى التمثال من “Fada Trading”، لكنه أشار إلى أن التصنيع يخص شركة “Asia Pacific (HK) Ltd”. وأرفق إيصالًا جديدًا يدعم هذا الادعاء.

التمثال المصري تقدر قيمته بستة ملايين دولار – مذكرة التحقيق الرسمية
التمثال المصري تقدر قيمته بستة ملايين دولار – مذكرة التحقيق الرسمية
التقليل من قيمة أثر مصري

بحسب إيصال مؤرخ في 11 يوليو 2020، يحمل توقيع المشتري وختم شركة “فادا للتجارة”، بلغت تكلفة شحن التمثال 1600 دولار. لكن مراجعة بريد جوجل الخاص بالمشتري كشفت اهتمامه بالقطعة لأسباب أخرى. ففي يونيو 2020 تبادل رسائل مع تاجر آثار كندي طلب فيها ترجمة للنقوش الهيروغليفية المنقوشة على التمثال. ما يؤكد إدراكه لأهميته الأثرية الحقيقية.

اللافت أن العلاقة بين المشتري والتاجر الكندي تعود إلى مارس 2019، حين أرسل له صورًا لتمثال مختلف وطلب رأيه فيه. حينها، أكد التاجر أن القطعة “جذابة لكنها ليست أثرية”. وهو ما قبله المشتري بالشكر.

محادثة تكشف أصالة التمثال

في مراسلة بتاريخ 9 يونيو 2020، أرسل المشتري ثلاث صور جديدة تُظهر نقوشًا هيروغليفية على ظهر التمثال الذي تم لاحقًا ضبطه. وخلال النقاش حول ترجمة النقوش، كتب التاجر: “يبدو أن القطعة قديمة”، ليؤكد له المشتري: “نعم، القطعة قديمة”.

وفي محادثة لاحقة، أشار المشتري إلى أنه يعتقد أن التمثال يُمثّل شخصية “تجنتي”، استنادا إلى أسلوب النقش. وسأل التاجر عن رأيه، فجاء الرد بالإيجاب مع وصف القطعة بأنها “مُلفتة للغاية”. وقد أرسل التاجر ردا إضافيا لم يفصح التحقيق عن مضمونه. هذه المحادثات جرت قبل محاولة تهريب التمثال إلى الولايات المتحدة بأسابيع قليلة. وتتعارض مع البيانات الرسمية المُرفقة بالشحنة.

التمثال يشبه مجموعة في متحف برلين

أشارت مذكرة التحقيق إلى رابط آخر، وهو صفحة على “فيسبوك” تضم صورًا لتماثيل شبيهة، يعتقد أنها معروضة في متحف برلين. كما أظهرت محادثات أخرى مع التاجر الكندي اعتقاده بأن التمثال قد يكون جزءًا من مجموعة متحفية في ألمانيا.

لكن التمثال لم يكن القطعة الوحيدة المشبوهة. إذ تكشف سجلات شركة FedEx أن المشتري تسلم خلال عام 2019 أربع شحنات إضافية من شركة “Fada Trading” أو من جهات مرتبطة بها. تضمنت وصفًا عامًا وغامضًا لمحتويات مثل “أوانٍ زجاجية صغيرة”، “جرار”، و”أطباق فخارية”. وهي طريقة شائعة تستخدم في تهريب القطع الأثرية لتفادي التدقيق الجمركي.

المشتري تاجر آثار

لم تكن هذه الشحنات الأولى التي تكشف نشاط المشتري في بيع الآثار. ففي نوفمبر 2014، عرض عبر منصة المزادات LiveAuctioneers.com مجموعة من الآثار المصرية للبيع.

وفي عام 2017، أصدرت “معارض ب للفنون” في أونتاريو فاتورة إلى جهة تعرف باسم “المركز الأثري المحدود”. تضمنت قطعا من “الزجاج القديم”، و”الفخار”، و”الحجر”، و”البرونز”، جميعها مصنّفة كآثار. وربطت التحقيقات لاحقًا هذا المركز – وهو معرض قديم في يافا بإسرائيل – بشركة “Asia Pacific (HK) Ltd”. التي ظهرت أسماؤها في الفواتير المزيفة المصاحبة للتمثال المضبوط.

فاتورة لبيع التمثال المصري بوصفه تمثال لحديقة
فاتورة لبيع التمثال المصري بوصفه تمثال لحديقة
شحن الآثار المسروقة

اعتمد المهربون أسلوب الطرود الفردية، بحيث يتضمن كل طرد قطعة أثرية مرفقة بأوراق تحمل أوصافا مضللة مثل: “ديكور منزلي”، و”تمثال حجري للحديقة”، أو “زخارف”. دون الإشارة إلى الأصل أو القيمة الحقيقية للقطع.

مصير الآثار المضبوطة

يبقى السؤال: ما مصير الآثار المضبوطة بعد التأكد من أصالتها؟ تشير قضايا مشابهة إلى أن وزارة العدل الأمريكية ستعمل على إعادتها إلى أصحابها الشرعيين. وذلك بحسب بيان رسمي صادر عن مكتب المدعي العام بماريلاند.

تهريب الآثار عبر السوق السوداء

بحسب موقع “آي بي سي نيوز”، قالت المدعية العامة الأمريكية، هايز، من وحدة الممتلكات الثقافية والفنون والآثار، إن القضية تبرز الدور الحيوي لمصادرة الأصول المدنية في مكافحة تهريب الآثار. وأضافت: “يمثّل هذا الإنجاز خطوة مهمة في جهودنا للحد من تهريب الممتلكات الثقافية عبر سوق الفن في الولايات المتحدة”. مؤكدة التزام مكتبها بملاحقة المتورطين في هذه التجارة غير المشروعة.

جرة كانوبية تم ضبطها خلال تهريبها من ميناء ممفيس الأمريكي
جرة كانوبية تم ضبطها خلال تهريبها من ميناء ممفيس الأمريكي
استعادة القطع النادرة

أكد كامبانيلا، المسؤول في إدارة تحقيقات الأمن الداخلي، أن القطع الأثرية القديمة ليست مجرد بقايا تاريخية. بل تمثل جزءا لا يقدر بثمن من التراث الثقافي الإنساني. وقال: “هذه الكنوز تروي قصة الحضارة البشرية، وتهريبها بطرق احتيالية لا يخرق فقط قوانين الاستيراد الأمريكية. بل يهدد الجهود الدولية المبذولة للحفاظ على التاريخ الثقافي وحمايته”.

وأوضح أن استعادة هذه القطع النادرة يعد خطوة مهمة في حماية تاريخ العالم المشترك، مؤكدا أن الحفاظ على هذه الآثار هو التزام تجاه الأجيال القادمة.

تهريب آثار عبر ميناء ممفيس

لم يقتصر تهريب الآثار على المطارات فقط، ففي عام 2022، أحبطت سلطات الجمارك في ميناء بولاية تينيسي محاولة تهريب غطاء حجري لجرة كانوبية مصرية، نقلت من أوروبا إلى الولايات المتحدة.

وبحسب الفحص في الواقعة، تبين أن الغطاء يعود إلى العصر الانتقالي الثالث في مصر، بين عامي 1069 و653 ق.م. أي ما يزيد عمره على 3000 عام. وأوضح ضباط الجمارك وحماية الحدود الأمريكية (CBP) أن الشحنة احتوت على الغطاء الحجري الذي يمثل الإله “إمستي”، أحد أبناء حورس الأربعة. والمسؤول في المعتقدات المصرية عن حماية كبد المتوفى ضمن طقوس التحنيط.

وللتأكد من أصالة القطعة وتوثيق تفاصيلها، استعانت الجمارك الأمريكية بخبراء من معهد الفنون والآثار المصرية التابع لجامعة ممفيس. حيث أكدوا أن الغطاء مدرج ضمن قائمة الآثار المحمية بموجب الاتفاقيات الدولية.

وكشفت التحقيقات أن المُرسل قدّم معلومات مختلفة عن القيمة الفعلية للقطعة الأثرية. ما أثار شكوك السلطات ودفعها إلى مصادرتها. وأُحيلت القضية إلى إدارة تحقيقات الأمن الداخلي (HSI) لمواصلة التحقيقات. وتتبع مصدر القطعة الأثرية ومسار تهريبها.

اقرأ أيضا:

خريطة تهريب آثار مسروقة من مصر إلى مطار «جون كينيدي» الأمريكي|مستندات رسمية

بين الترميم والسرقة.. من المسؤول عن اختفاء سوار الملك «بسوسنيس» الذهبي؟

طبيب مصري يعترف بتهريب 590 قطعة أثرية في مطار أمريكي| مستندات

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.