المدينة بين الواقع والسينما

(1)
هذا كتاب رائع في موضوعه ومنهجه وبحثه للمفكر والفنان نزار الصياد. نزار الصياد هو أستاذ العمارة والتخطيط وتاريخ العمران في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، بالولايات المتحدة الأمريكية. عمل هناك رئيسا لمركز دراسات الشرق الأوسط لعقدين من الزمن. وأسس عام 1988 الجمعية الدولية لدراسة البيئات التراثية. له أكثر من عشرين كتابا باللغة الإنجليزية تُرجم منها الكثير إلى لغات أخرى ،ومنها العربية.
من كتبه: “القاهرة: تواريخ مدينة”، و”مدن وخلفاء عن نشأة وتطور العمران العربي الإسلامي” و”النيل: مدن وحضارات على ضفاف نهر” و”القاهرة السينمائية: عن المدينة والحداثة مابين الصورة والواقع” وغيرها. وله بالعربية مباشرة: “القاهرة وعمرانها.. تاريخ وحكام وأماكن” و”القاهرة مؤرخة” وغيرها، وله ديوان شعر هو”من صياد إلى صياد”. قام بتحرير كثير من الكتب منها” المدينة الأصولية” الذي كتبت عنه من قبل. غرامه بالسينما ليس فيما يكتبه فقط، لكن فيما يخرجه من أفلام وثائقية مثل “قاهرة بين القصرين” و”أمنا الأرض”.
***
هنا بحث عن المدينة والسينما في كتاب يقع في حوالي أربعمائة صفحة صادر عن دار العين بعنوان “مدن سينمائية: تاريخ للحداثة الغربية من الشاشة إلى الواقع”، في حوالي أربعمائة صفحة حافل بالصور أيضا، قامت بترجمته هالة حسنين الباحثة والمهندسة المعمارية التي ترجمت له من قبل كتاب” المدينة الأصولية”.
نحن هنا مع رحلة عبر الأفلام عن المدينة. المدينة موضوع شغل الشعر والرواية والمسرح عبر التاريخ، لكنا هنا في رحلة مختلفة مع السينما. بإيجاز، يمكن إجمال الكتاب في أنه يعرض تاريخ الحداثة الغربية من الشاشة إلى الواقع، تحليلا لشكل العمران السينمائي والتاريخ الحضري للحداثة وما بعد الحداثة من خلال عدسة الكاميرا وشاشة السينما، مستدلا على ذلك بأفلام تشغل الفصول التسعة من الكتاب بعد المقدمة التي تشغل الفصل الأول.
في المقدمة نحن مع مسيرة اهتمامه بالمدن والأفلام معا، وكيف صارت دراساته وحياته في ذلك مابين الكتابة والإنتاج والإخراج السينمائي، حتى جاءت فكرة تقديم تاريخ المدن كما تُظهره السينما وكيف استغرق الكتاب خمس سنوات من الكتابة وعبور على فصول الكتاب.
***
ندخل في الكتاب. يعود إلى مناقشة حداثة القرن العشرين التي كانت أصولها في القرن التاسع عشر حين رصد الشاعر الفرنسي شارل بودلير النمط الجديد للحياة في المدينة الحديثة، أو ما عرف فيما بعد بالحداثة، ففي زمنه تم افتتاح الشوارع الواسعة “الجادات” في باريس علي يد نابليون الثالث وكان مخطط باريس هو البارون هوسمن، مدينة جديدة تسمح بتطوير أشكال جديدة من النمو الصناعي بتراكم رأس المال. بودلير أدرك من تحولات باريس أن هناك حياة عصرية قادمة في الطريق.
مناقشة ذلك بين مفكرين مثل مرشال بيرمان أو ووالتر بنيامين، وهل ساهم هذا في بؤس الأحياء الفقيرة التي أزيلت لبناء هذه الشوارع، التي صارت فيها الكافيهات كاشفة للعلاقات بين الجالسين مثلا. التحول الصناعي في أوائل القرن العشرين. عامل الوقت الذي أصبح محرك العمال منذ الثورة الصناعية في منتصف القرن التاسع عشر.
نحن هنا بين المهندس والمفكر فريدريك وينسلو تايلور ودراساته عن الوقت وأهميته، ويقابله هنري فورد قطب الصناعة الذي كان من مبادئه مكافأة العامل على خضوعه لأشكال جديدة من السيطرة بمنحه دخلا كافيا، وهو ما سيجعله قادرا على استهلاك السلع التي ينتجها. إلا أن هذه اليوتوبيا الفوردية ظلت بعيدة المنال، وجاءت السينما مع بداية القرن العشرين أيضا تنتقد التوجهين، التايلوري والفوردي فالحقيقة مختلفة.
***

***
هنا يأتي فيلمان صامتان عن برلين ونيويورك، وهما “برلين سيمفونية المدينة ” و”العصور الحديثة”. فيلم برلين هو للمخرج والتر روتمان عام 1927. الحديث عن الفيلم وبطله الرئيسي هو المدينة نفسها وتفاصيل مشاهد الفيلم. يأتي فيلم العصور الحديثة لشارلي شابلن عام 1936 عن نيويورك، وهو يدور في الثلاثينات في فترة الكساد العظيم، وكيف يتم البحث عن السعادة في ظل النظام الرأسمالي الصناعي. تفاصيل الفيلم ومشاهده أيضا والصعلوك شارلي شابلن. مشهد الطعام الذي يتناوله بآلة وليس بيديه، وهو مشهد يلخص حالة النفي التي صار عليها البشر مع الصناعة وآلياتها، وكيف تطغي الآلة على الإنسان وتنبؤ بالمستقبل.
المقارنة بين الفيلمين: الملامح الاستهلاكية في فيلم برلين من الطعام إلى الترفيه والترابط بين شبكات النقل. كلا الفيلمين لهما موقف منتقد تجاه نمو المدينة الصناعية واعتمادها على الاستهلاك الجماعي.
(2)
تستمر الرحلة في الفصول التالية فنجد الحديث عن البلدة الريفية الصغيرة في السينما. كيف تنظر معظم دراسات التحضر إلى البلدات الريفية الصغيرة باعتبارها كيانا مختلفا عن المدن الكبرى، وكيف ظلت ثنائيات مثل القرب مقابل البعد، والفرد مقابل الجماعة والجماعة مقابل المجتمع، والاستقرار مقابل التغيير، والعام مقابل الخاص، والاندماج مقابل العزلة، والطاهر مقابل المتدني، تستخدم لإثبات هذا الاختلاف.
رحلة كالعادة رائعة لن يتسع لها المقال مع المفكرين وعلماء الاجتماع في الأمر مثل لويسويرث أو دوروثي رو أو جورج سيميل وغيرهم. يختار هنا فيلمين يظهران بلدتين هما بلدة بيدفورد فولز في فيلم “إنها حياة رائعة” من إخراج فرانز كابرا عام 1946، وبلدة جيانكالدو في فيلم “سينما باراديسو” للمخرج جيوسيبي تورناتو عام 1988.
***
تفاصيل الفيلمين وتكوين كل منهما والتطور بين شخصياتهما وتأثر الجمهور، لنصل إلى أن البلدة الصغيرة جيانكالدو لا تنطبق إلا على البلدات الأوربية الصغيرة، بينما الأمر مختلف في أميركا، سواء من حيث النشاط أو القيم السائدة. هنا حديث عن أثر الحداثة في العوالم الاجتماعية الثلاثة: المنزل أو البيت، وأماكن التجارة والعمل، ومجتمع البلدة. البيت مركز الدفء يشكل الهوية الأمريكية، وهو ما يختلف عنه في أوربا الذي يعني المنشأ. كيف ظهر الإحساس بالبيت في الفيلمين، كذلك الأمر في أماكن التجارة والعمل ثم الكيان الاجتماعي، أي مجتمع الحي والعلاقات الاجتماعية للجماعة.
***
فيلم “سينما باراديسو” يغطي الفترة ما بين 1940-1980، بينما يغطي فيلم “إنها حياة رائعة” فترة ما بين 1919-1946. وقد اعتبر المخرجان أن فترة الأربعينيات، سنوات الحرب العالمية الثانية، نقطة تحول كبرى في البلدات الصغيرة، وإن ظل لكليهما مخاوف مختلفة. في كلا الفيلمين يسعى البطل مع قدوم الحداثة إلى التحرر من قيود بلدته الصغيرة. وفي النهاية تم تقديم البلدتين جيانكالدو وبيدفورد فولز، واقعتين تحت سحر المدن الكبيرة.
نمشي مع الحداثة دائما وما بعدها، وكيف تجلت في الأفلام بجوانبها المختلفة. الحداثة في المدينة الأورويلية، نسبة إلى جورج أورويل. بين اليوتوبيا والدستوبيا في مدينة المستقبل السينمائية. هناك حديث مفصل عن اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة عند الفلاسفة عبر التاريخ، وروايات دالة عليها وعلى الديستوبيا مثل رواية “النظر إلى الماضي” لإدوارد بيلامي الصادرة عام 1888، أو رواية “النائم يستيقظ” لهربرت جورج ويلز الصادرة عام 1899. أو رواية ” 1984 ” لجورج أورويل.
***
ننتقل إلى فيلمين من أفلام الخيال العلمي هما “ميتروبوليس” للمخرج فريتز لانج عام 1927 وهو فيلم صامت، وفيلم “برازيل” للمخرج تيري جيليام الصادر بعد ذلك عام 1985، للحديث عن الملامح اليوتوبية التفاؤلية والملامح الديستوبية الكابوسية التي تميز حداثة القرن العشرين. فيلم “متروبوليس” من عنوانه يعبر عن مدينة شديدة التعقيد، إلا أن أفقها مستوحى من مدينة مانهاتن في نيويورك، وشكلها مستوحى من مدينة برلين.
كانت المدينتان وقتها مسرحا لنقاش محتدم في الولايات المتحدة وجمهورية فايمار الألمانية في عشرينات القرن الماضي حول الحداثة والمجتمع الحضري ودور العمارة والعمران. قصة كل من الفيلمين وأحداثه ودلالاتها كالعادة يقف عندها.
الفارق أن فيلم “برازيل” عن مدينة مُتخيلة. كيف تعرض فيلم “متروبوليس”شيئا من النقد باعتبار أن رمزيته سمحت للحزب النازي بالصعود إلى السلطة بين الحربين الأولى والثانية، وغير ذلك، بينما أثار فيلم “برازيل” سؤالا عن أين توجد هذه المدينة. هل هي حقيقية أم وهمية؟ فالأغنية في الفيلم أو أحلام البطل ملاذه في هذا العالم، لا تشير إلى البرازيل كبلد. قال المخرج إنه كان يريد أن يطلق عليه “1984 ونصف” كتكريم مزدوج لجورج أورويل، لكن ظهر فيلم “1984” عن رواية أورويل لمايكل فورد، فبحث عن عنوان آخر. المكان على الأرجح هو إنجلترا إبان حكم مارجريت تاتشر في الثمانينات، التي شهدت انهيار دولة التكافل الاجتماعي.
***
بطلا الفيلمين رجلان من الطبقة العليا يبحث كل منهما عن ذاته في ظل الحداثة الأورويلية، فيلجأ كل منهما إلى الأحلام، لتعرض ذات كل منهما للخطر بسبب الأوضاع الرأسمالية الاحتكارية في فيلم متروبوليس، وبسبب بيروقراطية النظام الرأسمالي في فيلم “برازيل”. قد يساعد الخيال العلمي لأنه يسمح بتجسيد فضاء عمراني مستقبلي غير موجود على أرض الواقع. الفيلمان يبينان لنا أنه لا يوتوبيا دون ديستوبيا موازية، فمجتمع المدينة وعمرانها منقسم بين الأغنياء والفقراء، والفقراء يسكنون تحت سطح الأرض.
ننتقل إلى العمران الحديث والحداثة الساخرة، عن المدينة السينمائية في ستينات القرن الماضي.هنا فيلمان للفرنسي جاك تاتي عن هذه الحداثة والسخرية من أشكال العمارة والعمران الحديث.منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي وجدت أزمة الإسكان في باريس اهتماما إعلاميا كبيرا.
كانت باريس تعاني منذ القرن التاسع عشر نقصا في الوحدات السكنية، وأدت الحرب العالمية الثانية بعد انتهائها إلى تدفق الكثير من السكان إليها، هي المكتظة أصلا بالسكان. احتل العديد منهم “البيدو نوفيل”، أي المستوطنات العشوائية في أطراف المدينة، فيما ظلت الأحياء الداخلية القديمة بالمدينة ببلوكاتها السكانية القديمة والبالية تسكنها الطبقات العامة الباريسية.
***
بدأت الأوضاع تتغير في الخمسينيات مع الانتعاش الاقتصادي، فتحولت الأحياء الداخلية الفقيرة إلى أحياء مشهورة بالأعمال التجارية. صدر قانون جديد في أغسطس 1961 أنشأ مؤسسة دوائر باريس المسؤولة عن إعداد وتطوير البلاد. تم إنشاء عدد من الأبراج على أطراف باريس، وتم نقل الكثير من الطبقة العاملة إلى هذه الأبراج في الضواحي. لقي ذلك انتقادا بسبب افتقار الأبراج إلى الملامح الحيوية التي تميز باريس مثل المقاهي والأسواق وحياة الشارع.
كذلك أدت المساعدات الأمريكية إلى انطلاق موجة من النمو الصناعي والتجاري في فرنسا، فزاد عدد السيارات المملوكة والتليفزيونات مثلا التي حلت محل الراديو، وكان من أهم أهداف هذه المساعدات خلق أسواق جديدة للمنتجات الأمريكية.
هنا ظهرت مواد بناء جديدة مثل الزجاج والبلاستيك والنايلون، الذي ظهر أيضا في الحياة اليومية مع أدوات الطبخ والطعام. ساهمت الولايات المتحدة في نشر الأسلوب العالمي الجديد في الفن والعمارة والأثاث والتصميم عبر سلاسل فنادق مثل الهيلتون وعبر المعارض التجارية.
***
صارت هناك انتقادات لذلك لما يحدثه من اغتراب اجتماعي، فجاءت أفلام المخرج جاك تاتي في خمسينات وستينات القرن الماضي تنتقد هذه النزعة الاستهلاكية الأمريكية، وتحمل رؤية ساخرة للحداثة بالأسلوب الأمريكي يراه المؤلف سابقا لعصره. اصطنع تاتي شخصية سينمائية هي “السيد هولو”، مثلها بنفسه وعرضها أول مرة في فيلم “عطلات السيد هولو” عام 1953. هولو المشتت وسط المادية الفارغة التي تشكل المدينة الحديثة من هياكل زجاجية وغيره. هولو هو المتجول البودليري الهائم على وجهه واللامبالي معا، وقريب الشبه بشخصية الصعلوك التي مثلها شارلي شابلن.
جاء فيلمان يحملان رؤية ساخرة لحياة وعمران المدينة الحديثة، هما فيلم “خالي” وفيلم “أوقات اللعب”. فلا نري في العالم غير المباني الزجاجية والأجهزة البلاستيكية والحياة المميكنة بالكهرباء، مثل الثلاجات والغسالات وغيرها. كانت العلاقة بين العقلانية السطحية للمدينة وعقلانيتها الأصلية، محورا مهما في أعمال تاتي، فغابت في الفيلمين باريس الحقيقية أمام هذا المجتمع الاستهلاكي وخواء العمارة الزجاجية، أي الاستخدام المفرط في الزجاج في الواجهات مثلا.
هكذا، صارت الحداثة المعمارية تطالبنا بأن نغير تصوراتنا ذاتها أو الطريقة التي نعيش بها، فجاءت الحداثة الساخرة في السينما وكأنها تستشرف أعمال الشغب الطلابية والعمالية لتي حدثت عام 1968.
(3)
ننتقل إلى المدينة النيوليبرالية المفككة. صورة سينمائية لاقتصاد ما بعد الحداثة وتحليل مدينة ما بعد الحداثة. يُعد الوقت واللامركزية والعسكرة والمراقبة من أهم سمات مدينة ما بعد الحداثة. في مثل هذه المدينة تتحول التطلعات اليوتوبية بشكل متكرر إلى جحيم ديستوبي. مدينة لوس أنجلوس في السينما مثال على ذلك. هنا لا المتجول الهائم ولا اللامبالي قادر أن يسعفنا في هذا الفضاء التي تمت السيطرة عليه.
يأتي مجاز “السايبورج”، الذي ابتكرته الباحثة النسوية دونا هارواي، كفاعل رئيسي وأداة تحليلية لهذا الفضاء ما بعد الحداثية. السايبورج كائن مهجن بين الآلة الميكانيكية والإنسان البيولوجي. ليس هو الروبوت الذي ظهر في فيلم متروبوليس فهو مخلوق يتحدي الإنسانية والمدينة بإمكانات غير طبيعية.
وهنا يأتي الحديث عن فيلمين هما بليد رانر أو “عدّاء النصل” Blade Runner من إخراج ريدلي سكوت في الثمانينات في شكل مُتصور عن لوس انجلوس عام 2019، حيث تبدو المدينة في حالة من الانحلال العمراني والخلقي والنفسي بسبب التفكك الاقتصادي واللامركزية والمراقبة الدائمة والاستعانة بمصادر خارجية وفيلم “سقوط عام 1992 من إخراج جويل شوماخر. في الفيلمين الأبطال عبارة عن مناسيخ آدمية أفرزتها مدينة ما بعد الحداثة أو كائنات سايبورجية كما اقترحت هاراواي.
***
ينقلنا هذا إلى المدينة تحت المراقبة، من خلال التلصص من العدسة إلى الشاشة في عصر الحداثة. تاريخ الفكرة في السينما منذ فيلم الفريد هيتشكوك النوافذ الخلفية عام 1954 عن نيويورك إلى فيلم سيلفر Silver عام 1993 للمخرج فيليب نويسعن نيويورك وفيلم “نهاية العنف” عن لوس أنجلوس للمخرج ويم وِندرز عام1997. التلصص والكاميرات واغتراب البشر والعنف والانقسام الطبقي ومخاوف المدينة.
في الأفلام الثلاثة، كان الاستحضار الافتراضي للمشهد في إطار كادر النافذة أو عدسة الكاميرا أو الشاشة كناية عن العالم الحقيقي. العلاقة بين التلصص والمراقبة ليست جديدة ولا نتاجا للحداثة نفسها، لكن الحداثة وما بعد الحداثة ساعدا في وجودهما وتكيفهما بشكلهما الحالي.
وننتقل إلى المدينة السينمائية من خلال طبقاتها الاجتماعية. الحداثة بين التحضر والمنبوذ. الإنتاج السينمائي يعتمد باعتباره صناعة إعلامية اعتمادا كبيرا على رأس المال وعادة ما يرتبط بشكل وثيق بعلاقات القوي والسلطة. الحديث عن رأس المال يحيل طبيعيا إلى الطبقات الاجتماعية. هي طبقات ليست استاتيكية بل تتشكل عبر التاريخ.
***
هنا الحديث عن نيويورك وجوهرها من خلال أفلام وودي ألِن. أفلام مثل “آني هول” عام 1977 و”مانهاتن” عام 1979 وفيلم سائق التاكسي لمارتن سكورسيزي عام 1976.
هنا المحنك المنتمي إلى الطبقة العليا في أفلام وودي ألِن والمنبوذ المعذب في سائق التاكسي. في فيلم مانهاتن مثلا نيويورك مكان متسامح وفي سائق التاكسي نظرة معاكسة تماما. نصل إلى حداثة بديلة عن حياة الأقليات العرقية في المدينة السينمائية من خلال فيلمي “مغسلتي الجميلة” للمخرج ستيفن فرير عام 1984عن البعد العنصري في أحياء لندن وفيلم “أفعل الشيء الصحيح” للمخرج سبايك لي عام 1989 عن نيويورك.
وتأتي خاتمة الكتاب عن المدينة المثالية في عصر الحداثة المفرطة عن التمثيل العمراني بين اليوتوبيا والدستوبيا دراسة عمرانية للمدن والبلدات الصغيرة وأفلام عنها كالعادة اتركها لكم، وعن اليوتوبيا الضائعة مع الحداثة والاشتياق إلى حياة مثالية في أميركا ونوستالجيا لزمن مضي أو خيال عن بلدة مثالية.
وفي النهاية، هذا كتاب يستحق الاحتفاء ليس غريبا على المبدع والمفكر المصري الذي يعيش بعيدا عنا، ويجعل حضور مصر رائعا بأبحاثه وأعماله في كل فضاء العالم.
اقرأ أيضا:
كيف أصبحت الإسكندرية حلما؟ الروائي «إبراهيم عبدالمجيد» يُفسر