تصفح أكبر دليل للفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

بعد تورط متاحف في بيع قطع مشبوهة.. قانون أوروبي جديد يُغير مشهد تجارة الآثار عالميا

بدأ الاتحاد الأوروبي تنفيذ قانون جديد يهدف إلى تنظيم استيراد القطع الأثرية والفنية من المجموعات الخاصة المُعارة للمتاحف في الدول الأعضاء. وقد أُصدِر القانون بعد تورط عدد من المتاحف الأوروبية في عرض وبيع قطع مُعارة من مجموعات خاصة يُشتبه في ملكيتها، وبعضها خضع لاحقا للتحقيق وتبين أنها مسروقة.

دخل هذا القانون حيز التنفيذ نهاية يونيو الماضي، كخطوة غير مسبوقة تهدف إلى حماية التراث الثقافي العالمي والحد من تجارة الآثار المنهوبة. وذلك بعد نقاشات استمرت نحو ثماني سنوات. وتنص اللائحة على إلزام المستوردين بتقديم أدلة واضحة على مصدر القطع وتاريخ تصديرها.

ورغم ترحيب العديد من المؤسسات الدولية بالقانون، إلا أن تنفيذه يثير مخاوف متزايدة في المتاحف، نظرًا لتعقيد الإجراءات وتضييق الإعفاءات. وهو ما قد يهدد الإعارات الدولية والمعارض المؤقتة، خاصة تلك المُعتمدة على تعاون المجموعات الخاصة. وأشار خبراء إلى صعوبة إعادة تنظيم معارض مثل معرض “خدمة آلهة مصر”، الذي أقيم في متحف جرونوبل بفرنسا عام 2018 من مجموعات خاصة.

قانون جديد

تنص لائحة القانون، المعروفة باسم 2019/880، على إلزام المتاحف التي تستعير قطعا للعرض أو البيع. سواء من متحف آخر أو من مجموعة خاصة، بتوفير متطلبات إثبات التصدير القانوني من بلد المنشأ وتوثيق المصدر. وتشمل القائمة التي يغطيها القانون أعمال الفنون الجميلة، والقطع الأثرية، والفنون الزخرفية، والمقتنيات التذكارية.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة “آرت نيوزبيبر” البريطانية، فإن هذه القواعد، التي وُضعت قبل ست سنوات وبدأ تنفيذها الفعلي مؤخرًا، تأتي ضمن جهود أوروبية أوسع لحماية التراث الثقافي العالمي ومنع استغلال السوق الفنية في تمويل أنشطة غير قانونية.

إجراءات صارمة

حدد الاتحاد الأوروبي أنواع السلع الثقافية التي تخضع لإجراءات الاستيراد المُشددة، ومن بينها ثلاث فئات:

  • القطع التي تم تصديرها بشكل غير قانوني من دول ثالثة.
  • القطع الناتجة عن الحفريات الأثرية التي يزيد عمرها على 250 عامًا، بغض النظر عن قيمتها.
  • القطع التي يزيد عمرها على 200 عام وتصل قيمتها إلى أكثر من 18 ألف يورو.

كما تشمل المتطلبات تقديم رخصة استيراد للقطع من الفئة الثانية، مع دليل على عدم تصديرها بشكل غير قانوني. أما القطع من الفئة الثالثة، فتحتاج إلى بيان استيراد مع توقيع إقرار يؤكد عدم تصديرها بطرق غير قانونية.

تأثير على المتاحف

يأتي هذا القانون بعد أعوام طويلة كانت فيها المتاحف معفاة من هذه المتطلبات. إلا أن اللائحة الجديدة تلزم المستوردين بتقديم وثائق شاملة وسجلات مفصلة عن المنشأ وتصاريح التصدير. وحسب عمر القطعة وقيمتها، قد تمتد متطلبات التتبع إلى تاريخ إخراج القطعة الأثرية من بلد المنشأ.

كما يطلَب من مستورد أي قطعة فنية تزيد قيمتها على 18 ألف يورو ويزيد عمرها على 200 عام، تقديم دليل على تصديرها قانونيا من بلد المنشأ. أما القطع الأثرية التي يزيد عمرها على 250 عامًا، فيشترط الحصول على رخصة استيراد بغض النظر عن قيمتها.

وفي حال تعذر تحديد بلد المنشأ بشكل موثوق. أو إذا كانت القطعة قد خرجت من بلدها الأصلي قبل 24 إبريل 1972، فعلى المستورد إثبات تصدير قانوني من آخر بلد وجدت فيه القطعة لمدة لا تقل عن خمس سنوات.

عروض مؤقتة

تنص اللائحة على إعفاءات قانونية لأغراض محددة، مثل التعليم والبحث العلمي، والحفاظ على القطع الفنية وترميمها، أو استخدامها في العروض الفنية والرقمنة. وتشمل الإعفاءات أيضًا التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والمتاحف أو الجهات المماثلة.

لكن اللائحة التنفيذية (رقم 2021/1079) تضيّق نطاق هذا الإعفاء، حيث تقتصره على القروض المؤقتة من المتاحف الواقعة خارج الاتحاد الأوروبي. وهو ما يقصي المقرضين من القطاع الخاص خارج أوروبا من الاستفادة من هذه التسهيلات.

مخاوف المؤسسات الأوروبية

أثار القانون الجديد قلقًا كبيرًا بين المتاحف الأوروبية. وقد عبر عن ذلك ويل كورنر، رئيس قسم المعارض في معرض TEFAF للفنون ومدير قاعدة بيانات التراث الثقافي المعرض للخطر. وهي مؤسسة خيرية تعنى بدعم المتاحف والمحفوظات في مناطق النزاع.

وبحسب “ذي آرت نيوز بيبر”، قال كورنر: “تعتمد المعارض المؤقتة بشكل أساسي على التعاون الدولي. ولكن اللوائح الجديدة تفرض حواجز قانونية وإدارية معقدة، قد تدفع العديد من المقرضين من القطاع الخاص إلى رفض المشاركة. وهذه ليست مجرد ضربة للسوق الفنية، بل تهديد حقيقي للتنوع الثقافي داخل الاتحاد الأوروبي”.

ووصف مديرو المتاحف وجامعو الآثار القانون، الذي أقره الاتحاد الأوروبي لمنع الاتجار بالآثار المنهوبة، بأنه قد يترك أثرا سلبيا على المتاحف. بسبب عدم استعارة الآثار من جامعي الآثار بالقطاع الخاص خارج الاتحاد الأوروبي.

لوحة من وجوه الفيوم – من مقتنيات السويسري جان كلود غندور
لوحة من وجوه الفيوم – من مقتنيات السويسري جان كلود غندور
سبب تشريع القانون

يأتي هذا القانون بالتزامن مع عرض العديد من المتاحف قطعا أثرية مصرية من مجموعات خاصة. ثم خضوعها لاحقا للتحقيق بسبب شكوك في كونها ناتجة عن نهب أثري.

ومن أبرز هذه القضايا، ما حدث عام 2022 حين طلب الملياردير السويسري جان كلود غندور التحقيق بشأن قطعة آثار مصرية – لوحة من وجوه الفيوم – شك في شرعية خروجها من مصر والتحقق من مصدرها. وجاءت هذه الشكوك بعدما أعارها لعدد من المعارض والمتاحف في أوروبا والولايات المتحدة. إلى جانب قطع أخرى من مجموعته الضخمة المكونة من 1600 قطعة أثرية.

كان غندور قد اشترى هذه اللوحة في نوفمبر 2014 من جاليري فينيكس للفنون القديمة في جنيف بسويسرا. وحامت الشكوك حولها لشرائها من التاجر روبن ديب. المشتبه به في قضية شاهد توت عنخ آمون، الذي يخضع للتحقيق في متحف اللوفر أبو ظبي لوجود شكوك حول شرعية بيعه. كما أن وثيقة ملكية لوحة الفيوم تحمل نسخة متطابقة من بيانات شهادة تصدير شاهد توت عنخ آمون.

نهب آثار سوريا والعراق

بالإضافة إلى التصدي لعمليات نهب الآثار في سوريا والعراق، وبحسب صحيفة “ذي آرت نيوز بيبر”، يتم حصر هذه الآثار في سجلات رقمية لإتاحة إمكانية تتبعها. وبعد تشريع القانون، ستبدأ مرحلة جديدة تتمثل في تسجيل جميع الممتلكات الثقافية والقطع الأثرية في نظام إلكتروني مركزي يسمى قاعدة بيانات الممتلكات الثقافية الدولية. تم تصميمه لتسهيل تبادل المعلومات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

من جانبه، شكك آيك شميدت، مدير متحف كابوديمونتي الملكي في نابولي، في آلية إدارة اللائحة. وبحسب تصريحاته لموقع “آرت نيوز”، أوضح أن هدف اللائحة واضح. وأشار إلى وجود نقص في البنية التحتية الإدارية اللازمة لتطبيقها. وشرح متطلبات تطبيق اللائحة، ومن بينها توظيف آلاف الإداريين، وعلماء الآثار، ومؤرخي الفن، والمرممين، للتعامل مع الكم الهائل من الطلبات.

في المقابل، قال توني هانسن، مديرة متحف مونش في أوسلو، إن اللائحة الجديدة تعد خطوة حيوية في مكافحة التجارة غير المشروعة. لكنها – على حد وصفها- ستضع المتاحف وبعض المؤسسات في مأزق. لأن بعضها يقتني قطعا أثرية تحمل تاريخ فني معقد وتوثيق غير مكتمل.

واختتمت حديثها بأن تطبيق هذه اللائحة بالنسبة للعديد من المتاحف، قد تعيق متطلبات تراخيص الاستيراد. وإثبات المنشأ قد تعيق الإعارة الدولية والمعارض.

تعليق اليونسكو

على صعيد آخر، رحّبت اليونسكو والمجلس الدولي للمتاحف بهذه اللائحة. وصرح متحدث باسم اليونسكو قائلاً: “إن الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية يتطلب نهجًا شاملًا ومنسقًا وعالميًا”. كذلك أشارت صوفي ديلي بيير، رئيسة قسم حماية التراث في المجلس الدولي للمتاحف، إلى أن الاتحاد الأوروبي ينظّم تصدير الممتلكات الثقافية منذ عقود.

وترى ديلي بيير أن هذه اللائحة تسلط الضوء على أهمية التعاون عبر الحدود. لكنها في الوقت نفسه لن تعمل على مكافحة التجارة بمفردها. موضحة أن التعاون بين الدول والتواصل الواضح هما أنجع وسيلة لردع التجارة غير المشروعة بالآثار المنهوبة.

أعمال فنية لممول لحزب الله

جاءت الموافقة على القانون بعد أيام من إعلان مكتب التحقيقات الفيدرالي عن استعادة لوحتين مفقودتين منذ أكثر من 40 عامًا من متحف هاروود للفنون التابع لجامعة نيو مكسيكو، بعد تحقيقات طويلة امتدت لعقود.

ووفقا لصحيفة “جارديان” البريطانية، باع أوجينوتشوكو أوجيري، أعمالا فنية تقدر بحوالي 140 ألف جنيه إسترليني إلى ناظم أحمد. الذي صنفته الولايات المتحدة كممول لجماعة حزب الله. وبحسب موقع “آرت نيوز” ، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ناظم أحمد منذ عام 2019. وجددتها في عام 2023، بسبب واردات وصادرات فنية وألماس بقيمة 440 مليون دولار.

عواقب قانونية

لكن ماذا سيحدث في حال عدم امتثال إحدى الدول لتنفيذ هذا القانون وعدم تقديم أوراق أصلية لإثبات ملكية الآثار؟

بحسب “آرت نيوز”، فإن عدم الامتثال لهذه القوانين قد يؤدي إلى مصادرة القطع المعنية وفرض عقوبات قانونية على تجار الفن والجامعين وغيرهم من المتخصصين في هذا المجال. وأكد على هذا الأمر “ويل فيرير”، رئيس قسم الفنون الجميلة في شركة “لوكتون” للتأمين. موضحا في مذكرة استشارية نشرتها الشركة، أنه في حالة عدم توفير الوثائق المطلوبة لقطع الآثار. أو تقديم أدلة مزورة أو إقرارات كاذبة أثناء طلب رخصة الاستيراد. فإن ذلك سيخضع لعواقب جنائية مشددة.

ولفت فيرير إلى إشكالية أخرى، تتعلق بتصاعد مخاطر مصادرة الأعمال الفنية. وهو ما قد يدفع جامعي التحف من القطاع الخاص إلى عدم إعارة قطعهم الفنية. الأمر الذي قد يضعف قدرة بعض المؤسسات الفنية على توفير آثار للإعارة.

اقرأ أيضا

امتلكها أمير عربي.. القصة الكاملة لبيع قطعة أثرية يُرجح سرقتها من مقبرة توت عنخ آمون

هروب تاجر آثار باع قطعا مصرية منهوبة بـ50 مليون يورو.. هل تُغلق القضية؟| مستندات

نقاشات حادة في بريطانيا لإعادة المومياوات المصرية.. لماذا تغيب مصر عن المشهد؟

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.