دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

تراث يتنفس على إيقاع السمسمية.. حكاية «فرقة القصير للفن التلقائي»

تعكس فرقة القصير للفن التلقائي طبيعة محافظة البحر الأحمر المختلفة والمتميزة،  وتقدم خلال عروضها ورقصاتها الأنسجة المختلفة التي تتكون منها قبائل ومدن محافظة البحر الأحمر، من خلال استخدام آلات محلية الصنع مثل آلة السمسمية التي تتصدر المشهد في الحفلات وليالي الحظ، وللحفاظ على هذا الفن التلقائي والشفهي تم تأسيس الفرقة.

تاريخ الفرقة

فرقة الفنون التلقائية بالقصير هي فرقة تقدم فناً متميزاً يمزج  بين قسوة الصحراء ولين مياه البحر الأحمر، لتخلق أنغاماً رائعة على أوتار آلة السمسمية، تتنقل الفرقة من الجنوب إلى الشمال، حاملة معها التراث التلقائي من أغاني الصيادين وألحان عمال المناجم و ترانيم سكان الأودية.

تقول إيمان رمضان، مديرة بيت ثقافة القصير لـ ” باب مصر”: تم تأسيس(فرقة القصير للفن التلقائي)  التي تنتمي إلى مدينتي القصير والشلاتين عام 1984 على يد عاطف عبد الحميد الذي تولي الإشراف والتدريب ومسؤولية الفرقة، فقد كانت أول فرقة تشكل في محافظة البحر الأحمر بمدينة القصير، وانضم للفرقة مجموعة الفنانين الموهوبين، الذين تعكس رقصاتهم، حياتهم العادية والبيئة الخاصة بهم، ومع العمل الجاد والوقت والتدريب، تم تطوير  الفرقة وتقديمها برؤية هادفة للجمهور.

وحول تشكيل الفرقة تقول رمضان:  تضم الفرقة مجموعة من المطربين، ومجموعة من مؤدين الرقصات التراثية، بالإضافة إلى فنانين في فن الكف والإيقاع، ويشارك أيضا راقصون في فن التربلة.

 الفنون البدوية الصحراوية والفنون الساحلية

يذكر كمال البارودي، مؤلف الأغاني التراثية في الفرقة، أن الفرقة تتميز بأسلوبين مختلفين من الفنون التلقائية، حيث تجمع بين الفنون البدوية الصحراوية والفنون الساحلية، أما بالنسبة للفنون البدوية الصحراوية، فهي تعكس تراث قبائل العبابدة والبشارية وما يميزهم من أغاني ورقصات تقليدية قديمة، وتستخدم الفرقة الأدوات التراثية مثل(آلة الطنبورة، الطار، الدف، الرقة، السيف، والكرباج).

كما يوضح الفنان علاء منصور عبد الحميد، مدرب الفرقة على الحركات التراثية والرقصات، أن هناك اختلاف بين رقصات أهل الشمال وأهل الجنوب، لذا يتطلب تدريب المؤدين وتنفيذ بروفات مكثفة على إيقاع الرقصات والعزف، بقصد إتقان الجمع بين النمطين.

ومن أشهر المقطوعات الغنائية للفرقة والتي تؤديها بمصاحبة آلة السمسمية:

“وحياة المحنة والريدة اللي بينا.. بعدك عني نار قربك ليا جنة” –  “ويا بنت حساني أبوك وصاني.. لا توزني الفضة إلا بميزاني” –  و”اشتقنا يا حلو والله اشتقنا، صار لك زمان مفارقنا.. ياما ياما وياما اتعذبنا وبنار الشوق اتلوعنا” – و”يا ريت أنا وأنت يا حبيبي في جزيرة .. ما يغشاها غير الشمس وبحورها غزيرة.

الفرقة والمهرجانات الفنية

توجت الفرقة بعدة جوائز في مهرجانات متعددة منذ تأسيسها، كما يقول الفنان محمد الرحلاوي، إن الفرقة شاركت منذ بدء نشاطها في مهرجان فنون البوادي بمحافظة سيناء في العريش، وفي عام 1988، كما شاركت في مهرجان شباب العمال بالقاهرة، وفي عام 1991، شاركت في المهرجان الدولي الأول للآلات الوترية في بورسعيد، بالإضافة إلى المشاركة في عدد من المسابقات في محافظات قنا وأسوان والوادي الجديد، وشاركت  في المهرجان الدولي الأول لفنون البحر الأحمر (الدورة التأسيسية) في عام 2009 بمحافظة السويس.

ويضيف الزحلاوي: حصلت الفرقة على عدة جوائز، من بينها المركز الأول في مسابقة الفنون الشعبية بمحافظة البحر الأحمر عام 2002.

فرقة القصير للفن التلقائي - بواسطة بيت ثقافة القصير
فرقة القصير للفن التلقائي – بواسطة بيت ثقافة القصير
تاريخ ونشأة السمسمية بالقصير

يوضح  البارودي، مؤلف الأغاني التراثية في الفرقة، أنه في مدينة القصير تتجلى وتظهر بقوة الفنون الساحلية التي تعبر عن تاريخ المدينه، باستخدام آله السمسمية وأوتارها الخمسة بالإضافة إلى الدف والجركن، كما أن تراث تلك المنطقة في الأغاني يشبه إلى حد كبير التراث اليماني، وأحيانا يمتزج بالتراث السعودي نظرا لقرب السواحل من بعضها البعض، حيث لا يفصل بينهم إلا عرض البحر الأحمر.

وعن آلة السمسمسة يقول أسامة سيد سالم أحمد، باحث في التراث، في رسالته بعنوان “التراث اللامادي لمدينة القصير” لـ ” باب مصر”: “آلة السمسمية هي آلة موسيقية وترية تشبه إلى حد كبير آلة الطمبورة، وهي آلة يستعان بها  في احتفالات التربلة لدى قبائل العبابدة، كما أصبحت آلة السمسمية من أهم الآلات  في احتفالات الحظ لأهالي مدينة القصير، بينما يعود تاريخ هذه الآلة إلى عصر الدولة الوسطى 2000 قبل الميلاد، حيث تم تصويرها على جدران مقابر بني حسن بمحافظة المنيا، ثم شاع استخدامها في عصر الدولة الحديثة 1500 قبل الميلاد.
ويضيف أسامة، تتكون آلة السمسمية من خمسة أوتار بعدد أصابع اليد، وتتبع السلم الموسيقي الخماسي، ويتم صنع هذه الآلة يدويًا وبأشكال متعددة، حيث يعرف الهيكل الرئيسي بـ(الصحن) أو الصندوق.

السمسمية… آلة فرعونية تعبر الزمن

ويشاركه الرأي الدكتور طه الجواهري، الباحث في تراث القصير ومؤلف عدة كتب حول تاريخها، أن تلك الآلة تصنع محليًا من خشب الزان مع أوتار معدنية، أو من أسلاك صلب رفيعة تشد بقوة على صندوق خشبي، ليعزف عليها بالضرب على تلك الأسلاك، وتستخدم الآلة  لإحياء المناسبات في محافظات ومنطقة قناة السويس، ومنها انتقلت إلى مناطق ساحلية عربية أخرى في السودان ومنطقة الحجاز.

ويرى الجواهري، أن دخول هذه الآلة إلى مدينة القصير قديم جدًا، بل أقدم من انتشارها في محافظات القناة مثل السويس وبورسعيد، ويرجح أن عمال المناجم من الفراعنة أو بعض العاملين في التجارة البحرية قد أدخلوها إلى هذه المدينة العريقة منذ القدم، على عكس مدن القناة التي يرجع الباحثون انتشار السمسمية فيها إلى مشاركة عدد من النوبيين في حفر قناة السويس، حيث اصطحبوا معهم هذه الآلة وانتشرت لاحقًا في تلك المدن.

أجزاء السمسمية روح التراث في ثوب موسيقي مطور

يقول الفنان صلاح عطية، أحد أبناء القصير، وعضو الفرقة:  “السمسمية الحديثة تتكوّن من مجموعة من الأجزاء الأساسية، هي: ( الفرمان – الحمال – السناد – الشمسية – القرص – صندوق الصوت – الحوايات – الأوتار – الفرس، وقد تختلف  المسميات من منطقة لأخرى).
ويضيف عطية، أن أوتار السمسمية الخمس تصنع غالبًا من السلك الصلب (أسلاك التليفون)، ويكون عزفها عادة على مقام الراست، ويتطلب العزف على السمسمية الالتزام بمقام واحد المقطوعة أو الأغنية، إذ لا يستطيع العازف الانتقال إلى مقام آخر أثناء الأداء، لكون ذلك يحتاج إلى ضبط جديد للأوتار يتناسب مع المقام الجديد، ما يستوجب التوقف وإعادة التدوين قبل متابعة العزف.
وغالبا ما تعرف السمسمية في أغاني الضمة، أي تجمعات الغناء الجماعي، حيث يتصدر صوتها المشهد مصحوبًا بإيقاعات الطبلة والدف اللذين يمنحان الأداء حيويته وخصوصيته.

فرقة آلة السمسمية التي تعمل فى مدن البحر الأحمر لإحياء الفن التلقي والشفهي
فرقة آلة السمسمية التي تعمل فى مدن البحر الأحمر لإحياء الفن التلقي والشفهي
مراكب القطاير ورحلات العزبات

ومن جانبه يوضح طه الجواهري، الباحث في تراث القصير، أن آلة السمسمية ارتبطت ارتباطا وثيقا بالأداء الشفوي، وهي الإرث الغنائي الأصيل لأهالي المدينة، رغم أن أغلب هذه الأغاني مجهولة المؤلف، لكنها حاضرة في كل مناسبة سعيدة، وترجع جذور هذه الأغاني إلى رحلات الصيد الطويلة التي عُرفت باسم “العزبات”.

وكانت تنفذ بواسطة مراكب “القطاير”وتمتد في عرض البحر لأشهر قد تصل إلى ستة أشهر كاملة، وكان وجود عازف السمسمية ضروريًا ضمن طاقم القطيرة فهو العنصر الترفيهي، الذي يكسر حدة العزلة والملل، ويشحذ همم الصيادين طوال الرحلة.
ويؤكد الجواهري أن هذه الأغاني لم تكن مجرد وسيلة للتسلية، بل كانت تصوير متكامل عن حياة البحر والصيد، وتجسيد لشعور الشوق والحنين والرغبة في  العودة إلى الديار والعائلة.

فرقة آلة السمسمية التي تعمل فى مدن البحر الأحمر لإحياء الفن التلقي والشفهي
فرقة آلة السمسمية التي تعمل فى مدن البحر الأحمر لإحياء الفن التلقي والشفهي
السمسمية… موسيقى النجاة من مخاطر البحر

ويشير الجوهري، إلى أن  الطبيب الألماني كارل بنيامين كلوسنجر، الذي عاش فترة من الزمن في مدينة القصير وشهد عن قرب طقوس البحارة وفنونهم الشعبية، يصف تلك اللحظات الاستثنائية التي ينطلق فيها صوت السمسيمة معلنا الفرح بعد حدث بحري كبير، أو إتمام بناء سفينة جديدة، أو عودة مركب من رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر، أو حتى صدور إذن الإفراج من الحجر الصحي بعد أيام من الانتظار ، يتجمع البحارة، عراة الصدور ومتعددي الألوان، ليعربون عن فرحتهم باستخدام هذا الفن التلقائي، يتصدر المشهد زعيمهم  وهو يغني ويضرب على الطبول وهم يرد عليه بشكل جماعي، بينما يؤدي باقي الصيادين البحاره رقصاتهم الشهيرة.

ويصف كلوسنجر، عشق البحارة والصيادين بالقصير لهذه الآلة، فيقول: “إن هؤلاء الفنانين الشعبيين كانوا قادرين على تكرار الأغنية نفسها لساعات طويلة دون كلل، يتعاملون معه كما لو كان نشيدهم الوطني، ويرى أن هذا الفن هو فقط وليد أرض البادية أو السواحل”.

اقرا أيضا:

من بيت الأشباح إلى فندق تراثي.. قصة «الشيخ توفيق» بالقصير

 

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.