دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

«جداريات الملقطة».. مشروع فني يحول جدران الأقصر إلى متحف مفتوح

في نجع «الملقطة» بقرية البعيرات غرب الأقصر، حيث تمتد بيوت الطين على أطراف المنطقة الأثرية التابعة لمعابد هابو، ينشأ جدار طويل يفصل بين النجع والموقع الأثري. هذا الجدار، الذي ظل صامتًا لسنوات، يتحول اليوم إلى متحف مفتوح على الحياة بفضل مبادرة فنية مشتركة بين محافظة الأقصر والقنصلية الفرنسية وكلية الفنون الجميلة.

جداريات الملقطة توثق ملامح الحياة اليومية

المبادرة التي تُشرف عليها القنصل الفخري الفرنسي بالأقصر ماري كريستين، وينفذها الفنان التشكيلي الدكتور علاء عوض، أستاذ التصوير بكلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصر. تسعى إلى تحويل الأسوار المحيطة بالنجع إلى لوحات فنية توثق ملامح الحياة اليومية في الصعيد. تمامًا كما فعل المصري القديم حين نقش تفاصيل أيامه على جدران المعابد.

مساحة للذاكرة والهوية

يقول الدكتور علاء عوض: “انبثقت فكرة المشروع من الرغبة في إعادة الاعتبار للفن العام كجزء من حياة الناس، وليس حكرًا على القاعات والمتاحف. فالجدار هنا لم يعد مجرد حاجز يفصل بين منطقتين، بل أصبح مساحة للذاكرة والهوية”.

ويضيف: “نرسم موضوعات من واقعنا -الأسواق، المهن القديمة، الفلاحين، النساء، الصيادين، والاحتفالات الشعبية – لأننا نريد أن يرى أهل الملقطة أنفسهم على الجدار، لا رموزًا غريبة عنهم”.

لغة مشتركة بين الفنانين والأهالي

بدأ المشروع بخطوات صغيرة على امتداد الجدار، قبل أن يلفت الأنظار بجرأته وفرادته. فقد تحوّل اللون تدريجيًا إلى لغة مشتركة بين الفنانين والأهالي، وبين الماضي والحاضر. وكثير من سكان النجع بدأوا يروون قصصهم حول السور.

ويهدف المشروع أيضا إلى خلق مسار ثقافي جديد في غرب الأقصر يمكن أن يجذب الزوار والباحثين والمهتمين بالفن العام. فبين المعابد القديمة وبيوت الطين الحديثة، تنشأ تجربة بصرية وإنسانية تروي استمرارية الجمال في الجنوب. وكيف يمكن للفن أن يصبح جسرًا بين الماضي والحاضر، وبين التراث والتنمية.

سوق الجمال

يمتد المشروع على طول كيلومتر كامل تقريبًا، ومن المقرر استكماله خلال عامين. وقد بدأ التنفيذ برسومات مستوحاة من سوق الجمال في دراو بأسوان، لما تحمله من رموز محلية قوية وتفاصيل إنسانية تعكس أصالة الجنوب.

إنتاج جمال جديد ينتمي إلى الحاضر

ترى القنصل الفرنسي ماري كريستين أن المشروع “يمثل امتدادًا طبيعيًا للعلاقات الثقافية بين مصر وفرنسا، ويُعيد إحياء روح الفن كوسيلة للتقارب الإنساني”. وتشير إلى أن الأقصر مدينة لا تعيش على الماضي فحسب، بل قادرة على إنتاج جمال جديد ينتمي إلى الحاضر، ويجذب الأنظار إلى طاقات أبنائها.

وتؤكد كريستين أن محافظة الأقصر رحبت بالفكرة واعتبرتها  نموذجًا لمفهوم التنمية الثقافية المتكاملة، إذ تمتزج فيها الجماليات البصرية بالمشاركة الشعبية. فالفن هنا ليس ترفًا، بل أداة لتحسين البيئة المحلية وتعزيز الوعي بالهوية التراثية، خاصة في المناطق القريبة من المعابد والمواقع الأثرية.

محاولة لتجسيد روح مصر القديمة بلغة معاصرة

يصف الفنان علاء عوض التجربة بأنها «محاولة لتجسيد روح مصر القديمة في لغة معاصرة». ويضيف: “نحن لا نقلد الجداريات الفرعونية، بل نستلهِم طريقتها في توثيق الحياة اليومية بعفوية وصدق”.

ويؤكد أن كل مشهد على الجدار يحمل رسالة عن الإنسان البسيط الذي يعيش في الأقصر اليوم، بعمله وكرامته وأحلامه الصغيرة.

حكاية رمزية عن العلاقة بين الفن والمجتمع

يشير عوض إلى أن «الملقطة» لم تكن مجرد مكان لتنفيذ تجربة فنية، بل حكاية رمزية عن العلاقة بين الفن والمجتمع. فالمكان الذي ظل لسنوات على هامش الاهتمام، أصبح بفضل الألوان محورًا للزيارات والمناقشات والفضول الإنساني. كثيرون يأتون من القرى المجاورة لمشاهدة الجدار، وبعضهم يعود محملًا بالرغبة في تنفيذ تجربة مشابهة في قريته.

وبينما تتوالى الألوان على الجدار، يكتشف الأهالي أن الفن يمكن أن يكون فعلًا اجتماعيًا قبل أن يكون جمالًا بصريًا. فالمشروع خلق حالة من التفاعل والبهجة في النجع، وأصبح الزوار يلتقطون الصور  أمام الجداريات.

وسيلة لتغيير الصورة الذهنية عن الريف

يرى الدكتور محمد إمام، الباحث الأثري، أن مبادرة «جداريات الملقطة» قد تفتح الباب أمام مشروع أوسع لتجميل الواجهة الغربية للأقصر. خصوصًا في القرى الواقعة بين القرنة والبعيرات. فالفن يمكن أن يصبح وسيلة لتغيير الصورة الذهنية عن الريف الجنوبي. وإبرازه كفضاء حي للإبداع والتجديد، لا كمكان جامد أسير الماضي.

وتقول القنصل الفرنسية: “ما يحدث في الملقطة ليس مجرد دهان على الجدران، بل هو فعل ثقافي حقيقي يعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والمكان”. كما تشيد بما وصفته بـ”الصدق الفني” في المشروع، وبقدرة المشاركين على تحويل البيئة الريفية إلى فضاء معاصر للحوار البصري.

سيرة جديدة للجنوب

في النهاية، تتجلى في جداريات الملقطة رسالة بسيطة وعميقة في آن واحد: أن الفن لا يحتاج إلى قاعة عرض ولا جمهور مترف، بل إلى قلب مفتوح ولون يخرج من واقع الناس. فهنا، في ظلال الجبل، يرسم أبناء الأقصر ملامحهم على جدار الحياة، كأنهم يكتبون سيرة جديدة للجنوب.

اقرأ أيضا:

غضب في الأقصر بعد هدم منزل «حسن فتحي» وإعادة بنائه بشكل مخالف للتصميم الأصلي

بمشاركة 100 طيار.. الأقصر تختتم فعاليات الدورة السابعة من «إيجيبت جيت» للطيران الشراعي

بعد افتتاحها رسميا.. عودة الحياة إلى مقبرة «أمنحتب الثالث» في وادي الملوك

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.